دون أي اختراق لمواقف الأطراف المعنية بالأزمة السورية يظهر مناخ سياسي مختلف، فالسيد معاذ الخطيب تحرك فجأة ضمن هذا الواقع مقدما شروطا للحوار إضافة لجملة تصريحا ت ملتبسة، لكنه في نفس الوقت أبدى موقعا جديدا بالنسبة لـ"الائتلاف" الذي بدا وكأنه يعترف بأدوار كان يرفضها، فالمفارقة كانت عبر لقائه مع وزير الخارجية الإيراني، في وقت مازالت الحملات الإعلامية مستمرة عبر بعض القنوات ضد طهران، مع اتهامها بالتورط المباشر في الأحداث الجارية.

وبغض النظر عن إمكانية التوصل إلى توافق دولي بشأن الأزمة السورية، إلا أن "المناخ السياسي" يؤشر على أن "التصعيد" السياسي أو العسكري لم يعد يعبر بشكل كامل عن مستوى العلاقات بين أطراف الأزمة، وخرج الأمر عن إطار المبادرات ليدخل في البحث عن سوية علاقات مختلفة بالنسبة التي تعاملت مع الملف السوري، فمشهد العلاقات الدولية والإقليمية يوضح أمرين:

 الأول إعادة ترتيب المسائل المتعلقة بالموضوع السوري، والمتداخلة معه بشكل وثيق، حيث تبدو إيران في موقع مختلف يتجاوز موضوع تحالفها مع دمشق، ويصل إلى مساحة البحث عن موقعها في قضايا الأمن الإقليمي، وهذا التفكير السياسي ليس جديدا، لكنه يظهر اليوم على ضوء عدم قدرة واشنطن الضغط عليها من خلال الأزمة السورية، وهذا الأمر سيفرض ترتيبا مختلفا تظهر فيه طهران كمنسق يتعامل حتى مع أطراف المعارضة.

كان واضحا منذ بداية الأزمة أن الولايات المتحدة تضع علاقات سورية الإقليمية في ميزان العمل داخل الحدث السوري، لكننا اليوم أمام صيغة مختلفة، فإذا كانت بعض الأطراف اٌلأقليمية انساقت وراء مثل هذا الأمر إلى أن النتيجة توضح إيران كانت قادرة على التعامل مع المتغيرات الحاصلة، وكانت قادرة أيضا على رسم خارطة علاقات مع أطراف معارضة متفاوتة في توجهاتها.

 الثاني عدم القدرة على العودة إلى أي معادلة إقليمية سابقة، فبعد عامين على الأزمة السورية تتضح تناقضات جديدة من الصعب تجاوزها، فأي حل لا يعتمد على "إسقاط النظام" سيستند بالتأكيد إلى مراجعة العلاقات التركية مع سورية وباقي دول المنطقة، وسيتطلب دورا وظيفيا مختلفا لقطر، وعلى الجانب الأوسع يحتاج لإعادة بناء المنظومة العربية بشكل مختلف نتيجة الحالة السياسية التي جعلت الجامعة العربية تتورط بصراعات لدول ضمن منظومتها وبشكل يخالف ميثاقها.

إن الصورة الإقليمية تبدو مشوشة لأبعد الحدود، ويعكس الاعتداء الإسرائيلي على جمرايا بريف دمشق قلق "قادة تل أبيب" من المشهد القادم ورغبتهم في البحث عن دورهم ضمن أي معادلة قادمة.

هناك مناخ سياسي يشبه إلى حد كبير اللحظات التي سبقت مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى، وإذا كانت خارطة الشرق الأوسط لن ترسم اليوم كـ"غنائم حرب"، لكنها يمكن أن توضع على مساحة هشة على الأخص أن قدرة التغيير الجذري مازالت غير ممكنة.