هل يغيب عنا أن أي "رهان" هو على الوطن، وعلى جملة العلاقات التي تتحرك على مساحة مجتمع مازال يعيش خيارات مفتوحة تتقاطع وتتكسر أحيانا مع ثقافته، ففي النهاية يتحدث الكل عن "الرهانات"، ويجتمعون في اسطنبول لدعم "الرهانات"، وتسير السياسة ويطلق المسلحون النار، وتظهر البرامج كلها وكاننا أمام "صفقة كبرى لا تمس حاضرنا ومستقبلنا.

سورية ليست شانا شخصيا والحكم على الحدث ليس "مغامرة كبرى" يخوضها تيار أو فئة أو حتى حزب مهما كان موقعه، فنحن في النهاية نكتب بكل هذه "الرهانات" شكل المستقبل القادم، ونمحي دون أن ندري ملامح زمن أيضا في سعي لشطبه من التاريخ، أو لـ"ليّ" عنق الزمن كي يستغني عن كل الماضي الذي نريد إرساله إلى خارج التاريخ.. ولكن كيف؟! بنفس الرهانات التي يتم إطلاقاها اليوم، فنحن لسنا أمام حدث سياسي فقط بل يتعمق نحو إنتاج "ثقافة" قادرة في لحظة على إحراقنا.

وسورية أيضا تتجاوز أغنية نسمعها، أو عواطفا يطلقها البعض على الفضائيات، فهي المجال الحيوي الذي يجمعنا ويعيد تركيبنا في كل لحظة، وفي النهاية المسألة تحتاج لمزيد من الفهم المركب والسبر لما حدث ويحدث اليوم، فمسار الأزمة يسعى لإزاحة مستوى العلاقات باتجاه جديد، وهناك من المبررات ما يكفي عند البعض للحديث عن هذا الأمر، لكن على ما يبدو أن الصورة القادمة لم ترسم بشكل كامل، أو أن هناك رغبة في أن تكون "رمادية" أو حتى "غارقة" بتشويش خاص، فالسياسة في النهاية تتراكب فوق المجتمع وتفك كل الصور القديمة.

على الأرض لا توجد جنة عدن، وأي ثورة تدرك أنها لن تصل إلى الفردوس المفقود، فلا الماضي "مدينة فاضلة" ولا القادم يمكن أن يحقق "إتزانا" ينتمي لعالم "الماوراء"، وعمليات الشيطنة القائمة اليوم لا تمس السياسة بقدر تكسير أشكال العلاقات الاجتماعية، والتجربة السورية في النهاية تنتقل على إيقاع رواية "دير شبيغل" و "الجزيرة" و "الدنيا"، ومع الفوارق الكبيرة بين هذه المحطات إلى أن الحدث سيخرج منها ليخترق المجتمع.

سورية ليست مجال رهانات، والمغامرة التي تنطلق أحيانا من التحليلات والآراء عليها النظر إلى مغامرات أخرى لكسر نمطية النظرة لسورية، ولتحفيز الإبداع في خلق مماراسات يومية، ولترتيب العلاقات الاجتماعية بعيدا عن الساسات التي تهوى التكسير لكنها لا تملك بناء بديلا واضحا.