ردود الفعل على قمة الثمانية توضح مشهد البيئة السياسية الناشئة في سورية، وتقدم حالة غريبة توحي بأن المستقبل السياسي مازال يحوم حول المواقف المعلنة دون التفكير بأن السياسة في الأزمات تحتاج لإيجاد اختراقات، وربما لتثبيت مواقع في منطقة الصراع وربما إيجاد حسابات غير كلاسيكية، ففي الصراع السياسي تبدل السيناريوهات بشكل دائم، واكتساب القوة يفرض أحيانا جرأة في إعادة النظر بالحسابات التي بدأ فيها الصراع، وهذا الأمر لم يظهر بعد داخل مساحة الأزمة السورية التي بقيت على جدول قديم ومهترء يتم فيه فرز الحسابات وفق حالة نمطية لأبعد الحدود.

بعض أطراف المعارضة الداخلية تملك مقولة أساسية، فالأزمات الوطنية تدفع باتجاه "حلول ابداعية" وهو ما دفعها باتجاه المشاركة بالحدث السياسي حتى مع أطراف النظام، وهذا الأمر تجده أطراف معارضة أخرى بأنه يندرج ضمن أنصاف الحلول، بينما يراه آخرون انتهاء لحالة المعارضة والتوجه بشكل مباشر نحو "الهوامش" السياسية التي فتحها النظام السياسي منذ بداية الأزمة، في المقابل فإن قراءة الحدث واسقاطه على العلاقات السياسية الجديدة، ومنها دخول بعض أطراف المعارضة ضمن "هوامش النظام" لا يشكل الأزمة الأساسية للعمل السياسي السوري، فهو دخل في الاحتمالات القديمة المعتمدة على "إطار التعددية السياسية" التي لا يمكن أن تولد بشكل طبيعي في ظروف مشابهة لسورية قبل الأزمة وبعدها.

إن قراءة ما جرى على امتداد عامين يوضح أمرين اثنين:

 الأول أن تعميق الأزمة يعتمد أساسا على هشاشة البنية التي ظهرت خلال تصاعد الحدث السوري، سواء من النظام أو المعارضة، وإذا كان هذا الأمر طبيعيا نتيجة غياب الحياة السياسية على امتداد أربعة عقود، لكن الأمر أعقد من تبريره بهذا الشكل، فالحياة السياسية في سورية لم تكن معلقة بانتظار الانفراج، وكانت مجموعات لا بأس بها تتحرك وفق مساحات واسعة ما بين بعض السفارات وبين التكوينات السياسية للسلطة، فنحن أمام مجموعة من السياسيين ربما لم يتواجدوا ضمن الجهاز الحكومي، لكنهم يمتلكون حرية حركة معقولة عبر اتصالات واسعة ورؤية لطبيعة العلاقات السياسية محليا وإقليميا ودوليا.

وفي هذا الإطار تكونت شبكتين في التحرك السياسي داخل سورية على مستوى المعارضة، الأولى وريثة حراك سياسي قديم والثانية فئة ناشئة أرادت أن تتعامل مع سرعة ما يجري، ولكن الشبكتين كانتا تعملان على مستوى الصعود باتجاه شريحة "قادة الرأي" متأثرة ربما بأشكال السياسة القديمة، ورغم التصنيفات في مسألة المعارضة لكنها من حيث دورها الوظيفي فإنها تشكل سورية واحدة في مسألة التوجه نحو حجز مواقع داخل شبكة العلاقات الدولية، حتى ولو كان خطابها يحاول التركيز على الموضوع الداخلي، فإيجاد "سياسة وطنية" من قبل كافة الأطراف يتناقض عمليا مع آلية تحرك البيئة السياسية ككل التي أرادت اكتساب شرعية من خلال المواقف الدولية.

 الأمر الثاني هو في تحديد التمايز ما بين "النظام" و "المعارضة"، لأن هذا الواقع هو إعلامي وافتراضي لأبعد الحدود، والتداخل بين الطرفين على الصعيد السياسي بقي موجودا ليس على مستوى التشاور أو النقاش بل أيضا في البنية، فطبيعة النظام السياسي على امتداد أربعة عقود أوجد نوعا من التفاهمات بين شرائح سياسية واسعة، وأنتج هواجس مشتركة ظهرت في الكثير من البيانات والمواقف التي رفضت التسليح على سبيل المثال.

بهذا الشكل برزت المعارضة السياسية في علاقاتها مع الآخرين متناقضة مع "الحالة الانقلابية" التي تطورت سريعا وأوجدت صراعا مسلحا عنيفا، لذلك تبدو في حراكها بطيئة وربما غير مقنعة لكنها منسجمة مع ظروف ظهورها كحلقة ضمن الأزمة حتى ولو حاولت وضع نفسها خارج الاستقطابين العنيفين.