أردت كسر الاعتياد فاكتشفت ان دمشق مدمنة على تجاوز زمنها، فهي نفسها في أزمتها أو "إشكاليتها" التاريخية، فلا العنف ولا السياسة ولا حتى الانتخابات قادرة على فرض إيقاع على المدينة، وربما على معظم المدن السورية، فالأزمة استخدمت ثقافة خاصة لإثارة الاضطراب لكنها لم تفرض ثقافة جديدة، وهذا الكلام الذي يبدو تقليدي لأبعد الحدود لكننا نتحدث اليوم عن "مخاض" سياسي حسب تعبير المفكر اللبناني "نديم منصوري"، فهل المخاض سيقودنا لثقافة مختلفة؟!

في المظهر العام أملك شكوكي الخاصة، فدمشق على وجه التحديد مدينة مكتملة وفق ما يقول أدونيس، و "كسر الاكتمال" هو نوع من التجاوز لعلاقات ترضي مجتمعها وتؤمن له توازن على مستوى "القيم" التي تحكم ابناءه، فـ"الاكتمال" هو معادلة صعبة لم تتحقق ضمن ظرف زمني طارئ، والحدث الذي هز السوريين لعام كامل شكل مواقف لكنه لم يرسم "إرادة" جديدة على المستوى الاجتماعي، او هذا على الأقل ما توحيه مظاهر الحياة يوم الجمعة.

منطقة الربوة كانت مكتظة بالناس، ونهر بردى ظهر وكانه الجامع الوحيد للسوريين، فهل نستغرب؟! تاريخيا وقبل دخول تيمورلنك إلى دمشق حدثت ما سُمي "فتنة" ضمن صراع المماليك تم حرق بعض الحياء فيه، ولكن ما ان حل الربيع حتى زحف الناس باتجاه الربوة، فهل اختلف الماضي عن الحاضر!!

بردى
مزاج لا يعلو على الأزمة!!

ربما يكون هذا الموضوع من طبيعة الحياة، لكنه لا يمر دون مؤشرات لما يحدث أو لما يمكن أن نحمله باتجاه المستقبل، فما يتبدل هو آليات تنفيذ تلك العلاقات الاجتماعية أو المظهر العام للأشخاص، فاليوم تحتل المقاهي ضفتي بردى، بينما يزحف الفقراء باتجاه الحدائق العامة، على الأخص أن مناطق الاصطياف امتلكت "سمعة" تدفع الكثيرين للاكتفاء بأقرب النقاط إلى المدينة.

لست متفائلة ولا متشائمة بمشاهداتي، فهي دمشق كما نعرفها دون زيادة او نقصان، تحمل قلقها إلى مناطق المتعة، وتحمل المتعة إلى داخل التوتر، ويبدو من الصعب مظهر آخر، فكل ما يحدث هو تلوين داخل الثقافة لا أكثر، فيستمتع البعض ويغضب آخرون معتبرن أن هذا التلوين "بدعة"، لكن دمشق تحتضن هذا التلوين وتمارس حياتها باعتياد.