كانت الأصوات تبدو همسا، فمن يستطيع أن يقتل حلما سيخاف من ضوء النهار ويرتجف من "العلن" الذي يحاصره في كل لحظة، ومهما كانت الجرأة في المجزرة لكنها رعب داخلي لمن يرتكبها وصورة في الظل لأشباه رجال يستخدمون اللحم البشري للاحتماء من "الذعر" الذي يتلبسهم.

هي في النهاية "مجزرة" تخلق انتماء للدماء، وربما تعيد كتابة الأحرف الجبانة، فيتقلص الأفق منذرا بـ"الانفجار الكبير"، أو مكررا الصرخات الأولى لظهور الجنس البشري على الأرض، فالتعامل مع "الدم الحار" طبع وليس تطبع واستعادة سريعة لخطيئة "الخلق" التي نشرت الحياة واستقالت فوق عرش الرب، فأصبحنا أيتاما ننتمي للقتل الجماعي الذي يلاحقنا، فلا نهرب بل ندرك أن ما يحدث هو استنساخ بشري لصرخات التوحش التي تحاصرنا.

بالتأكيد ستستمر الحياة رغم الغضب، ورغم "السيناريو" المرسوم لنا، فإذا كتمنا صراخنا فلأن الوطن يكمم الأفواه في لحظة الألم فنشهد الذبح كجزء من مسلسل طويل تستمتع الفضائيات بعرضه، فهي جاهزة للمونتاج والإخراج، وهي قادرة على تكوين دراما من "اللحم الحي"، وهي أيضا تغرق في التفاصيل فتجرفنا معها إلى مساحة الأسى المرتسم على وجه طفل لحظة مفتله، فتضيق المساحات حولنا وندرك أننا أمام جرائم لا تنتمي لفيلم أمريكي بل لحياة نعيشها وتخترقنا أو نختزنها في ذاكرتنا.

أصبحنا ننتمي للمجزرة، ولكل "الحراك" الذي يبحث عن مساحات آمنة، فمن قال أن "الحرب" ليست سوى سيناريو يمكن تطبيقه؟ ومن قال أن اللون القرمزي لا يستطيع احتلال المشهد ليغير زاوية البحث عن المستقبل؟

قبل المجزرة تاريخ، وبعدها صورا لا تكتب أي حدث ولا تدفع للبحث عن عائلة مفقودة ووجه مرسوم على ظهورنا، أو وشم لا يمكننا ان نزيلة، فمن نفذ المجزرة وشمنا بما هو قادم، وجعلنا سجناء يوم واحد من تاريخ الوطن.

ستشرق الشمس من جديد، وستتحرك السيارات والبشر في الطرقات، لكننا سنبقى محاصرين يتاريخ مختلف، نضيفه إلى مأساة العجز التي دفعتنا لتكرار ما حدث سابقا وما يمكن أن يحدث لاحقا، فـ"المجزرة" هي تراث لم تحرر منه.