كانت الولايات المتحدة تعتزم خلال السنوات الأخيرة، وبمبادرة من المحافظين الجدد، تحقيق ثورة عالمية، وفرض رؤيتها للديمقراطية في كل مكان من العالم.

بيد أن الرئيس ترامب، بعد أن أعلن التخلي عن الإمبريالية لصالح الجمهورية، لم يعد واردا بالنسبة له تصدير أسلوب الحياة الأمريكية، كما لم يعد يتصور دول العالم الأخرى كأعداء، بل كشركاء لبلاده. لهذه الأسباب، امتنع عن تقديم أي دعم للحركات الانفصالية.

للولايات المتحدة تاريخ رهيب بهذا الخصوص.

هكذا لم تحتمل واشنطن عام 1861 إدعاء ولايات الجنوب عدم الاستمرار في الاتحاد حين أعلنت ولايات الشمال عن نيتها فرض اتحاد فيدرالي مع رسوم جمركية، ومصرف مركزي وحيد. فقام الرئيس أبراهام لنكولن، بمجرد دخوله البيت الأبيض بقمع حركة الانفصال فورا، ولم تتحدد المسألة الأخلاقية للرق بشكل متصاعد، في كلا المعسكرين المتخاصمين، إلا أثناء الحرب الأهلية التي تلت حركة الانفصال.

من السهل الآن إدانة أولئك الاتحاديين بوصفهم كعنصريين، بينما لم تكن مسألة الرق في بداية النزاع ضمن حساب أي طرف، وحتى أن ثمة حكومات اتحادية كانت تضم ولايات تمارس الرق.

تتلخص الحياة السياسية في كينيا منذ استقلالها عام 1963 حتى الآن بصراع بين أسرة كينياتا والجماعة العرقية كيكويو من طرف، وأسرة أودينغا والجماعة العرقية ليو، من طرف آخر.

قامت الولايات المتحدة على مدى السنوات العشر الأخيرة بدعم جماعة ليو، ضد جماعة كيكويو لأن هؤلاء فتحوا البلاد أمام النفوذ الصيني. وفي أثناء ذلك، لاحظت وكالة الاستخبارات المركزية أن أحد أعضاء البرلمان الأمريكي هو من جماعة ليو، وأن والده كان مستشارا لأوجينغا أودينغا، فنظمت له رحلة إلى كينيا ليقدم الدعم لنجل أودينغا.

انخرط النائب عن ولاية ايلينوي، السناتور باراك اوباما في السياسية الداخلية لكينيا، بمجرد وصوله إليها عام 2006، فراح يعقد تجمعات انتخابية إلى جانب رايلا، مؤكدا للجميع أن الأخير ابن عمه.

غير أن رايلا يطمح منذ فترة إلى تقسيم أراضي البلاد، ويخطط لإنشاء دولة مستقلة يضم إليها كل أفراد جماعة ليو المتواجدين في شرق أفريقيا وأفريقيا الوسطى. لكنه يجد نفسه وحيدا منذ انتخاب دونالد ترامب.
وفي العراق، اعتقد مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان أنه يستحوذ على تأييد ثمانين دولة لإعلان استقلال منطقته والأراضي التي استولى عليها من السكان العرب.

لكن، وعلى الرغم من إعلان هذه الدول مسبقا أن توقيت الاستفتاء سيء وغير مناسب، إلا أن البعض منها أوفدت إلى اربيل كبار المسئولين لديها، ليظهروا إلى جانب البرزاني، ويؤكدوا على حقيقة دعمهم له.

بيد أنه عندما تمكن العراق، بغضون يومين، من استعادة جميع الأراضي التي ضمها الإقليم سابقا، وجد البرزاني نفسه وحيدا أيضا، فأعلن استقالته من منصبه.

أما في إسبانيا، فقد ادعى كارليس بيويغديمونت أنه من أتباع فرانسيس ماسيا، الذي أسس في عام 1928، بدعم من الدكتاتور الكوبي، الموالي للولايات المتحدة جيراردو ماتشادو، الحزب الانفصالي الثوري في كتالونيا.

بيوغديمونت هو صحفي، ولكي يتمكن من إيصال مطالبه للخارج، أنشأ مجلة باللغة الانكليزية باسم "كاتالونيا اليوم"، وعهد برئاسة تحريرها لزوجته. وللتمهيد لعملية الاعتراف بدولته الجديدة، أنشأ أيضا العديد من الجمعيات بتمويل من جورج سوروس. وكان يعتقد جازما أن واشنطن ستواصل دعم مشروعه حتى النهاية، لكنه وجد نفسه وحيدا، هو الآخر.

لقد انتهى عهد المحافظين الجدد فعلا، وأصبح العالم أفضل حالا من ذي قبل.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #2762
(PDF - 181.2 كيليبايت)