لم يكن متاحا دوليا على الأقل الحديث عن طرف ثالث في الأزمة السورية، لكن المين العام للأمم المتحدة بان كي مون فتح هذا الأمر، وبعد إصرار على حصر الأزمة بين طرفين عاد ليتكلم عن "حرب الظلال" ليصل في النهاية إلى تنظيم القاعدة، وهذا المسار الطويل الذي اتخذه الحدث السوري يبدو في النهاية وكأنه "استجرار" لـ"الإرهاب" رغم أن حقيقة "الطرف الثالث ليس في التنظيمات المتطرفة التي تبدو اليوم واضحة داخل الأزمة السورية.

عندما اندلعت الضطرابات في سورية كان هناك اتهامات من قبل السلطات السورية بطرف لا ينتمي للمحتجين، وأطلقت علية مصطلحات كثيرة، لكن الأمر لم يكن بحاجة لاتهامات رسمية، فهناك بيئة إعلامية منظمة ربما شكلت الأساس لهذا الطرف، سواء من حيث الوظائف أو المساعدة في تكوين بيئة اضطراب مثالية، وبالتأكيد فإننا نستطيع اتهام المعالجة الرسمية للأزمة بأنها مسؤولة عن تفاقم الوضع، وتحميلها "كافة المسؤولية" حسب بيانات المعارضة، لكننا في نفس الوقت "الطرف الثالث" الذي ظهر متزامنا مع اندلاع الاضطرابات.

والبحث في هذه اللحظة ضمن هامش الأزمة في سورية يقدم مؤشرات على أن بعض جوانب العنف "المستحدثة"، مثل تنظيم القاعدة، هي ليست سحرا يهبط فجأة على مسار الحدث فخط التعبئة الإعلامية قفز بمستوى الحدث منذ البداية نحو احتمال ظهور التطرف، وعندما نتطرق اليوم إلى عامل تأزم مختلف نوعيا فإننا نتعامل مع ثلاث أمور أساسية:

  • الأول تحميل مسألة "الشرعية الدينية" دورا مبكرا في الحدث من خلال تصريحات "القرضاوي" على الأقل، وهو موضوع لازم الحدث السوري حتى قبل اندلاع الاضطرابات، وبغض النظر عن اتهام السلطات السورية بوجود "طرف ثالث" في الأزمة، لكن مسألة "الشرعية الدينية" التي تملك حساسية عامة أثرت في رسم صورة أولية لما يجري وذلك بغض النظر عما يحدث على أرض الواقع.
  • الثانية تكوين بيئة إعلامية خاصة بالحدث شكلت حملة مستقلة بحجة عدم القدرة على تغطية الحدث، فالمسألة لم تكن "حرب افتراضية" مستقلة عن الحملة الإعلامية وبالتأكيد فإن السوريين المشاركين في الحملة الإعلامية تعاملوا معها من طرف واحد، بينما تكفلت هذه الحملة بـ"فرض قيادات" وخلق "رموز" وكتابة "السيناريو اليومي" لما يحدث، واليوم تتحدث المعارضة السورية في الداخل عن محاولة احتكار التمثيل عبر ما يسمى "المجلس الوطني"، لكن هذا المجلس لم يظهر إلا بعد أشهر من دفع بعض الوجوه إعلاميا وسياسيا والاعتماد على سيناريو هو من رسم "غرف التحرير" في الفضائيات، فـ"الطرف الثلث" على ما يبدو كان العامل الأساسي في تكوين "البيئة" التي أنتجت تشكيلات المعارضة في الخارج ورسم تحالفاتها.
  • الثالث التحول نحو القاعدة باعتبارها الطرف الثالث هو سيناريو مختلف، وربما يظهر على بقايا "الآليات" السابقة في تكوين "حرب الظلال"، فمجرد الحديث عن القاعدة يعني "احتمالات مفتوحة"، وتغذية "التمرد المسلح" بحالة رمزية تحمل في الواقع "ملامح اسطورية" أكثر من كونها واقعا للصراع داخل سورية.
الإرهاب
أم بيئة الإرهاب

تظهر التقارير اليوم حول "رحيل القاعدة" إلى سورية، وهو "ارتحال" إعلامي لتنظيم لا يملك هيكلية هرمية، فوجود القاعدة في سورية هو "عملية خلق" من خلال حرب الظلال القائمة إقليميا ودوليا، وعبر إضافة مزيد من الغموض السياسي على مشهد السوري، مع إعطاء انطباع بأنه ساحة صراع دولي، فالقاعدة لا تظهر إلا في مناطق الغموض السياسي، ولا تنتشر إلى بغطاء إقليمي كما حصل على الأقل في أفغانستان والعراق.