تتشكل الأزمة على مساحة من التصريحات ما بين موسكو وواشنطن، فحل المشاكل العالقة بين البلدين بشأن سورية لا يتقلص لكنه يتجه نحو رسم آلية توافق تترك اللأبواب مفتوحة لتطورات لاحقة، وإذا كان الوضع السوري يشكل نقطة الضغط بين الطرفين إلا أنه في النهاية يمكن أن يحسم طبيعة العلاقات الإقليمية على الأقض على مستوى ما يطلق عليه "محور الممانعة"، ومهما كانت طبيعة العناوين التي تطرح على السطح اليوم من خلال بعض المؤتمرات، فسورية الديمقراطية لا يتم البحث عنها ما بين جنيف وباريس، أو بين مؤتمر تسعى إليه هيئة التنسيق وآخر ينعقد بطلب ائتلاف الدوحة، فصورة سورية كما تبدو محكومة بنوعية علاقة دولية جديدة ربما تغير طبيعة التفكير بكل الأزمات في الشرق الأوسط.

عمليا فإن الحراك الدبلوماسي لا يقدم مؤشرات على توافقات محددة على مستوى "الدول الكبرى"، وما يتم تداوله من مخاوف بشأن التطرف الذي يجتاح "التمرد المسلح" في سورية هو لرسم طريقة تعامل مختلفة مع الأزمة تتسم بأمرين:

الابراهيمي
سورية والتوازنات الخطرة

 الأول خلق نقطة مركزية داخل الأزمة تتلخص بالإرهاب، ورغم أن هذا الموضوع يبدو أنه يصب في مصلحة إنهاء الأزمة من خلال اتفاق دولي لمحاضرة بيئة الارهاب وتجفيف منابعه، لكنه يضع سورية بأكملها تحت معادلة دولية جديدة، فأي اتفاق بهذ1ا الخصوص سيفرض على الأقل شروطا "داخلية سورية" تحدد مستوى العلاقات الخارجية لدمشق مع مختلف دول المنطقة.

إن الاتفاقات الدولية بشأن الإرهاب لا تقدم نموذجا واحدا للتأثير بسياسات الدول التي تعاني من هذا الأمر، لكنها بالإجمال تقوم على تنشيط دول الجوار، أو رسم إطار عام يحكم الحركة السياسية بشكل يحد من سيادة الدولة، وفي سورية فإن الأمر سيكتسب أهمية خاصة في ظل موقع جيو-سياسي وبكونها تملك بوابة باتجاه الأزمة اللبنانية والمسألة الفلسطينية.

 الثاني توجيه الأزمة نحو مخرج مختلف عما يمكن أن نتوقعه، فخارطة الطريق للخروج من الوضع الراهن، أو ما يسمى اليوم المرحلة الانتقالية لن تكون على قياس شعارات الأزمة الحالية، فمسألة الديمقراطية والدولة المدنية ستكون على قياس مكافحة الارهاب، وفي ظل تدخل عوامل دولية فإن الصراع القادم في سورية سيكون على السياسة الداخلية القادرة على محاربة الإرهاب.

الخطورة اليوم تختلف عن مرحلة سابقة، فالمجتمع السوري الذي يعاني من العنف ومن أزمة اقتصادية هي الأسوء على مستوى تاريخنا المعاصر، سيجد نفسه أمام خيارات محدودة في ظل عوامل دولية تحدد له المسار السياسي للتخلص من الإرهاب، وهذا لا يعني فقط الشكل السياسي القادم لسورية، بل أيضا التكوين الاقتصادي الذي سيدعم بقاء سورية في منطقة "هشة" من المعادلة الإقليمية، وطالما أن المعارضة تحاول التأسيس على مساحة "طوباوية" في مسألة الدولة المدنية فإن الأمر سيزداد تعقيدا، بينما القضية الأساسية على المستوى الدولي "تحددت" وربما سيشكل هذا الأمر التحدي الأكبر للسوريين، فطاولة الحوار مهما تأجلت ستنحصر في اختيار صعب لمشاريع دولية علينا منذ هذه اللحظة العمل على تطويعها لصالح سورية وبقاء هويتها.