ملاحظة لا بد من قراءتها بشكل دقيق، حيث يبدو أن مسألة الحوار تأخذ مكانا داخل الإعلام السوري الرسمي بشكل مختلف عما شهدناه في الأشهر السابقة للأزمة، والأمر ليس إشارة إلى موضوع الجدية بالحوار لأننا نحاول أن نقرأ ما يحدث من تحولات على صعيد التعامل مع الرأي العام، فالإعلام الرسمي يواجه اليوم معضلتين أساسيتين:

  طبيعة الرأي العام المساند للسياسات الحكومية منذ بداية الأزمة، وربما كان أول اختبار لهذه الشريحة دخول فريق من المعارضة إلى الحكومة، حيث ظهر نوع من الافتراق في عملية التعامل مع السياسات، والمتابع لشبكات التواصل الاجتماعي على سبيل المثال يلاحظ نوعية الهجوم الذي تعرض له "الفريق المعارض" في الحكومة من قبل طرفي النزاع.

إن عملية التحول في الرأي العام تبدو اليوم صعبة أمام جمهور تم استقطابه في بداية الأزمة على قاعدة "مواجهة المؤامرة"، بينما يشاهد اليوم حالة مختلفة وربما عليه مواجهة "الرأي" الذي كان يعتقد أنه "دخيل" و "طارئ"، وهذا الانتقال لا يمكن أن يكون حالة سهلة، لأنه يكسر قناعات عميقة، وربما ثقافة نشأت عليها أجيال متعاقبة، وعندما يستضيف الإعلام الرسمي معارضين يتوافقون مع السلطة السياسية على قاعدة واحدة فقط: رفض التدخل الخارجي والعنف وقبول الحوار، فهذا لا يعني أبدا بالنسبة لجمهور معين أن "الأطراف المعارضة" اكتسبت شرعية وأنها تمتلك نفس حقوق السلطة السياسية في طرح وجهات نظرها.

  المعضلة الثانية هي التشكيلة الإعلامية الرسمية التي تم بناؤها وفق سياق معين، وهي اليوم تواجه الأزمة السياسية بنفس الأدوات السابقة، فالمسألة ليست جدارة إعلامية من قبل أدوات الاتصال المملوكة للدولة، بل في الانسجام مع الذات، فهي تقوم اليوم بدور يخالف سياقها.

في هذا الإطار فإن ما يقوم به الإعلام الرسمي من تسليط ضوء على بعض أطراف المعارضة لا يبدو مهمة سهلة، فهو مهدد بفقدان جمهوره، ومن جهة ثانية يواجه تحدي "قدرته على الاقناع" رغم "السقف العالي" لطبيعة الحوارات أو المواضيع المطروحة، وعندما يسعى الإعلام للتحول نحو "إعلام دولة" بدلا من إعلام "سلطة سياسية" فإنه يعاكس "سياقه" الأساسي، فهل هو قادر على مواجهة هذه المهمة؟

حتى اللحظة فإن ما يحدث يشبه "جلسات الاستماع" حيث تقدم بعض أطراف المعارضة وجهة نظرها دون التوقف عند "الخطوط الحمر" القديمة، ووجود فريقين سياسيين في نفس المكان لا يعني بالضرورة تحقيق "الموضوعية" و "التوازن"، ومع إدراكنا لصعوبة التحدي بالنسبة للإعلام الرسمي تجاه المهمة الجديدة، لكن في نفس الوقت فإن خطاب المعارضة مازال يحتاج لـ"مزيد" من "العدالة الإعلامية" إن صح التعبير، وهذا الأمر يقتضي أن يتحرر الإعلام الرسمي من مسألتين: الأولى هي الاتهامات الموجهة إليه بعدم التوازن، وبالتالي أن تظهر الحوارات دون التفكير بإرضاء شريحة محددة لأنها ستصبح أمام مساحة حرة غير مقيدة بتفكير مسبق، أو بمحاولة شطب التاريخ السابق للإعلام الرسمي.

أما المسألة الثانية فهي كون الإعلام أحد أطراف التوازنات داخل الأزمة، فإذا كان إعلام الجزيرة أو العربية هو طرف واضح في هذه المعادلة، فإن الإعلام الرسمي عليه التعامل مع فكرة "الأزمة الوطنية" كمخرج لكل المصطلحات المطروحة من أطراف الصراع، وبالتالي فإنه يدخل إلى الإعلام عوامل جديدة تساعد على رسم الرأي العام باتجاه الحوار.

هي تجارب يخوضها الإعلام الرسمي وهي تستحق المتابعة والتطوير لأنها ومع لحظة الذهاب للحوار لن يكون لنا إلا "إعلامنا" الذي نطمح أن يمثل الجميع بغض النظر عن التوجهات السياسية.