وزيرة الخارجية كلينتون: أود أن أتوجه بالشكر لتونس على استضافتها هذا الاجتماع اليوم وأشيد بجامعة الدول العربية على قيادتها طوال هذه الأزمة. كما أود أن أنوه بشكل خاص باختيار كوفي أنان كمبعوث خاص لكل من الأمم المتحدة والجامعة. وهو سيسعى في سبيل تعزيز التوافق في الآراء الذي جسدته خطة الجامعة للانتقال (في سوريا) وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وأنا أتطلع إلى العمل معه.

الآن، نلتقي جميعا هنا لأن تصعيد نظام الأسد للعنف في سوريا يعد إهانة للمجتمع الدولي وتهديدا للأمن الإقليمي وانتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان العالمية.

لقد تجاهل نظام حكم الأسد كل تحذير وفوت كل فرصة وخرق كل اتفاقية.

وفي مواجهته للمتظاهرين المصممين على المطالبة بنيل حقوقهم وكرامتهم، فقد خلق النظام كارثة إنسانية مروعة. إذ تواصل الدبابات ومدافع الهاون والمدفعية الثقيلة استهداف المدنيين في الأحياء السكنية، بما في ذلك النساء والأطفال. كما قامت قوات الأمن بقطع التيار الكهربائي والاتصالات، وخربت إمدادات المياه، واقتحمت المستشفيات وأجبرت آلاف السوريين على الفرار من منازلهم. وقد تبينت الأمم المتحدة أن جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت. والآن هناك تقارير تتحدث عن حشد للقوات استعدادا لشن هجوم أشد فتكا.

وهنا في تونس، يتحدث المجتمع الدولي بصوت واحد كما فعلنا في الجمعية العامة في الأسبوع الماضي، وهو أن الهجوم الوحشي الذي يشنه نظام حكم الأسد يجب أن يتوقف وأن يبدأ التحول الديمقراطي. والشعب في سوريا يتطلع إلينا في ساعة محنته. ونحن لا يسعنا أن نخذله. فلنبدأ بالتأكيد ثانية على المبادئ الأساسية التي اتفقنا عليها هذا اليوم وهي:

إننا نردد بقوة مطالبة جامعة الدول العربية بأن توقف الحكومة السورية على الفور كل الهجمات على المدنيين؛ وأن تضمن حرية التظاهرات السلمية؛ وأن تطلق سراح كل المواطنين الذين اعتقلوا بصورة تعسفية؛ وأن تعيد قوات الأمن والجيش إلى ثكناتها، وأن تسمح بوصول كامل وغير مقيد لمراقبين وعمال إنسانيين وصحفيين.

كما نطالب بحل سلمي متفاوض عليه لهذه الأزمة وانتقال ديمقراطي يشمل الجميع لتلبية التطلعات المشروعة للشعب السوري في بيئة خالية من العنف والخوف والقهر والتطرف.

كما أننا ملتزمون التزاما راسخا بسيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية ووحدتها القومية.

ودعما لهذه المبادئ ينبغي على هذه المجموعة أن تتخذ إجراءات ملموسة في ثلاثة مسارات هي: توفير الإغاثة الإنسانية الطارئة، وتشديد الضغط على النظام، والإعداد للتحول الديمقراطي.

أولا، الإغاثة الإنسانية الطارئة: الظروف في سوريا قاتمة وتتفاقم. إذ إن الحاجة تمس للمساعدات الطارئة ولكن النظام يفعل كل ما في وسعه لمنع المعونات من الوصول إلى من يحتاجها. وهو يلاحق عمال الإغاثة والأطباء والصحفيين الذين يكتبون عن المعاناة.

ولا يمكننا أن ننتظر إلى أن تصبح هذه الازمة كارثة أشد فداحة. وإنني أعلن اليوم أن الولايات المتحدة ستقدم 10 ملايين دولار لتسريع وتيرة الجهود الإنسانية، بما في ذلك تقديم الدعم للاجئين. وهذه الأموال ستساعد في دعم المرافق الطبية المؤقتة وتدريب عمال الطوارئ في مجال الصحة وتوفير مياه الشفة النقية والبطانيات والأغذية ومواقد التدفئة وأدوات مستلزمات النظافة للمدنيين السوريين المحتاجين. وهذه لن تكون النهاية. فالولايات المتحدة سوف تقدم دعما إنسانيا إضافيا في الأيام المقبلة.

وقد عملت منظمات إنسانية موثوق بها على إيصال الإمدادات الإنسانية ووضعتها مسبقا في مراكز في المنطقة وهي موجودة ميدانيا وجاهزة للتوزيع إذا أمكن ترتيب وصول آمن لها. وتحقيقا لهذا الهدف فإننا ندعم بالكامل جهود منسق الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة لغرض تأمين وصول فوري وآمن لعمال الإغاثة الإنسانية والإمدادات.

وإذا امتنع نظام الأسد عن السماح للمعونات المنقذة للأرواح بالوصول إلى المدنيين فستكون يداه أكثر تلطخا بالدماء. وكما ستكون أيدي تلك البلدان التي تواصل حماية النظام وتسليحه ملطخة بالدماء أيضا. إننا نطالب تلك البلدان التي توفر السلاح لقتل المدنيين بأن تكف عن ذلك فورا.

وهذا ينقلنا إلى الناحية الثانية من العمل—زيادة الضغط على نظام الأسد وتشديد عزلته وبعث رسالة واضحة مفادها: أنك ستدفع ثمنا باهظا لتجاهلك إرادة المجتمع الدولي وانتهاك حقوق الإنسان لأفراد شعبك.

وعلينا جميعا أن نلقي نظرة فاحصة على ما يمكننا أن نفعله من أمور أخرى. وقد حان الوقت للجميع لأن يفرضوا حظرا على سفر كبار مسؤولي النظام – كما فعلت جامعة الدول العربية – وتجميد أرصدتهم ومقاطعة النفط السوري وتعليق أي استثمارات جديدة ودراسة إغلاق سفارات وقنصليات (سوريا). وفيما يتعلق بالدول التي سبق أن فرضت عقوبات فإنه ينبغي علينا أن ننفذها بشدة.

وينبغي ألا يكون هناك أي خطأ في الفهم تجاه تصميمنا وعزمنا، فهذه الجرائم التي تُرتكب ضد الشعب السوري يجب أن تتوقف ويجب أن تكون هناك مساءلة ومحاسبة للشخصيات البارزة في النظام.

كما ينبغي ألا يكون هناك أي شك في أن حكم الأسد لا يمكن استمراره. وكما سمعنا اليوم مباشرة، فقد بدأ المواطنون داخل وخارج سوريا بالفعل في التخطيط للانتقال إلى الديمقراطية، من قادة المجلس الوطني السوري إلى المجالس الشعبية المحلية فى جميع أنحاء البلاد الذين ينظمون أنفسهم في ظل أصعب الظروف وأكثرها خطورة. وينبغي أن يكون دعم هذه العملية هو خط العمل الثالث لدينا.

إن الأسد يقوم بتمزيق نسيج المجتمع السوري ويسعى إلى تأليب أفراده ضد بعضهم البعض. ولإصلاح هذا الضرر، وبناء الديمقراطية المستدامة، يتحتم على جميع السوريين العمل معا - العلويين والمسيحيين والسنة والدروز والعرب والأكراد - لضمان أن يتم حكم سوريا الجديدة من خلال سيادة القانون، وأنها تحترم وتحمي الحقوق المعترف بها عالميًا لكل مواطن، بغض النظر عن العرق أو الطائفة أو الجنس.

إننا ننظر إلى المجلس الوطني السوري كممثل شرعي رائد يمثل السوريين الذين يسعون إلى تغيير ديمقراطي سلمي، ونعتبره ممثلا فعالا ينوب عن الشعب السوري أمام الحكومات والمنظمات الدولية.

وكما سمعنا اليوم، فإن المجلس الوطني السوري يعمل على صياغة خطة للمستقبل تبدأ بعملية انتقالية فعالة. ونحن نحث كافة أطياف المعارضة جماعات وأفرادًا في سوريا، بمن فيهم ممثلو جميع الأقليات العرقية والدينية، على العمل معا حول هذه الرؤية المشتركة في الأيام والأسابيع المقبلة.

ولن يحل هذه الأزمة سوى التحول الديمقراطي الحقيقي. وكما ذكرت جامعة الدول العربية فإن الهدف ينبغي أن يكون تشكيل حكومة وحدة وطنية تليها انتخابات حرة تتسم بالشفافية وتتم تحت إشراف عربي ودولي. ويجب أن يكون رحيل الأسد جزءًا من ذلك.

والآن، إنني أدرك أن البعض داخل سوريا، خصوصا مجتمعات الأقليات بها، يشعر بالقلق حول ما سيحدث بعد الأسد. نحن نعلم أن لديهم من المخاوف بشأن استمرار حكمه ما هو أكثر من ذلك بكثير، ولكن قلقهم مفهوم. ولذا فإنني أحث هذا التجمع على أن يبعث برسالة قوية مفادها أن العالم لن يتسامح مع استبدال أحد أشكال الاستبداد بشكل آخر. إننا نعارض بشدة أعمال الانتقام والقصاص. وسوف نقدم الدعم لعملية انتقالية تتم إدارتها بشكل سليم وتؤدي إلى سوريا جديدة يتم فيها احترام وحماية حقوق كل مواطن، وليس إلى حالة من الفوضى.

وإلى أولئك السوريين الذين ما زالوا يدعمون الأسد، خصوصًا أعضاء القوات المسلحة السورية،: افهموا أن هذا النظام ليس له مستقبل. فكلما أطلتم مدى حملة العنف الذي يمارسه، كلما تلطّخ شرفكم. ولكن إذا رفضتم المشاركة في شن الهجمات على إخوانكم المواطنين، فسيحييكم مواطنوكم كأبطال.

سوريا بلد فخور بـ 23 مليون نسمة، وبتاريخ غني وثقافة عريقة. ويمكن أن تكون نهاية الأسد إيذانًا ببداية جديدة لسوريا. بل هي فرصة لإعادة بناء وتعزيز أسس الدولة. وإذا تكاتف السوريون معا، وخاصة إذا أدركت قيادات مجتمع الأعمال والقيادات العسكرية وغيرها من المؤسسات في سوريا أن مستقبلها يكمن في إصلاح الدولة السورية وليس النظام، فقد تبزغ سوريا كبلد قوي وموحد – تتمتع بالزعامة المحترمة والمسؤولة في المنطقة.

ينبغي أن يكون هناك هدف مشترك للجميع. وإننا إذ نمضي قدما اليوم، فإنني آمل أن نتمكن من الاستمرار في التركيز على اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء العنف ودعم الشعب السوري الباسل في تطلعاته.

وشكرًا لكم