السناتور الجمهوري جون مكين والسناتور المستقل جوزيف ليبرمان

كل المتابعين لمسار المسألة السورية يلاحظون أن هناك تغييباً واضحاً للشعارات التي رفعت في بداية الأزمة والتي اعترف الجميع، بمن فيهم السلطة السورية، بأحقيتها ومشروعيتها ودعت للعمل على تحقيق ما أمكن منها ووضع جدول زمني لتحقيقها.

هذا التغييب المتعمد جاء ممن رفع هذه الشعارات، فهو منذ البداية يعلم أنها مجرد شعارات وأنها كلام حق يراد به باطل وباتت هذه المطالب من الماضي. فلا الإصلاح ولا الديمقراطية ولا الحرية ولا تقنين عمل الأجهزة هي اليوم موضوع بحث وصار الصراع في سورية في مكان آخر وعلى أجندة سياسية أخرى ولم يعد ثورة شعبية ولا صراعاً بين نظام ومعارضيه ولا صراعاً على السلطة، إنه نزاع بين مشروعين ورؤيتين لسورية بل للمنطقة والإقليم كله. وكل ما دون ذلك تفاصيل صغيرة.

في طرفي النزاع الكل يعلم ذلك ويعلم أنه يخوض معركة مشاريع ورؤى استراتيجية لا معركة إسقاط نظام ولا دفاع عن سلطة وموقع.

من هنا يمكننا رؤية التحولات الكبرى التي شهدتها الساحة السورية على مختلف الصعد العسكرية والأمنية والسياسية.

من هنا نرى التغييرات في المواقف الدولية والاصطفافات الدولية الجديدة هذه الاصطفافات تعبر عن صراع المصالح وفق المعطيات الواقعية وليس وفق الرومانسيات الثورية التي ملأت حلم السوريين منذ عامين وشحنت نفوسهم.

ومن هنا يمكن قراءة الوضع الداخلي في قوى وشخصيات المعارضة السورية التي تم إفراغها من مضمونها الثوري والتغييري من خلال عمليات الإنزال المظلي لشخصيات وقوى وهمية ولعدد من الموعودين الجدد بالمال والجاه والسلطة. فقراءة ما يحصل داخل قوى المعارضة وشخصياتها الإعلامية ينم وبوضوح عن أن المسألة مسألة مشاريع جيو- سياسية لا مجرد انتفاضة شعبية مدنية أو مسلحة.

بعض هذه المعارضة يبحث عن مخرج وعن دور يمكن أن يلعبه في مستقبل سورية ومنها في مستقبل المنطقة بعد أن سقط حلمه المشروع والتقليدي والرومانسي. والبعض الآخر يبحث عن مكان له، لا عن دور، فهو يعلم منذ البداية أن دوره في المعارضة لا يتعدى عارض أزياء أو مانيكان في شارع الفوبورغ سان هونوريه.
لكن في علم السياسة ومدارسها ومختبراتها وخاصة في تراكم التجارب الأوروبية والصهيونية فإن لهؤلاء مكاناً محجوزاً يعرفونه جيداً وليس لهم المطالبة «بتحسين ظروف حياتهم اليومية».

أما الباحثون عن دور فهم يعرفون أيضاً أن لهم دوراً أكبر بكثير من دور «هتافي» التظاهرات و«المصفقين» في التجمعات التعبوية في زمن الرومانسيات الثورية.

ومن هنا يمكن قراءة إعلان التكفيريين الواضح عن حضورهم النافر على الأراضي السورية فمن جهة يشكل هذا الإعلان عن اعترافهم بوجود مشروعين لا ثورة ولا انتفاضة ومن جهة ثانية يؤكد هذا الإعلان أن حرباً مفتوحة قد بدأت ولا يفيد فيها دفن الرؤوس تحت الرمال. ففكر القاعدة بالتأكيد «لا ينفع» إلا إسرائيل وتوابعها من العرب ولا يخدم إلا من يريد أن تلغي سورية موقعها في التاريخ والجغرافيا والمستقبل وإلا من لا يريد لسورية ديمقراطية وإصلاحاً بل يريد لها دكتاتورية «فئوية» ومحاكم تفتيش.

بالتأكيد فإن عملية الفرز وإعادة الفرز قد بدأت وفق هذا المعطى الواضح أن المعركة والصراع هو بين مشروعين على امتداد الجغرافيا السياسية والتاريخية لسورية وهي معركة يخوضها كل السوريين ولا يخوضها «موالون ومعارضون» فالخيارات واضحة في هذا المجال وإن كان بناء الدولة الديمقراطية العادلة والحاضنة والراعية هي السلاح الأجدى لربح معركة مستقبل سورية والمنطقة وهزيمة تكامل المشروع التلمودي- التكفيري وتفرعاته ورموزه.