أعلن البيت الأبيض صباح الأربعاء الماضي أن الرئيس باراك أوباما قد ألغى زيارته المقررة إلى روسيا, كما ألغى أي لقاء ثنائي مع الرئيس بوتين. وأنه سوف يحضر قمة ال20 الكبار في شهر أيلول- سبتمبر بمدينة سانت بطرسبورغ, فقط بهدف المشاركة في هذه القمة الدولية, دون عقد أي لقاء على هامشها مع نظيره الروسي.

هذ هي المرة الأولى, منذ نهاية الحرب الباردة, التي تعرب فيها واشنطن عن استيائها إزاء موسكو.

بالنسبة للصحافة الأمريكية, فقد ابتعد الرئيسان كثيرا عن بعضهما, ولم يعد لدى أي منهما ما يقوله للآخر حول العديد من الموضوعات. وقد اعتبر بعض المعلقين الصحفيين قضية منح ادوارد سنودن (مستشار الأمن القومي الأمريكي) حق اللجوء في روسيا, بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لكن تشاء المصادفات السعيدة, أن يسبق إعلان البيت الأبيض قبل يوم من قرار الالغاء, ظهور مقال افتتاحي في جريدة نيويورك تايمز - وهي بالمناسبة صحيفة مستقلة تماما عن السلطة, بطبيعة الحال- دعا فيه الكاتب تحديدا إلى المقاطعة, ردا على تسريبات سنودن (1).

تحدثت الصحيفة عن "قرار استفزازي" قامت به السلطات الروسية, حين منحت اللجوء لفرد لاتلاحقه سلطات بلاده لأسباب تتعلق "بسلالته, أو عرقه, أو دينه, أو انتمائه إلى فئة اجتماعية أو سياسية, أو معتقدات", بل لأسباب تتعلق ب "النيل من أمن الدولة".

لكن الواقع يقول بأن سبب إلغاء الزيارة مثير للسخرية : إنه يعني أن واشنطن تعاقب موسكو, لأن الأخيرة دافعت عن نفسها إزاء عملية التجسس التي تعرضت لها, كما بقية دول العالم.

كانت القمة مخصصة لمناقشة العلاقات العسكرية بين البلدين : خفض ترسانات الأسلحة "والدرع المضادة للصواريخ".

لم تتوصل القوتان العظميان في الماضي إلى تقليص مهم في مخزونهما من الأسلحة النووية, ولاتزال كل واحدة منهما تحتفظ بما يكفي لتفجير كوكب الأرض عدة مرات متتالية.

على الرغم من التخفيضات في الميزانية, إلا أن الولايات المتحدة لاتزال تحجم عن تدمير جزء من ترسانتها, في حين أن روسيا- ونظرا لأن أسلحتها التقليدية أقل كفاءة بكثير من مثيلتها الأمريكية- تنظر إلى مسألة التسلح ككل متكامل, وترفض أي فصل بالمفاوضات بين نزع الأسلحة النووية, والأسلحة التقليدية.

أما فيما يخص "الدرع المضادة للصواريخ" فإن موسكو ترفض هذه التسمية المضللة, وتشجب هذه المنظومة من الأسلحة الهجومية الموجهة ضدها. وكمن يرغب أن يأخذ واشنطن من كلامها, فقد اقترح الرئيس فلاديمير بوتين أن توضع هذه "الدرع" تحت قيادة مشتركة, بشكل تحمي القوتين وحلفاءهما من جنون بعض الحكام المستبدين. كان جواب باراك أوباما : "لا !".

بعد ذلك طلب فلاديمير بوتين, كي تزول شكوكه, أن يكون نشر هذه "الدرع" مصحوبا بضمانات دبلوماسية تؤكد عدم استخدامها ضد روسيا. مرة أخرى, كان رد أوباما : "لا !".

لم يعد لدى الجانب الروسي أدنى شك بأن باراك أوباما كان يعرف أنه سيخرج من القمة خالي اليدين, وأنه بالأخص لم يظهر عليه الارتياح في القمم السابقة مع نظيره الروسي.

الآن, بعد أن فرض تخفيضات جذرية على ميزانية وزارة الدفاع, لم يعد بوسع أوباما فعل أي شيء آخر. فبدلا من الاقرار بضعفه, استولى على قضية سنودن كي يتملص من القمة.

ترى صحيفة غلوبال تايمز, الناطق الرسمي باسم بكين- المثيل الصيني لصحيفة نيويورك تايمز- في افتتاحيتها أن روسيا قد خرجت منتصرة من مباراة سنودن, وان الولايات المتحدة لاتملك في الواقع أي وسيلة ضغط مؤثرة ضد روسيا (2).

في كل الأحوال, لن يكون لقرار إلغاء القمة أي تداعيات على السلام في الشرق الأوسط. ففي الواقع, جرى يوم الجمعة الفائت لقاء سري في العاصمة الأمريكية بين وزيري الخارجية والدفاع في كلا البلدين. لم يظهر على جون كيري أو تشوك هاغل أنهما جد متأثرين من إلغاء قمة أوباما – بوتين. فقد انهمكا في اجراء تقييم مع نظيريهما للأوضاع في كوريا الشمالية, وللتطورات في ايران في ظل ادارة الشيخ حسن روحاني. كما ناقشوا بشكل خاص " أهدافا مشتركة في أفغانستان" و " امكانية التعاون في سوريا".


[1] “What’s the Point of a Summit ?”, New York Times, 6 August 2013.

[2] “Winners and losers in Snowden fiasco”, Global Times, 8 August 2013.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan 1711
(PDF - 162.4 كيليبايت)