انتقلت الأزمة السورية منذ أول فيتو روسي – صيني باتجاه تحديد خيارات نهائية، فهناك زمن مختلف لهذا الأزمة مع التباين الدولي داخل مجلس الأمن، فرفض موسكو وبكين مان يعني دوليا تغيير قواعد التعامل الدولي، ولكن على الجانب المباشر تجاه سورية حمل معه مؤشر رفض اعتبار "الاحتجاج" وما رفقه من عنف حركة بمكن مقاربتها بأحداث مماثلة على أخص في مصر وتونس.

وعندما تم استخدام حق النفض في مجلس الأمن فإن الحدث السوري بات مكشوفا أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد الإحراج بشأن الشعارات التي تم إطلاقها في البداية يملك أي مبرر، وفي المقابل فإن الروايات وعلى الأخص الإعلامية منها بات بالنسبة لطرف دولي على الأقل "جزء" من الحرب وليست "حقائق موضوعية" يمكن بناء مواقف سياسية عليها.

عمليا فإن المواقف الدولية لم تكشف فقط صعوبة التدخل الدولي المباشر، بل أيضا نوعية «اللعب» على العوامل الداخلية في ظل وجود أطراف معارضة في داخل السورية، مهما كان توجهها أو حجمها، لكنها في النهاية لا تملك إطارا يضبط إيقاعها ويرسم ملامح لآليات تعاملها مع تداعيات الحدث، فرغم كافة الروايات عن وجود "عناصر مسلحة" منذ بداية الأزمة، لكن هذا الأمر كان "يكرس الفوضى" أكثر من كونه توجها مسلحا فهو عامل إرباك، وربما تأكيد على "لعبة الدم".

التسليح
المعارضة المسلحة أصبحت سمة الحد

والإخفاق في إعطاء الحدث سيناريو دولي جامع أنهى مساحة العنوان العريض لـ"سلمية الثورة" التي كانت تعني "حركة اجتماعية" وأدخلها في إطار ما أطلق عليه "الحرب الأهلية"، ورغم أن المصطلح الأخير يحمل معه الكثير من التحفظات إلا أنه يشكل السيناريو البديل لانهيار "النظام السياسي" بشكل تلقائي نتيجة تداعيات الحدث، فما جرى بعد الفشل الأول لمجلس الأمن في إصدار قرار ضد سورية هو "تأسيس" للحرب الأهلية ولو على مستوى الخطاب السياسي، وتمثل هذا التأسيس في أمرين:

  • الأول إيجاد نقاط لعملية خرق السيادة من جهة، ونزع الشرعية عبر عملية المحاصرة السياسية لسورية إقليميا، والأمرين كانا متلازمين، وظهر "المبادرات العربية" لإنشاء مناطق خرق السيادة، بينما مثلت إجراءات الجامعة العربية عملية "كشف سورية" أمام أي اختراق قادم.

ومن الملاحظ هنا أن تواجد المراقبية تزامن مع تطور سريع لظهور الوجود المسلح في محيط دمشق على سبيل المثال، وهو أمر لا يمكن فهمه لأنه من المفترض أن تتصاعد الاحتجاجات بوجود المراقبين وليس انتشار السلاح من طرف من المفترض أنه يقوم بحركة "سلمية".

  • الثاني اختبار قدرة الدولة السورية على التعامل مع حالة توسيع الاضطراب وفتح جبهات متعددة: سياسية وعسكرية في نفس الوقت، فالمسألة كانت تدخل ضمن احتمال ظهور تداعيات وربما انشقاقات واضحة نتيجة الإجراءات العربية لنزع شرعية "السلطة السياسية"، لكن المسألة لم تجر نحو "تفكك" الدولة رغم كافة التداعيات الاجتماعية التي فرضتها الأزمة أو حتى العقوبات التي طالت السوريون بمجملهم.

ما حدث بعد عام كامل أن "الدور الدولي" ظهر بشكل آخر عبر مهمة كوفي عنان، بينما خلق "تأسيس الحرب الأهلية" معارضة مسلحة مختلطة لا تحمل هوية واضحة أو برنامجا سياسيا، وفي نفس الوقت من الصعب تحديد مرجعيتها، الأمر الذي عقد من مهمة الحوار بين "السلطة السياسية" والمعارضة، وجعل إيجاد "رؤية سياسية" لمستقبل سورية "معضلة" حقيقية مع تعدد الأدوار التي تمت ممارستها على العديد من الأطراف السياسية.

يبدو الصراع الحالي ليس في تغيير "البنية السياسية" بل في ضمان عدم العودة إلى "التوجه الاستراتيجي" السابق، لكن أي رهان حالي مايزال مجرد "احتمال" من الصعب نجاحه في ظل "توازن" لم يتحول كثير رغم عام من الضغوط على دمشق إضافة لاحتجاجات تحولت لفصائل مسلحة... فهل يمكن الوصول إلى مساحة جديدة...؟!