لقد تطرقت إلى موضوع التحديات الخارجية الرئيسة التي تواجه روسيا في مقالاتي. ومع ذلك يستحق هذا الموضوع تفصيلا أكثر. ولأن السياسة الخارجية جزء لا يتجزأ من استراتيجية أية دولة، فإن التحديات الخارجية والعالم المتغير حولنا تجبرنا على اتخاذ قرارات في مجال الاقتصاد والثقافة والميزانية والاستثمار.

روسيا جزء من العالم الكبير من وجهة النظر الاقتصادية والثقافية ونشر المعلومات. لا يمكننا أن نبقى في عزلة ولا نريد ذلك. نأمل بأن يسهم انفتاحنا في زيادة رفاهية وثقافة مواطني روسيا ويعزز الثقة التي بدأت تصبح موردا نادرا أكثر فأكثر.

ولكننا سننطلق بشكل متتال من المصالح والأهداف الذاتية وليس من القرارات التي يتم إملاؤها من جانب الآخرين. تُقبل روسيا باحترام وتؤخذ بعين الاعتبار فقط إذا كانت قوية ومستقرة. كانت روسيا دائما تتمتع بالفعل بامتيازها في ممارسة سياسة خارجية مستقلة. وسيكون ذلك في المستقبل ايضا. وأكثر من ذلك أعتقد أن الأمن الدولي يمكن تحقيقه فقط مع روسيا، وليس عن طريق " حصرها في الزاوية" وإضعاف مواقفها الجيوسياسية وإلحاق الضرر بقوتها الدفاعية.

تتميز أهداف سياستنا الخارجية بطابعها الاستراتيجي وليس الانتهازي، وينعكس ذلك من خلال موقع روسيا الفريد من نوعه على خريطة العالم السياسية وفي دورها في التاريخ وفي تطور الحضارة البشرية.

إننا من دون شك نواصل نهجا نشيطا وبناء لتوطيد الأمن العام ورفض المواجهة والتصدي الفعال للتحديات مثل انتشار الأسلحة النووية والنزاعات والأزمات الإقليمية والإرهاب وخطر المخدرات. سنعمل كل ما بوسعنا لتأمين حصول روسيا على أحدث انجازات التقدم العلمي التقني وحصول رجال أعمالنا على مكان محترم في السوق العالمية.

سنسعى إلى إقامة نظام عالمي جديد ينطلق من الوقائع الجيوسياسية المعاصرة ، على ان يكون ذلك بشكل تدريجي ودون هزات غير ضرورية.

من يخرب الثقة

رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل و على جانبيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي و رئيس الوزراء ديفيد كاميرون خلال زيارتهم لليبيا بعد "الثورة"

أعتقد أنه كما في السابق يوجد هناك ضمن أهم المبادئ الطابع غير المتجزئ لأمن جميع الدول ومنع استخدام القوة المبالغ فيها ومراعاة المبادئ الرئيسة للقانون الدولي. إن إهمال ذلك يؤدي إلى تفكيك استقرار العلاقات الدولية.

وعبر مثل هذا المفهوم بالذات نستوعب بعض نواحي السلوك للولايات المتحدة والناتو التي لا يقبلها منطق التطور المعاصر والتي تبقى معتمدة على عقلية الأحلاف. يفهم الجميع ماذا أقصد بذلك. توسع الناتو، بما في ذلك نشر عناصر جديدة للبنية التحتية العسكرية وخطط الحلف (الموضوعة في الولايات المتحدة ) الخاصة بإنشاء منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا.

لم أكن لاتطرق لهذا الموضوع لو لم تجري هذه الالعاب قرب الحدود الروسية ولم تهدد أمننا ولم تعمل ضد الاستقرار العالمي.

تعليلنا معروف وواضح ولا أود أن أبينه من جديد. ولكنه لسوء الحظ لا يقبله شركاؤنا الغربيون الذين يرفضونه تماما.

أكثر ما يثير قلقي هو أن ملامح علاقاتنا مع الناتو لا تزال غير واضحة حتى الآن فيما الحلف الأطلسي يبدأ انشاء "وقائعه على الارض" ما لا يساعد على بناء الثقة المتبادلة. في المقابل هذا الاسلوب لترتيب الأمور يؤثر بشكل غير مباشر على المهامات ذات الأهمية العالمية وتمنع تثبيت جدول الاعمال الايجابي في العلاقات الدولية كما يعيق عملية اعادة تأهيلها بشكل بناء.

سلسلة النزاعات المسلحة التي تبررها الأهداف الانسانية تقوض مبدأ السيادة الدولية الذي بقي مقدسا عبر القرون. لذلك يتم تشكيل الفراغ في العلاقات الدولية.

يقال أحيانا ان حقوق الانسان تتمتع بالأولوية قبل السيادة الدولية. لا شك أن هذه الفكرة حقيقية والجرائم ضد الانسانية يجب أن تعاقب عليها المحكمة الدولية. ولكن اذا كانت السيادة الدولية تنتهك من خلال استخدام هذا المبدأ، وحماية حقوق الانسان تأتي من الخارج على أساس انتقائي ومثل هذه الحماية يرافقها انتهاك نفس الحقوق لدى عدد كبير من الناس بما فيها أهم وأقدس حق وهو حق الحياة .. وفي هذه الحالة لا يدور الحديث عن أمر نبيل بل عن كلام فارغ.

من المهم جدا أن يكون باستطاعة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبشكل فعال مكافحة تحكم بعض الدول والاستبداد على الساحة الدولية. لا يمكن لأحد خطف صلاحيات ووظائف الأمم المتحدة وخاصة فيما يتعلق باستخدام القوة تجاه الدول المستقلة. ويدور الحديث قبل كل شيء حول الناتو التي تحاول اغتصاب الوظائف التي لا تزال غير مناسبة "للحلف الدفاعي". كل هذا أكثر من خطير. ونذكر دعواتنا العبثية الى مراعة المبادئ الحقوقية والسلوك الانساني المبدئ تجاه الدول التي أصبحت ضحية "العمليات الانسانية" وتصدير "ديموقراطية القنابل والصواريخ". وهذه الدعوات لم يسمعوها ولم يرغبوا في سماعه

"الربيع العربي": دروس واستنتاجات

علم حركة 6 أبريل المصرية و عليه قبضة اوبتار المأخوذ من حركة الشباب الصربي: و هذا يدل على اعادة استخدام رموز الثورات الممولة من قبل أمريكا

قبل عام واجهت العالم ظاهرة جديدة، مظاهرات متزامنة تقريبا في العديد من الدول العربية ضد الأنظمة الاستبدادية. "الربيع العربي" في الوهلة الأولى كان التطلع اليه بأمل إحداث تغيير إيجابي. وكان تعاطف الروس مع أولئك الذين سعوا إلى إصلاحات ديمقراطية.

لكن، سرعان ما أصبح واضحا أن الأحداث في كثير من البلدان بدأت تتطور في سيناريو غير متحضر. فبدلا من الديمقراطية، وبدلا من حماية حقوق الأقليات، يتم دفع الخصم والانقلاب عليه. أي عندما يتم استبدال هيمنة قوة واحدة إلى قوة أكثر عدوانية منها..

ان التدخل الخارجي الداعم لطرف واحد في النزاعات الداخلية ، وطابع استخدام القوة لمثل هذا التدخل ، هو الذي اضفى شكلا سلبيا على تطور الاوضاع . ووصل الأمر أن عددا من الدول وتحت ستار الشعارات الإنسانية وباستخدام الطيران أجهزوا على النظام الليبي. وفي قمة ذلك وبمشهد مثير للاشمئزاز لم يحدث في القرون الوسطى بل في العصور البدائية تم قتل معمر القذافي.

لا يمكن السماح لمن يحاول تنفيذ السيناريو الليبي في سورية. جهود المجتمع الدولي يجب أن توجه في المقام الأول إلى تحقيق المصالحة الداخلية في سورية. من المهم تحقيق نهاية سريعة للعنف من أي جهة كانت، وبدء حوار وطني من دون شروط مسبقة ومن دون تدخل أجنبي، واحترام سيادة البلاد. وهذا سيؤدي إلى خلق الظروف المناسبة لتنفيذ الاصلاحات الديمقراطية التي أعلنتها القيادة السورية بشكل فعلي. المهم عدم السماح لنشوب حرب أهلية واسعة النطاق.. وفي هذا السياق عملت وستعمل الدبلوماسية الروسية.

استناذا إلى التجربة المريرة، نحن ضد اتخاذ قرارات مثل التي اتخذها مجلس الأمن والتي من الممكن تأويلها كإذن بالتدخل العسكري في العملية السورية الداخلية..

وفقط بناء على هذه المبادئ لم تسمح روسيا والصين في بداية فبراير/ شباط بتبني قرار يتحمل أكثر من تأويل والذي يمكن أن يشجع لجوء أحد الأطراف المتنازعة إلى العنف..

في هذا الخصوص، ومع اعتبار رد الفعل، الحاد للغاية، على الفيتو الروسي الصيني، أريد أن أحذر زملاءنا الغربيين من إغراء اللجوء الى النماذج المبسطة التي تم استخدامها سابقا: اذا وجدت موافقة من مجلس الأمن على هذه العملية أو تلك فحسنا، واذا لا توجد، نشكل تحالفا للدول ذات المصلحة. ونقصف.

ان منطقا كهذا يعتبر في حد ذاته غير فعال وخطرا للغاية.. ولن يقود اي نتائج حسنة. وفي كل الأحوال، لا يساعد على تسوية الأوضاع داخل الدول التي تعاني من النزاع. والاسوا من ذلك انه يؤدي الى مواصلة عدم توازن نظام الأمن الدولي كله . ويقوض صدقية ودور الأمم المتحدة المحوري. واود التذكير بأن حق الفيتو ليس مجرد نزوة، بل جزء لا يتجزأ من النظام العالمي، موثق في ميثاق الأمم المتحدة، وبالمناسبة، بناء على إصرار الولايات المتحدة. ويتمثل معنى هذا الحق في ان القرار الذي يقف ضده على الأقل عضو واحد دائم في مجلس الأمن الدولي، لا يمكن أن يكون متكاملا وفعالا.. يحدوني أمل كبير في أن تأخذ الولايات المتحدة والدول الأخرى بعين الاعتبار التجربة المريرة وألا يحاولوا اللجوء إلى سيناريوهات استخدام القوة ضد سورية من دون قرار من مجلس الأمن الدولي.

أصلا، لا أستطيع بأي شكل كان، استيعاب مصدر هذا التشدد. لماذا لا يكفي التحلي بالصبر لإيجاد مدخل جماعي ودقيق ومتوازن. خصوصا أنه في حالة المشروع "مشروع القرار السوري" المذكور، هذا المدخل عمليا، اتضحت معالمه. وبقي فقط طلب الشيء ذاته من المعارضة المسلحة، كما من السلطة. وبالتحديد إخراج الوحدات العسكرية والفصائل المسلحة من المدن. ان رفض القيام بذلك يعتبر وقاحة.

إذا أردنا توفير سلامة المواطنين، وهذه أولوية بالنسبة إلى روسيا، فمن المهم عقلنة كل أطراف المواجهة العسكرية. هناك جانب آخر، اتضح أن في الدول التي عبرت خلال "الربيع العربي" كما كان في العراق، تفقد الشركات الروسية مواقعها التي تشكلت لعقود في الاسواق المحلية، تفقد عقودا كبيرة جدا. ويحتل مكانها وكلاء اقتصاد تلك الدول التي ساهمت في تغيير النظم في تلك الدول. يمكن الظن أن أكثر الأحداث تراجيدية إلى حد ما حفزها ليس الاهتمام بحقوق الإنسان بل مصلحة جهة ما في تقسيم الاسواق . مهما كان الأمر لكن بالنسبة إلينا يجب أن لا ننظر إلى كل هذا بهدوء تام. ونحن ننوي العمل بفعالية مع السلطات الجديدة في الدول العربية لنستعيد سريعا مواقعنا الإقتصادية.

بشكل عام ما يحدث في العالم العربي مفيد جدا. وتشير الأحداث هناك إلى أن الرغبة في فرض الديمقراطية من خلال أساليب القوة يمكن وغالبا ما تؤدي إلى نتيجة عكسية تماما. فيتم صعود قوى، بما في ذلك المتطرفون الدينيون، تحاول تغيير اتجاه التنمية في تلك البلدان، والطبيعة العلمانية لحكمها.

نحن في روسيا كانت لدينا دائما علاقات جيدة مع ممثلي الإسلام المعتدل، وأيديولوجيتهم قريبة لتقاليد المسلمين في روسيا الاتحادية. ونحن مستعدون لتطوير هذه الاتصالات في الظروف الحالية. نحن مهتمون بتعزيز العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع جميع الدول العربية بما في ذلك مع تلك الدول التي شهدت فترة من الاضطرابات الداخلية. وعلاوة على ذلك، أرى أن الظروف الحقيقية هي التي سمحت لروسيا بالاحتفاظ بشكل كامل بمكانتها الرائدة على الساحة الشرق الأوسطية حيث كان لدينا دائما الكثير من الأصدقاء.

وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، فانه لم يتم بعد اختراع "وصفة سحرية" يمكنها أن تساعد في نهاية المطاف على تصحيح الوضع . ولا يجب التوقف في أي حال من الأحوال، آخذا بعين الاعتبار على وجه الخصوص علاقاتنا الوثيقة مع القيادة الإسرائيلية والزعماء الفلسطينيين، وستستمر الدبلوماسية الروسية بنشاط في تشجيع استئناف عملية السلام على أسس ثنائية وفي إطار رباعية الشرق الأوسط وبتنسيق التحركات مع جامعة الدول العربية.

"الربيع العربي" هو أيضا عرض بوضوح أنه يتم تهيئة الرأي العام العالمي في الوقت الحاضر عن طريق استخدام، بشكل نشط للغاية، التكنولوجيات المتقدمة في مجال الإعلام والاتصالات.

يمكن القول إن الانترنت، والشبكات الاجتماعية والهواتف المحمولة وغيرها أصبحت إلى جانب التلفزيون أداة فعالة للسياسة الداخلية والدولية. وهذا هو عامل جديد، يتطلب التفهم وعلى وجه الخصوص، للحد من خطر استخدامه من قبل الارهابيين والمجرمين.

يُستخدم أكثر وأكثر مفهوم "القوة الخفيفة"، اي مجموعة من الأدوات والأساليب لتحقيق الأهداف السياسية الخارجية من دون استخدام الأسلحة، ولكن عن طريق استخدام اذرع تأثير اعلامية وغيرها . مع الاسف غالبا تُستخدم هذه الطرق لتربية وتحريض التطرف والنزعة الانفصالية والقومية والتلاعب بالرأي العام والتدخل المباشر في السياسة الداخلية للدول ذات السيادة.

ويجب التفريق بوضوح بين، حرية التعبير والنشاط السياسي العادي وبين آليات "القوة الخفيفة" غير الشرعية. ويمكن الترحيب بالعمل الحضاري للمؤسسات الانسانية غير الحكومية، بما في ذلك تلك التي تنتقد بنشاط السلطات القائمة ، ولكن نشاط المؤسسات غير الحكومية وغيرها من المؤسسات المدعومة من الخارج والتي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في أي من البلدان، غير مقبول.

وأنا أقصد هنا تلك الحالات عندما لا تطور المنظمة غير الحكومية نشاطها من خلال مصالح مجموعات المجتمع المحلية وموارده بل يتم تمويلها ورعايتها من قبل قوى خارجية. يوجد في العالم اليوم العديد من "وكلاء التأثير" والذين يتبعون للدول الكبرى والوحدات والشركات. وعندما يقوم هؤلاء الوكلاء بنشاطهم بشكل واضح هذا يعد أحد أشكال ما يسمى "باللوبي المتحضر". وروسيا لها أيضا مثل هذه المؤسسات مثلا /التعاون الروسي/ وصندوق /العالم الروسي/ وجامعاتنا الرائدة التي تقوم بعملية نحو توسيع آفاق البحث عن المنتسبين الموهوبين في الخارج.

لكن أما روسيا فلا تستخدم المنظمات الوطنية غير الحكومية التابعة لبلدان أخرى.. ولا تقوم بتمويل هذه المنظمات إضافة إلى المنظمات الأجنبية ذات الطابع السياسي من أجل تحقيق مصالحها. والصين والهند والبرازيل لا تقوم بذلك أيضا.

ونحن نعتقد أن التأثير على السياسية الداخلية والرأي العام في بلدان أخرى يجب أن يتم بشكل مفتوح.. الأمر الذي سيضع اللاعبين أمام المسؤولية تجاه نشاطهم .

التحديات والتهديدات الجديدة

شكت روسيا منذ فترة طويلة أنها تغمر بالهيروين الأفغاني الرخيص كما في الوقت الذي ترفض الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي القضاء على الخشخاش وقف تجارة المخدرات.

إيران.. الآن هي التي تستقطب الاهتمام الشامل. وروسيا بطبيعة الحال تشعر بقلق تجاه التهديد المتزايد بتنفيذ هجوم عسكري على هذا البلد. إذا حدث ذلك فإن العواقب ستكون كارثية حقا ولا يمكن أن يتصور حجمها الحقيقي.. وأنا على ثقة بضرورة إيجاد حل سلمي لهذه القضية. ونحن نقترح... الاعتراف بحق إيران في تطوير برنامجها النووي المدني بما في ذلك الحق في تخصيب اليورانيوم. ولكن في المقابل يجب أن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة جميع أنشطة إيران النووية بشكل آمن وشامل. إذا حققنا ذلك... حينذاك يجب رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران بما في ذلك أحادية الجانب. وقد شغف الغرب بفرض ما يسمى بالعقاب لدول محددة، وفي حال حدوث شيء ما مناسب ترفع عصا العقوبات وحتى العصا العسكرية. وأذكر بأننا لسنا في القرن التاسع عشر وحتى لسنا في القرن العشرين.

أما فيما يتعلق بالقضية النووية الكورية فالوضع هنا ليس بأقل خطورة. بيونغ يانغ بانتهاكها نظام عدم انتشار السلاح النووي تعلن عن مشروع امتلاكها برنامجا نوويا عسكريا وقد قامت مرتين باختبار أسلحة نووية. إن كوريا شمالية كدولة تملك الأسلحة النووية هو وضع غير مقبول بالنسبة لروسيا. نحن ندعو دائما إلي نزع الأسلحة النووية من أراضي شبه الجزيرة الكورية وتنشيط المفاوضات السداسية بأسرع وقت ممكن و ذلك بالطريقة الدبلوماسية فقط.

ولكن على ما يبدو ليس شركاؤنا كلهم يشاطرونا الرأي ، أنا مقتنع أننا بحاجة إلى ان نكون حذرين تجاه كوريا الشمالية.. لا دعي إلى محاولة اختبار صبر زعيم جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية الجديد و التي بلا أي شك ستؤدي إلى ردود فعل سريعة.

للتذكير فان لروسيا حدود مع كوريا الديموقراطية الشعبية و من المعروف أننا لا نختار جيراننا وعلينا مواصلة الحوار مع قيادة كوريا وتطوير العلاقات الودية و حسن الجوار لدفعها إلى حل القضية النووية ومن الواضح أنه يكون الأمر اسهل تنفيذا إذا كان جو الثقة المتبادلة هو السائد في تلك المنطقة و يستأنف الحوار بين الكوريتين.

علي خلفية المشاعر المتأججة حول البرامج النووية لإيران وكوريا الشمالية نبدأ في التفكيربشكل عفوي حول كيفية ظهور خطر انتشار الأسلحة النووية ومن الذي يعززه. هناك شعور بأن العدد المتزايد للتدخلات الخارجية المسلحة في الشؤون الداخلية للدول قد يشجع الأنظمة الاستبدادية المعينة للحصول على الأسلحة النووية. وكأن حال هذه الانظمة يقول فإذا كانت لدي قنبلة ذرية في جيبي فلا أحد يلمسني لأن حياته غالية عليه . ومن ليست لديه هذه القنبلة فدعه ينتظر التدخل "الإنساني"!.

سواء أحببنا ذلك أم لا فيسبب التدخل الخارجي مثل هذه الأفكار وهذه هي حقيقة. ولذلك لا يتناقص عدد البلدان التي تسمى بالبلدان الواقفة على "العتبة" والتي هي على بعد مد اليد من التقنيات النووية العسكرية، بل بالعكس يزداد عددها. وفي هذه الظروف تزداد أهمية المناطق الخالية من أسلحة التدمير الشامل التي يتم إنشاؤها في أنحاء العالم المختلفة. وبناء على مبادرة روسيا قد بدأ العمل في مناقشة مثل هذه المنطقة في الشرق الأوسط.

يجب القيام بكل ما في وسعنا لكي لا يلوح في الأفق إغراء احد ما للحصول على أسلحة نووية . ولإجراء ذلك يجب على المناضلين من اجل حظر انتشار أسلحة التدمير الشامل إعادة بناء عملهم ، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين تعودوا على معاقبة الدول الأخرى بالقوة العسكرية من دون اتاحة فرصة لعمل الدبلوماسيين. كان ذلك ، على سبيل المثال، في العراق الذي تضاعفت مشاكله بعد حوالي عشر سنين من الاحتلال.

وفي حالة إذا نجحنا أخيرا في القضاء على الحوافز التي تدفع الدول إلى الحصول على أسلحة نووية سيكون من الممكن ، انطلاقا من المعاهدات الدولية القائمة، جعل النظام الدولي لحظر انتشار أسلحة التدمير الشامل ثابتا حقا. ويسمح مثل هذا النظام لجميع البلدان الاستفادة الكاملة من "الذرة السلمية" تحت إشراف الوكالة التابعة للأمم المتحدة

وبالنسبة لروسيا فسيكون ذلك من المفيد جدا لأننا نعمل بنشاط في الأسواق الدولية ونقوم ببناء محطات توليد الطاقة النووية الجديدة على أساس التكنولوجيات الحديثة والآمنة ، كما نشترك في إنشاء مراكز متعددة الأطراف لتخصيب اليورانيوم وبنوك الوقود النووي.

ويثير القلق ايضا مستقبل أفغانستان. ومن المعروف اننا قمنا بدعم العملية العسكرية الخاصة بتقديم المساعدة الدولية لهذا البلد. ولكن لم تحل القوات الدولية العاملة تحت رعاية منظمة حلف شمال الأطلسي المهام المقررة. ولم ينخفض مستوي التهديد الإرهابي وخطر المخدرات الصادر من أفغانستان. بعد الإعلان عن الخروج من هذا البلد في عام 2014 يعمل الأمريكيون هناك وفي الدول المجاورة لافغانستان على بناء القواعد العسكرية من دون تفويض مفهوم ، ومن دون ان تكون أهدافها ومدة عملها واضحة. ونحن بطبيعة الحال لم نقتنع بذلك.

روسيا لديها مصالح واضحة في أفغانستان. وهذه المصالح هي مفهومة تماما. أفغانستان هي جارنا القريب وإننا مهتمون في تطوير هذا البلد بشكل مستقر وبطريقة سلمية. وقبل كل شىء مهتمون في ان تتوقف افغانستان ان تكون مصدرا رئيسيا لخطر المخدرات. لقد أصبح الاتجار غير المشروع بالمخدرات واحدا من التهديدات الأكثر حدة الذي يدمر جينات الأمم كلها ويخلق أرضا خصبة للفساد والجريمة ويؤدي إلى زعزعة استقرار الوضع في أفغانستان. اقول أنه لم ينخفض مستوي إنتاج المخدرات في أفغانستان ، بل زاد في العام الماضي بنسبة 40٪ تقريبا. وتواجه روسيا عدوان الهيروين الذي يسبب أضرارا كبيرة لصحة مواطنينا.

ونظرا لضخامة خطر المخدرات الأفغانية لا يمكن أن نتغلب عليها إلا بجهود العالم كله اعتمادا على الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وهي منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شانغهاى للتعاون ورابطة الدول المستقلة. اننا مستعدون لدراسة المسألة حول التوسيع الجدي لنطاق مشاركة روسيا في ضمان عملية تقديم المساعدة للشعب الأفغاني. ولكن بشرط أن تعمل القوات العسكرية الدولية في أفغانستان بشكل أكثر نشاطا لضمان مصالحنا وتبدأ في التدمير الحقيقي لمحاصيل المخدرات والمختبرات السرية.

يجب مرافقة تفعيل أنشطة مكافحة المخدرات في أفغانستان بقطع طرق نقل المواد الأفيونية الى الأسواق الخارجية ووقف التدفقات المالية التي تؤمن تداول المخدرات ومنع توريد المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع الهيروين. والهدف هو بناء نظام شامل لمكافحة المخدرات في المنطقة. سوف تساهم روسيا في الواقع بالاندماج الفعلي لجهود المجتمع الدولي لتحقيق التغيير الجذري في مكافحة المخدرات العالمية.

من الصعب التكهن بتطوير الوضع في أفغانستان. وتدل الخبرة التاريخية على أن الوجود العسكري الأجنبي لم يحقق لها السلام. لا يمكن حل مشاكل أفغانستان إلا من قبل مواطنيها. اعتقد أن دور روسيا هو تقديم المساعدة للشعب الأفغاني بمشاركة الدول المجاورة في بناء اقتصاد مستقر وتعزيز قدرة القوات المسلحة الوطنية على مواجهة تهديدات الإرهاب وتهريب المخدرات. ليس لدينا مانع لانضمام أعضاء المعارضة المسلحة ، بما في ذلك حركة طالبان ، لعملية المصالحة الوطنية وذلك بشرط نبذ العنف والاعتراف بالقانون الأساسي للدولة وقطع العلاقات مع منظمة "القاعدة" والمجموعات الإرهابية الأخرى. وأعتقد مبدئيا أن بناء الدولة الأفغانية المستقرة والمستقلة والمحايدة هو في متناول اليد.

يخلق عدم الاستقرار المتجمد لسنوات وعقود أرضا خصبة للإرهاب الدولي. ويدرك الجميع أن هذا هو واحد من أخطر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي . وأود أن أشير إلى أنه تقع مناطق الأزمة التي تولد التهديدات الإرهابية بالقرب من الحدود الروسية ، أي أقرب الينا بكثير مما هي لشركائنا الأوروبيين أو الأمريكيين. واتخذت الأمم المتحدة الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، ولكن يبدو أنه لا تزال مكافحة هذه الآفة تجري بدون خطة واحدة شاملة، بل بطريقة رد الفعل على الأعمال الإرهابية الأكثر حدة ووحشية عندما يبلغ غضب المجتمع الدولي على الأعمال الإرهابية كل الحدود الممكنة . يجب على العالم المتحضر أن لا ينتظر المآسي المتأتية من مثل تلك الهجمات الإرهابية في نيويورك في سبتمبر 2001 او ينتظر بيسلان جديدة ، حتى ينتفض ويبدأ العمل بشكل جماعي وبشكل حاسم بعد حدوثها .

إنني بعيد من رفض النجاحات المحرزة في مكافحة الإرهاب الدولي. انها موجودة. في السنوات الأخيرة عزز بشكل كبير التعاون بين وكالات الاستخبارات ووكالات تطبيق القانون من مختلف البلدان. لكن هناك احتياطيات كبيرة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب. ولا تزال هناك "معايير مزدوجة". ففي بلدان مختلفة يقيمون الإرهابيين بأشكال مختلفة : "سيئون" و" ليسوا سيئيين للغاية". وهناك بعض السياسيين الذين يريدون ان يستخدموا هذا الأخير في اللعبة السياسية على سبيل المثال لهز الأنظمة الحاكمة غير المرغوب فيها .

تعزيز دور منطقة آسيا والمحيط الهادئ

رئيس الوزراء الصيني وين جيامباو و رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين يقفون لأخذ صورة مع رؤساء الوزراء من مناطق اخرى بعد لقاء منظمة تعاون شانغاهاي في سانت بيترسبرغ روسيا تشرين الثاني.
تشاينا دايلي

يقع بجوار بلدنا مركز مهم للاقتصاد العالمي وهو الصين. لقد أصبح من المألوف أن نتحدث عن دوره المستقبلي في الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية. في العام الماضي شغلت الصين المرتبة الثانية في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي ووفقا للخبراء الدوليين ، بما في ذلك الخبراء الأمريكيون، ففي المستقبل القريب سوف تتجاوزالصين الولايات المتحدة في هذا المؤشر. كما تتزايد القوة الإجمالية للصين بما في ذلك تمدد قوتها في مناطق مختلفة.

كيف نتصرف في ظل عامل صيني يتعزز ديناميكيا ؟

اولا، أنا مقتنع بأن نمو الاقتصاد الصيني لا يشكل تهديدا، بل هو تحدي يحمل في طياته قدرات هائلة للتعاون في المجال التجاري وفرصة للقبض على "الريح الصينية" في "أشرعة" اقتصادنا. يجب علينا بناء علاقات التعاون الجديدة والتوفيق بين قدرات التكنولوجيا والتصنيع لبلدينا واستغلال ، بالطبع بشكل عقلاني، القدرات الصينية في التنمية الاقتصادية لسيبيريا والشرق الأقصى. ثانيا، ، لا تبدي الصين بسلوكها على الصعيد الدولي رغبتها في الهيمنة. ويبدو صوت الصين في العالم أكثر ثقة. ونرحب بذلك لان بكين لها نفس الرؤية للنظام العالمي العادل الناشئ، كما هي لدينا. سوف نستمر في دعم بعضنا البعض على الصعيد الدولي وحل معا المشاكل العالمية و المحلية و تعزيز التعاون في مجلس الأمن الدولي وفي منظمة شانغهاى للتعاون وفي مجموعة الدول الـ "20" للتعاون، وفي المنظمات المتعددة الأطراف الأخرى.

وثالثا، لقد حلنا كافة القضايا السياسية الرئيسية في علاقاتنا مع الصين، بما في ذلك القضية الرئيسية وهي قضية الحدود. لقد تم بناء آلية الاتصالات الثنائية التي تقوم على وثائق ملزمة قانونا. ووصلت قيادة الدولتين إلى مستوى غير مسبوق من الثقة العالية. وهذا يسمح لنا وللصينيين العمل بروح من الشراكة الحقيقية وعلى أساس الواقعية والمصالح المتبادلة. إن بنية العلاقات بين روسيا والصين لها آفاق جيدة.

لا يعني كل ذلك بالطبع أنه لا توجد مشاكل في علاقاتنا مع الصين. وقد تظهر هنا او هناك بعض المشاكل . فلا تتطابق مثلا مصالحنا التجارية في دول ثالثة، ولا نعتبر هيكل التجارة الحالي مريحا تماما ، ومستوى الاستثمارات المتبادلة منخفض. سنراقب موجات الهجرة من الصين.

فكرتي الرئيسية هي في أن روسيا تحتاج الى الصين المزدهرة والمستقرة، وبدورها تحتاج الصين إلى روسيا قوية وناجحة.

وينمو بسرعة عالية ايضا عملاق آخر في آسيا وهو الهند. لدى روسيا والهند علاقات صداقة تقليدية وتصفها قيادة البلدين بالشراكة الاستراتيجية المتميزة والخاصة.

نشهد ليس فقط نمو الصين والهند فنحن نلمس أيضا تعاظم الوزن السياسي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ كلها. وفي هذا الصدد يجري خلق آفاق جديدة للعمل المثمر في إطار الرئاسة الروسية لمنظمة التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي شهر سبتمبر من هذا العام سنستضيف قمة المنظمة في فلاديفوستوك ونقوم بالتحضيرات لهذه القمة ونعمل على صنع بنية تحتية حديثة الأمر الذي في حد ذاته سيساهم في التطوير اللاحق لسيبيريا والشرق الأقصى وسيمكن بلادنا من الاشتراك في العمليات التكاملية في "آسيا الجديدة".

لقد أولينا اهتماما رئيسيا بالتعاون مع شركائنا في منظمة بريكس. هذه المنظمة الفريدة التي انشئت عام 2006 وباتت عنوانا للتحول من عالم أحادي القطب إلى نظام عالمي أكثر إنصافا. أنها تجمع الدول الخمس التي يبلغ عدد سكانها ثلاثة مليارات نسمة تقريبا والتي تتمتع بأكبر الاقتصاديات النامية والموارد الطبيعية الهائلة والأسواق الداخلية الضخمة. وبعد انضمام جنوب أفريقيا اصبحت منظمة بريكس منظمة عالمية بالمعنى الكامل والآن فهي تشكل أكثر من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

نحن فقط في بداية العمل المشترك في تشكيل منظمة بريكس، وعلينا تنسيق وتنظيم العمل أكثر بين أعضائها وخاصة على صعيد السياسة الخارجية بصورة عامة وفي ساحة الأمم المتحدة بصورة خاصة. وعندما ستبدأ "الدول الخمس" لمنظمة بريكس عملها بقوتها الكاملة فستصبح تأثيراتها على الاقتصاد العالمي وسياسته هامة جدا.

في الفترة الاخيرة بدأت الدبلوماسية الروسية ودوائر الأعمال الروسية توجيه عناية خاصة لتطوير التعاون مع الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينية والأفريقية. تحظى روسيا في هذه المناطق من العالم باعجاب وتعاطف. أرى مهمة تقوية التعاون الاقتصادي التجاري مع دول المناطق المذكورة وتنفيذ المشاريع المشتركة معها في مجال الطاقة و البنية التحتية والاستثمارات والعلم التكنولوجيات والبنوك والسياحة من أهم المهام الرئيسية للفترة القادمة.

تعكس نشاطات "مجموعة الـ 20" الدور المتزايد لدول القارات المذكورة أعلاه في المنظومة الديموقراطية الناشئة لإدارة الاقتصاد العالمي و الأموال. اعتبر أن "المجموعة 20" سوف لا تتحول في الوقت القريب إلي آلية استراتيجية هامة لرد الأزمات المختلفة فحسب ، بل تشكيلة إصلاح الهيكل المالي و الاقتصادي العالمي طويلة الأجل. وستكون روسيا رائدة في "منظومة الـ 20" في عام 2013 وبلا شك في أننا نستغل هذه الفرصة لتنسيق نشاط " المجموعة20" بعمل المؤسسات العالمية المتعددة الأطراف.

أخرى و بدرجة أولى "الاقتصادات الثمانية الكبرى" و بالطبع هيئة الأمم المتحدة.

العامل الاوروبي

روسيا هي جزء لا يتجزأ من اوروبا الكبيرة ، او بالاحرى الحضارة الاوروبية الواسعة. ويصف مواطنونا انفسهم بانهم اوروبيون بالدرجة الاولى. لذلك يهمنا كل ما يحدث في اوروبا الموحدة. ولهذا السبب بالذات فان روسيا تقترح السيرعلى طريق إنشاء الفضاء الاقتصادي والانساني الموحد من المحيط الاطلسي حتى المحيط الهادي بصفته فضاء يسميه الخبراء الروس اتحاد اوروبا الذي من شأنه ترسيخ امكانات ومواقف روسيا لدى انعطافها الاقتصادي نحو "آسيا الجديدة". واننا نتأثر الى حد كبير بصدمات اقتصادية ومالية تعانيها الآن اوروبا التي كانت سابقا واحة للاستقرار والنظام، وذلك على خلفية نهضة تعيشها الصين والهند وغيرهما من الاقتصادات الجديدة. ولا يمكن الا تطال الازمة التي ضربت اوروبا مصالح روسيا وبالدرجة الاولى آخذا بعين الاعتبار ان الاتحاد الاوروبي يعتبر اكبر شريك على صعيد العلاقات الاقتصادية الخارجية بالنسبة الينا. ومن الواضح ان مستقبل النظام الاقتصادي العالمي كله يتوقف الى حد كبير على حالة الاقتصاد الاوروبي.

وانخرطت روسيا بنشاط في تلك الاجراءات التي تتخذها الاسرة الدولية بغية دعم الاقتصادات الاوروبية المصابة بالازمة. وشاركت روسيا في وضع قرارات جماعية اتخذت في اطار صندوق النقد الدولي. واننا لا نستثني مبدئيا احتمال تقديم ، في بعض الحالات ، مساعدات مالية مباشرة .

فيما نعتقد ان ضخ الاموال الخارجية في الاقتصاد الاوروبي لا يحل المشكلة الا جزئيا. ومن اجل تصحيح الوضع تماما لا بد من اتخاذ خطوات فعالة تحمل طابعا منتظما. وقد طرحت على القادة الاوروبيين مهمة اجراء تحولات واسعة النطاق من شأنها ان تغير مبدئيا الآليات المالية والاقتصادية الكثيرة وتضمن ضبط الميزانيات. واننا مهتمون بان يكون الاتحاد الاوروبي قويا كما تراه ألمانيا وفرنسا مثلا. كما اننا معنيون بتطبيق القدرات الكامنة القوية للشراكة بين روسيا والاتحاد الاوروبي.

يجب القول ان المستوى الراهن للتعاون بين روسيا والاتحاد الاوروبي لا يستجيب للتحديات العالمية الشاملة وقبل كل شيء فيما يتعلق بزيادة قدرة قارتنا المشتركة على المنافسة. وانني اقترح مرة اخرى العمل على استحداث رابطة منسجمة للاقتصادات ابتداءا من لشبونة وحتى فلاديفوستوك والوصول مستقبلا الى تشكيل منطقة التجارة الحرة وحتى آليات اكثر تقدما في التكامل الاقتصادي. وفي هذه الحال سنحصل على سوق قارية مشتركة تبلغ قيمتها تريليونات اليورو. فهل هناك من يشكك في استجابة ذلك لمصالح الروس والاوروبيين؟

ويجب التفكير ايضا في درجة التكامل الاكثر عمقا في مجال الطاقة وصولا الى أنشاء مجمع موحد للطاقة الاوروبية. وقد اتخذت الخطوات الهامة على هذا الطريق، وهي إنشاء خطي انابيب الغاز " السيل الشمالي" المار بقعر بحر البلطيق، و"السيل الجنوبي" عبر البحر الاسود. وحظي هذان المشروعان بدعم الكثير من الحكومات الاوروبية. وتشارك فيهما شركات الطاقة الاوروبية الكبرى. وبعد إنجازهما ستحصل اوروبا على منظومة امداد بالغاز آمنة ومرنة ولا يتوقف عملها على تقلبات سياسية مما يمكنها ، ليس شكليا ، بل في الواقع ، من توطيد أمن الطاقة في القارة الاوروبية. ويعتبر هذا الامر ملحا بصورة خاصة على ضوء القرارات التي اتخذتها بعض الدول الاوروبية بتقليص استخدام الطاقة النووية او التخلي عنها تماما.

واريد القول بصراحة ان "رزمة الطاقة الثالثة" التي أيدتها المفوضية الاوروبية والتي تهدف الى إبعاد شركات الطاقة الروسية المتكاملة اوروبيا لا تساعد في تعزيزعلاقاتنا، بل انها ، في ظل عدم الاستقرار داخل الموردين البدائل عن روسيا، تزيد من حدة ألاخطار المتتالية على الطاقة الاوروبية وتهدد مصالح رجال الاعمل الذين ينوون مستقبلا الاستثمار في المشاريع الجديدة للبنية التحتية. وقد عبر الكثير من السياسيين الاوروبيين في الحوارات الخاصة معي عن موقفهم السلبي من تلك الرزمة. ويجب عليهم ان يكونوا نزهاء ليزيلوا هذا الحاجز على طريق تطوير التعاون ذي المنفعة المتبادلة.

انني اعتبر ان الشراكة الحقيقية بين روسيا والاتحاد الاوروبي تستحيل ما دامت هناك حواجز تحول دون اقامة اتصالات اقتصادية وانسانية. والمقصود بالامر بالدرجة الاولى هو نظام منح تأشيرات الدخول. وكان من شأن إلغائها توسيع علاقات العمل والثقافة وبصورة خاصة بين ممثلي البزنس الصغير والمتوسط. ويعتبر تهديد مصالح الاوروبيين من جانب من يسمون بالمهاجرين القادمين من روسيا تهديدا وهميا في معظم الاحوال ، علما ان امكانات مواطنينا لاستخدام كفاءاتهم وقواهم في بلادنا تزداد من يوم الى آخر.

لقد اتفقنا في شهر ديسمبر/كانون الاول الماضي على اتخاذ الخطوات المشتركة الرامية الى إلغاء تأشيرات الدخول. ويجب تطبيقها دون تأخر، او بالاحرى الاستمرار في العمل النشيط في هذا المسار.

الشؤون الروسية الامريكية

بذلنا في الاونة الاخيرة جهودا كثيرة لتطوير العلاقات الروسية الامريكية. لكننا لم نستطع الحل النهائي لمسألة التغيير الجذري لمحرك تلك العلاقات، علما انها تتعرض كما هو الحال في السابق للمد أحيانا والجزر أحيانا اخرى. وينجم عدم الاستقرار هذا في الشراكة عن حيوية القوالب القديمة والتخوفات المعروفة. والدليل الساطع على ذلك هو كيف يجري تصوير روسيا في الكونغرس الامريكي. لكن المشكلة تكمن في ان الحوار السياسي والتعاون بين البلدين لا يستندان الى قاعدة اقتصادية متينة حيث لا يستجيب حجم التجارة للقدرات الكامنة في اقتصاد بلدينا. والامر كذلك في الاستثمارات المتبادلة. اذن فلم يتم انشاء شبكة امان من شأنها ان تحمي علاقاتنا من التقلبات. ويجب بذل جهود في هذا المسار.

هناك محاولات تقوم بها الولايات المتحدة بشكل منتظم لممارسة ما يسمى بـ "الهندسة السياسية" في مناطق واقاليم تعتبر هامة بالنسبة لروسيا تقليديا، ناهيك عن التأثير على سير الحملات الانتخابية.

وأكرر مرة اخرى ان فكرة إنشاء منظومة الدرع الصاروخية في اوروبا تثير لدينا قلقا مشروعا. فلماذا تقلقنا تلك المنظومة اكثر من غيرها ؟ - لانها تطال قوات الردع النووي الاستراتيجي التي تمتلكها روسيا فقط في مسرح العمليات هذا ، وتخل بموازين القوى السياسية والعسكرية التي تشكلت هنا على مدى عقود.

وينعكس الترابط غير المنقطع بين الدرع الصاروخية والاسلحة الاستراتيجية الهجومية في معاهدة "ستارت – 3" للحد من الاسلحة الاستراتيجية الهجومية الموقعة عام 2010. التي تعتبر إنجازا كبييرا على صعيد السياسة الخارجية. وقد سرى مفعول تلك المعاهدة التي تعمل بشكل لا بأس به. واننا جاهزون لبحث شتى احتمالات ما يمكن ان يشكل اجندتنا المشتركة مع الامريكيين في مجال الرقابة على الاسلحة في المرحلة القادمة مع شرط ان يبقى توازن المصالح ويتم التخلي عن محاولات الحصول على امتيازات احادية الجانب في المفاوضات.

واحب الاعادة الى الاذهان انه سبق لي ان عرضت على الرئيس جورج بوش الابن خلال انعقاد قمة كينيبنكبورت عام 2007 حل مشكلة الدرع الصاروخية ، الامر الذي كان من شأنه ان يغير نوعيا - في حال قبوله - الطبيعة المعتاد عليها للعلاقات الروسية الامريكية ويحيل الوضع الى مجرى ايجابي. وزد على ذلك ففي حال الوصول الى حل اختراقي في مجال الدرع الصاروخية آنذاك لكان بالامكان توفير فرص لتشكيل موديل جديد نوعيا وقريب من التحالف للعلاقات في مجالات حساسة كثيرة اخرى. لكن لم يضبط الحال آنذاك. وربما كان من المستحسن مراجعة تسجيل المحادثات في كينيبنكبورت. وكانت القيادة الروسية في السنوات الاخيرة تطرح اقتراحات اخرى في موضوع الوصول الى الاتفاق حول الدرع الصاروخية وتبقى كل تلك الاقتراحات قائمة. فعلى كل حال لا يجوز شطب كل الامكانيات للبحث عن حلول وسط لمشكلة الدرع الصاروخية. ولا يستحسن ان يصل حجم نشر المنظومة الامريكية الى حد يجعلنا نطبق خطوات الرد المعلنة.

وسبق لي ان عقدت مؤخرا لقاء مع هنري كيسنجر الذي التقي به بشكل منتظم. وانا اشارك هذا الشخص المحترف الكبير حيث يطرح فكرة مفادها ان موسكو وواشنطن بحاجة الى اقامة التعاون المبني على الثقة حين يعيش العالم مرحلة التقلبات السياسية وعدم الاستقرار. وكان علينا في حقيقة الامر ان نحقق تقدما كبيرا ونقلة نوعية اختراقية في علاقاتنا مع الولايات المتحدة مع شرط ان يسترشد الامريكيون في واقع الامر بمبدأ الشراكة المتكافئة والاحترام المتبادل.

الدبلوماسية الاقتصادية

انتهى في ديسمبر/كانون الأول الماضي الماراثون الطويل المتعلق بانضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية. لا يمكنني الا ان ألفت الى ان ادارة اوباما و زعماء الدول الاوروبية الرائدة ساهموا بنشاط في المرحلة الختامية في الوصول الى اتفاقات نهائية.

واقول بصراحة ان هذه الطريق الطويلة اصابتنا مرارا بالاحباط وكدنا نغلق باب المفاوضات اكثر من مرة. لكننا لم ننكسر مما جعلنا نتوصل في آخر المطاف الى حل وسط يناسب بلادنا ويضمن مصالح منتجينا الصناعيين والزراعيين تماشيا مع ازدياد التنافس على الصعيد الخارجي. وحصلت جهاتنا الاقتصادية على مزيد من الامكانات الاضافية للدخول في الاسواق العالمية والحماية لحقوقها هناك. ويعتبر هذا الامر بالذات - وليس مجرد الانضمام الرمزي - نتيجة رئيسية للدخول في المنتدى التجاري العالمي.

وستقوم روسيا بمراعاة شروط منظمة التجارة العالمية شأنها شأن كل تعهداتها الدولية. وآمل بان يلتزم شركاؤنا بالقواعد نفسها. واريد الاشارة الى اننا قد نقلنا مبادئ منظمة التجارة العالمية الى القوانين المعمول بها في الفضاء الاقتصادي الموحد لروسيا وبيلاروس وكازاخستان. اذا حاولنا تحليل كيفية تطبيق المصالح الاقتصادية الروسية على الصعيد الدولي اتضح اننا نبدأ تعلم ذلك بشكل منتظم، ولكننا مازلنا نفتقر لمهارة وقدرات دعم وتمرير قرارات دولية تساعد البزنس الوطني كما هو الحال لدى شركائنا الغربيين.

وهناك مهام جدية اذا اخذنا بالحسبان اولويات التطوير الابتكاري للبلاد، وهي ان تضمن لروسيا مواقف متكافئة في النظام المعاصر للعلاقات الاقتصادية في العالم وتقلص الاخطار الناتجة عن التكامل مع الاقتصاد العالمي بما فيها الاخطار المتعلقة بانضمامنا الى منظمة التجارة العالمية والانضمام القادم الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

نحن نحتاج اكثر من اي وقت مضى الى الدخول في الاسواق الخارجية دون ان نتعرض لاي تمييز. علما ان الجهات الخارجية تتجاهل لحد الآن التقيد بالقواعد ازاء شركاتنا خارج روسيا حيث تفرض عليها قيودا سياسية وتجارية وتضع امامها حواجز تقنية تخفض من قدرتها على المنافسة. وشانها شأن الاستثمارات حيث نحاول استقطاب الرساميل الاجنبية الى الاقتصاد الروسي ونفتح امامها افضل المرافق الانتاجية الجذابة وبصورة خاصة في مجالات الطاقة والوقود. اما مستثمرينا فلا يلقون ابدا مثل هذه المواقف والامتيازات بل بالعكس يتم إبعادهم عنها. وهناك امثلة كثيرة، وبينها مثال شركة "اوبل" الالمانية التي لم يستطع المستثمرون الروس شراءها بالرغم من موافقة الحكومة الالمانية على عقد هذه الصفقة والموقف الايجابي الذي اتخذته منها النقابات. ثمة منع المستثمرين الروس من التمتع بحقوقهم الاستثمارية بعد توظيفهم أموال طائلة في الارصدة الاجنبية. ويحدث ذلك كثيرا ما في بلدان وسط وشرق اوروبا. وتجبرنا كل تلك الامور على الاعتماد على المرافقة السياسية والدبلوماسية لخطوات يتخذها رجال الاعمال الروس في الاسواق الخارجية وتقديم الدعم الاكبر للمشاريع الضخمة. ويجب الا ننسى ان بوسع روسيا ان تستعين باجراءات رد متكافئة ازاء من يلجأ الى طرق فاسدة في المنافسة.

ويتوجب على الحكومة واتحادات رجال الاعمال التنسيق في جهودهم المتخذة في الاسواق الخارجية وتقديم الافضل لمصالح البزنس الروسي ومساعدته في التأقلم بالاسواق الجديدة.

واريد التركيز هنا على عامل يحدد دور ومكانة روسيا في موازين القوى السياسية والاقتصادية الراهنة والمستقبلية، وهو مساحة أراضينا الواسعة، علما ان روسيا تعتبر كبرى الدول مساحة التي تمتلك موارد طبيعية لا مثيل لها في العالم. والمقصود بالامر هو ليس النفط والغاز فقط فحسب بل والغابات والاراضي الزراعية وموارد الماء العذب او بالاحرى فان اراضي روسيا هي مصدر لقدرتها الكامنة. وكانت رحاب بلادنا في ما مضى تستخدم بمثابة فضاء يمنع العدو من شن عدوان علينا. اما الآن فيمكن ان تصبح اساسا لرفع قدرتنا على المنافسة في حال ممارسة استراتيجية اقتصادية صائبة.

ويجب ان نذكرهنا بصورة خاصة تزايد عجز العالم عن توفير كميات لازمة الماء العذب. ويمكن التكهن في ان تبدأ في المستقبل القريب المنافسة الجيوسياسية من اجل امتلاك الموارد المائية وامكانية انتاج سلع تحتوي على المياه. وقد وقعت بين أيدينا ورقة رابحة. وينبغي ان نفهم ان هذه الثروة يجب ان تصرف بشكل عقلاني استراتيجيا.

دعم ابناء الوطن الروسي والبعد الانساني

يحدد احترام البلاد على الصعيد الدولي بقدرتها على حماية حقوق مواطنيها وأبناء الشتات خارج الوطن. ومن المهم الا ننسى مصالح ملايين ابناء وطننا القاطنين في دول اخرى والذين يقيمون خارج الوطن حيث يقيمون بهدف اداء مهام والراحة في المنتجعات. واريد ان اوجه دعوة الى وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات لتقدم مساعدة ملموسة ودعما لابناء وطننا. واريد ان اشدد على ضرورة حل كل المشاكل مع السلطات المحلية وتسوية الحوادث بما فيها حوادث المرور باسرع وقت دون انتظار التدخل من قبل وسائل الاعلام.

وسنصر بحزم على اتباع السلطات في لاتفيا واستونيا لكل التوصيات التي اصدرتها المنظمات الدولية بشأن مراعاة حقوق الاقليات القومية المعترف بها عالميا. ولا يمكن الموافقة على بقاء وضع مهين غير شرعي يصف ابناء وطننا كانهم غير مواطنين في بلد يقطنونه. ولا يجوز الموافقة على ذلك حين نشهد ان كل شخص سادس في لاتفيا وكل شخص ثالث عشر في استونيا محرم من الحقوق الاجتماعية والانتخابية والسياسية الاساسية وامكانية الاستعانة الحرة باللغة الروسية.

فلنلق نظرة الى الاستفتاء العام الذي قد اجري بشأن الوضع القانوني للغة الروسية في لاتفيا والذي بين مرة اخرى للاسرة الدولية حدة المشكلة علما ان 300 ألف من "غير المواطنين" حرموهم من حق المشاركة في الاستفتاء العام بشأنهم. ذلك بعد ان رفضت اللجنة الانتخابية اللاتفية منح وفد المجلس الاجتماعي الروسي حق مراقبة سير الاستفتاء. اما ممثلو المنظمات الدولية المسؤولة عن مراعاة المقاييس الديمقراطية فيقفون مكتوفي الايدي كان هذا الامر لا يهمهم.

ولا ترضينا عموما كيفية استخدام موضوع حقوق الانسان على الصعيد الدولي. اولا لان الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية تسعى الى خصخصة ملف حقوق الانسان وتسييسه تماما والاستفادة منه كاداة للضغط. اما النقد الذي يمارس تجاهها فلا تقبله. وثانيا لانه يتم اختيار اهداف لفحص الامور الخاصة بحقوق الانسان انتقائيا وليس استنادا الى مقاييس عامة بل الى وجهة النظر لتلك البلدان التي قامت بخصخصة هذا الملف.

تشعر روسيا بانها تتعرض عمدا لنقد غير موضوعي وعدواني يخرج احيانا اطار كل الحدود المسموح بها. وعندما يشار الى سلبياتنا الحقيقية التي نتصف بها فلا مانع لذلك، ويمكن الترحيب بهذا النقد والخروج باستنتاجات معينة بهذا الشأن. لكن عندما تأتي موجة تليها موجة اخرى من النقد غير الموضوعي الهادف الى التأثير على موقف المواطنين منا وعلى الوضع في روسيا على الصعيد الداخلي السياسي فنفهم انه ليست مبادئ ديمقراطية سامية تقف وراء كل ذلك.

ولا يجوز تكليف اية جهة بمزاولة مجال حقوق الانسان من جانب واحد علما ان روسيا هي ديمقراطية فتية. اما نحن فنبدي أحيانا مزيدا من التواضع خشية من الاساءة الى عزة النفس لشركائنا الاكفاء. الا ان لدينا ما نقول لهم ، علما ان احدا لا يمكن ان يتقن مراعاة حقوق الانسان واحترام الحريات الاساسية. وتشهد حتى الديمقراطيات القديمة خروقات ومخالفات جدية لا يمكن غض النظر عنها. وفي طبيعة الحال فان الجهود لا يجب ان تتخذ استنادا الى مبدأ مفاده : " تقول انني احمق ، فانت احمق كذلك" علما ان البحث البناء لمشاكل حقوق الانسان يجب ان يجري في مصلحة الجميع.

قد قامت وزارة الخارجية الروسية بنشر اول تقرير لها في موضوع "مراعاة حقوق الانسان في بعض دول العالم". وانني اعتبر ان هذا العمل يجب ان يستمر صاعدا لنساهم في اقامة التعاون الواسع والمتكافئ في كل المجالات للمشاكل الانسانية وترويج المبادئ الاساسية للديمقراطية وحقوق الانسان. ويعتبر ذلك بالمناسبة جزءً من المرافقة الاعلامية والدعائية لجهودنا المتخذة على صعيد السياسة الخارجية والدبلوماسية لنشكل صورة واقعية لروسيا خارج الوطن. ويجب الاعتراف ان النجاحات في هذا المجال قليلة، علما اننا نخسر غالبا ما على الساحة الاعلامية . وتعتبر هذه المشكلة امرا جديا جديرا لان يولى له الاهتمام.

قد ورثت روسيا الثقافة العظيمة المعترف بها غربا وشرقا. لكن استثماراتنا في الصناعات الثقافية وترويج قيمنا في الاسواق العالمية تعد ضعيفة لحد الآن. وتمنح عملية النهوض بالاهتمام العالمي بمجال الافكار والثقافة والذي يتجلى عبر انخراط المجتمعات والاقتصادات الى شبكة الاعلام العالمية تمنح روسيا ومواهبها المؤكدة في مجال انتاج القيم الحضارية والثقافية فرصا اضافية.

ولا تتوفر لدى روسيا الفرص للحفاظ على ثقافتها فحسب بل والاستفادة منها بمثابة عامل قوي لترويجها في الاسواق العالمية. وتعتبر دول الاتحاد السوفيتي السابق وقسم أكبر من بلدان شرق اوروبا ساحة ينطق اهلها اللغة الروسية. وليست امبراطورة بل ترويج الثقافة وليست مدافع ولا استيراد انظمة سياسية بل تصدير التعليم والثقافة يساعد كل ذلك في تهيئة الظروف الملائمة لترويج السلع والخدمات والافكار الروسية.

ويجب علينا مضاعفة وجودنا الحضاري والثقافي في العالم وخاصة في تلك البلدان حيث ينطق البعض فيها اللغة الروسية ويفهمها البعض الآخر.

ولا بد من البحث الجدي لكيفية الاستفادة من انعقاد منتديات دولية كبرى في روسيا مثل قمة منظمة التعاون الاقتصادي في منطقة لآسيا والمحيط الهادي وقمتي مجموعة "العشرين" و"الثماني" الكبرى عامي 2013 و2014 والاولمبياد الطلابي في قازان عام 2013 والدورة الاولمبية الشتائية عام 2014 في سوتشي وبطولتي العالم للهوكي وكرة القدم عامي 2016 و2018 ، وذلك بغية تشكيل صورة موضوعية لروسيا على الصعيد الدولي.

وستنوي روسيا صاعدا العمل على ضمان أمنها ومصالحها القومية عن طريق مشاركتها النشيطة والبناءة في السياسة العالمية وحل القضايا العالمية والاقليمية. واننا مستعدون للتعاون المثمر القائم على المنفعة المتبادلة والحوار المفتوح مع كل شركائنا الاجانب. كما اننا نسعى الى فهم وحساب مصالح شركائنا ونطلبهم احترام مصالحنا.

titre documents joints