لا ينفع تبادل الاتهامات حول "مجزرة الحولة"، فالعلاقات السياسية بعدها باتت محققة مهما كانت طبيعة التحقيقات التي يمكن أن تكشف تفاصيل عن طبيعة ما حدث، فهناك مدخل سياسي أصبح جاهزا ويمكن التعامل معه، لأن ارتكاب "مجزرة" هو توجه وليس فقط جريمة إنسانية، وهو أيضا لا يحدث فقط لمجرد "تحرك المسلحين" لأنه سيناريو ينطلق من موقع مختلف عما هو مألوف داخل الأزمة.

عمليا فإن ما حدث سيستحضر معه كل المصطلحات الخاصة به، سواء اقتصر الأمر على خلاصة بكلمتين: حرب أهلية، أو تم استخدام كلمات أخرى لها علاقة بـ"التطهير"، فإذا كانت "بوسطة عين الرمانة" كافية لإطلاق الحرب الأهلية اللبنانية، فإن مجزرة الحولة تملك منطقا آخر يتلخص بأمرين أساسيين:

الأول استحضار كل الممكنات الخاصة بـ"الاستنفار الإنساني" عبر العالم من أجل كسر منطق "تطويق الأزمة" الذي ترعاه موسكو، أو أقرته الأمم المتحدة عبر خطة كوفي عنان، فالمطلوب في النهاية فتح باب الاحتمالات على مصراعيه من أجل ابتداع "سيناريو" مطور عن "التدخل العسكري" المباشر.

الثاني إثارة مسألة التنوع السوري كأزمة داخل المحافل الدولية، فمادام هناك ولو مجزرة واحدة، فهذا يعني إمكانية حدوث "عمليات تطهير"، والأمر يبدأ بالرعب الذي يمكن أن يظهر داخل المجتمع، وينتهي بصيغة "البلقنة" بما تحمله من عناوين لحماية "الأقليات" مهما كان نوعها.

بالتأكيد فإن "التحذير" من حرب أهلية لا يعني شكلا كلاسيكيا عاشته المنطقة عبر الحدث اللبناني، بل هو بوابة لمنح "الشرعية" لقوى محلية متفاوتة في انتشارها داخل المناطق السورية، لأن الحديث الذي انطلق مباشرة بعد مجزرة الحولة هو مسألة "الحماية"، وتغيير التوزع الديمغرافي، ولنتذكر هنا أن معلومات تم تسريبها خلال الأشهر الماضية حول الخوف على الأقليات، إضافة لما تم تداوله من أنباء عن "تهجير" في بعض المناطق، وفي النهاية فإن ما يحدث لا يعني فقط إعادة توزيع السكان، بل وحتى "التواجد المسلح" من أجل إعطائه "شرعية" في مراحل لاحقة.

ما يسمى "الجيش الحر" تداخل عمليا مع ما يطلق علية "التنسيقيات المحلية"، والأمر اللافت هنا أننا إعلاميا على الأقل مهيئون لاستقبال "القوة المحلية"، بينما ستعطي المجازر شرعية داخل المجتمع لمثل هذه الفوضى وسط تشكيك من قبل البعض في قدرة الدولة على حمايتهم، فالأمر اليوم لم يدخل بعد في التدخل العسكري، لأن "الجيش الحر" كنسخة معدلة سياسيا عن "جيش تحرير كوسفو" يريد تحصيل شرعية اجتماعية قبل أن تصبح شرعية دولية.