أحاول ان اجد فارقا بالمعنى العام بين مقاطعة الانتخابات او المشاركة بها، وربما استطيع النظر للموضوع خارج إطار "الموقف السياسي"، فالعملية الانتخابية تبدو وكأنها من "عصر آخر" لأنها تنطلق وسط "خلل سياسي" تفرضه الأزمة، وتترك انطباعا بأن "الأكثر أهمية" هو مراقبة من سينتصر، وبهذا المنطق يمكن أن نسمع الكثير من التخمينات، و مسألة الانتخابات لا تستطيع تجاوز منطق عام إلا أنها نخترق المعادلات القائمة ولو بشكل بطيء.

المسألة ليست في المقاطعة أو المشاركة، والتجارب القريبة منا وعلى الأخص في مصر تقدم مؤشرات على أن المقاطعة لا تقدم حلولا ولا تسقط شريعية، أما المشاركة فهي أيضا لا تقدم أي جديد إذا انطلقت من الأمر الواقع، فإذا لم يكن المشاركون يملكون شغف الدخول في "العصر الآخر" فإنهم سيكرسون القواعد القديمة.

عادة ما يقدم البعض النصائح للمرشحين وللمقترعين، وفي سوريا تصبح النصائح مثار جدل، فبعض المرشحين وبعد تقديم تصريحات جدية بشأن برنامجهم أو شعاراتهم الانتخابية عادوا ليضعوا ملاحظاتهم الجارحة على صفحات التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد فالأيام الماضية كانت زمن "التحالف" أو رسم "اللعبة السياسية" فما الذي حدث؟

من المتوقع أن تكون الانتخابات مثار جدل، والخارطة السياسية لم تقتحمها القوى الاجتماعية بشكل طبيعي، فكل ماحدث كان وليد سرعة الحدث وربما ضرورة البحث عن "درء المخاطر"، وأي مرشح لم يتوقع عدم حدوث تبدل جوهري في الخارطة السياسية عليه أن يراجع قراءته من جديد كي يستطيع الدخول في الحياة العامة من جديد، وربما عليه أيضا أن لا يخلق تطابقا بين الخارطة القديمة وما سيحدث بعد الانتخابات، فهناك اختلافات بالعمق حتى ولو بدى الشكل واحدا.

المرشحون دخلوا اللعبة السياسية دون وجود سقف واضح لنوعية التحالفات، وضمن احتمالات مفتوحة في الربح والخسارة، وبالتأكيد فاللعبة الديمقراطية ليست سهلة وهي لا تحوي نزاهة مطلقة أو مثالية، والتحالفات لا تظهر ببراءة وفي النهاية فانتقاد الانتخابات لا يمكن أن تكون عشوائية.

عندما لا تظهر حملات واضحة أو تحضيرات مسبقة نتيجة الوضع السياسي أو حداثة الأحزاب الجديدة فعلينا التركيز على السياسة نفسها وليس على المنافسة، فلا أحد قادر على جعل الانتخابات أكثر نزاهة أو ديمقراطية، ووحدها الممارسة السياسية قبل وبعد الانتخابات هي التي تجعل من الأمر أكثر منطقية وتدفعنا إلى "العصر الآخر".