توحد الحزبان الديمقراطي والجمهوري، في 27 تموز-يوليو الماضي على إجبار الرئيس ترامب على التخلي عن سياسته الخارجية. واعتمد التشكيلان السياسيان بالإجماع تقريبا، قانونا يفرض عقوبات على كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا. كما أوقف أيضا الانتقادات التي تزعم عدم قدرته على استخدام القوة حين قصف قاعدة الشعيرات الجوية الفارغة، تماما كما أطلق ترامب شتائمه في كل الاتجاهات، داعيا لوقف اتهامه بالتعاطف، والتواطؤ مع "أعداء أمريكا". ثم أعلن على التوالي أنه يستعد لشن حرب نووية ضد كوريا الشمالية، وأنه لايستبعد الخيار العسكري ضد الرئيس الفنزويلي. واتهم روسيا بالتدخل في شؤون الغير، وأغلق معظم مبانيها الدبلوماسية، كما ندد بالاتفاق النووي مع إيران.

لقد ساعدت هذه الحركات ترامب على أن لايفعل شيئا يتعذر التراجع عنه فيما بعد.

بعض اليابانيين هرعوا إلى الملاجئ المضادة للسلاح النووي، قبل أن تقع حرب مع بيونغ يانغ. واعتقد الفنزويليون بوقوع انقلاب وشيك، لكن شيئا لم يحصل.

في مقابل ذلك، فرضت روسيا عقوبات بالمثل على الولايات المتحدة، بيد أن العلاقات بين واشنطن وموسكو لاتزال مستمرة من دون عوائق.

أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فلن يصادق عليه البيت الأبيض، لكنه سيبقى قائما.

وبعد ثلاثة أشهر من الفجوة الكبيرة، تمكن الرئيس ترامب من إطلاق عملية للاستيلاء على الحزب الجمهوري، واستعادة هامش مناورة له داخل حزبه.

من المؤكد أنه لم يقم بتلك العملية باسمه الشخصي، تجنبا لأي اتهامات، فأوكلها لرفيق دربه، ستيف بانون، مدير حملته الانتخابية، الذي أصبح على الفور مستشاره الخاص في البيت الأبيض، لكنه أُجبر على إقالته بعد ثلاثة أشهر من تعيينه، بطلب موحد من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وهاهو، الآن يخوض معركته بمفرده.

تصف وسائل الإعلام المسيطرة بانون كشخصية يمينية متطرفة، يدافع عن " البيض البسطاء". وفي الواقع، هو رجل يتمتع بثقافة عالية، قام بتحليل الصراع الاجتماعي القائم بين مصالح النخبة الأمريكية المعولمة، ومصالح شعبه، وبين الثقافة البروتستانتية المتشددة للبعض (الشبيهة بالوهابية في العالم الإسلامي)، وتطلع الآخرين للصالح العام.

في مؤتمر لجمعيات العائلات المسيحية الذي انعقد في واشنطن يوم 14 أكتوبر 2017، وجه بانون لائحة اتهام ضد الحزب الجمهوري، الذي يحاول بكل الوسائل تشويه سمعة الرئيس، وسمعة عائلته وأصدقائه، وأعلن أن أصدقاء الرئيس ترشحوا ضد الأعيان داخل المؤسسة الحزبية، أملا في انتزاع مناصبهم في الانتخابات المقبلة.

ولذلك من المناسب جدا التمييز بين العبارات المفرطة التي تفوه بها الرئيس ترامب، وحقيقة سياسته، وأن لا ننسى أنه تمكن من تجفيف كل مصادر الدعم لداعش، واستعادة الموصل والرقة من هذا التنظيم، على الرغم من معارضة الكونغرس.

بقي أن نعرف فيما إذا كان سيتمكن أم لا من الاستمرار فيما وراء هذه السياسة، من خلال التصدي للجهاديين الآخرين، ووقف مشروع تدمير الدول (الوطنية) في جزء من العالم، يرغب الجنرالات في البنتاغون، استعباد هذا العالم.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا