لابد من التساؤل أمام تراجع الولايات المتحدة، عن الانتقال من عالم أحادي القطب إلى شكل آخر جديد من التنظيم للعالم.

بعض علماء السياسة، ولاعتبارات قد تفرضها القوة الاقتصادية في الإجابة على هذا السؤال، يتوخون نظاما متعدد الأقطاب. ولكن ليس بهذه الطريقة تٌسيًر أمور العالم.

نشرت روسيا في عام 2015، أسلحة جديدة، هنا، في سوريا. لمس الضباط الأميركيون في الميدان أن الروس قد تجاوزوهم ، فيما ظل البنتاغون يؤكد بثقة أنه ربما كانت موسكو تمتلك أسلحة أفضل، إلا أنها لن تتمكن من منافسة قواته المسلحة بميزانية سنوية تفوقها بثمانية أضعاف.

بيد أنه لم يقم أحد في التاريخ بتقييم أداء الجيوش المتنافسة، وفقا لحجم ميزانيات كل منها.

وفي جميع الأحوال، لم يكن التقدم الروسي قادرا على أن يحدث تغييرا، إلا في موازين القوى التقليدية، وعلى مسرح عمليات واحد، وقطعا ليس في موازين القوى النووية.

وعلى هذا البند الأخير أعرب الرئيس بوتين عن اعتراضه خلال خطابه السنوي أمام البرلمان الروسي في الأول من آذار الجاري، وأكد أن موسكو تمتلك حاليا ترسانة نووية جديدة، وقدم شرحا لأبرز مواصفاتها العملياتية الجديدة.

وفقا للرئيس بوتين، فإن روسيا قامت بتصغير أحجام مفاعلات نووية، لدرجة صار بالإمكان استخدامها كمحركات لصواريخ كروز، وطائرات غواصة بدون طيار في آن واحد. ونوه إلى أن لدى روسيا صواريخ باليستية عابرة للقارات، قادرة على الخروج من المجال الجوي، وبالتالي الإفلات من أي صاروخ مضاد، ثم الغوص مرة أخرى في الغلاف الجوي، والوصول إلى أهدافها بأمان. كما أنها تمتلك منظومة صواريخ تُطلق من طائرات حربية، تخرج هي الأخرى من المجال الجوي وتتجاوز سرعتها أضعاف سرعة الصوت، أي خمسة أضعاف السرعة اللازمة لاختراق جدار الصوت. وكشف أن المهندسين الروس يعكفون في الوقت الحالي على تصميم قذيفة نووية فوق صوتية، تجمع بين قدرات جميع الأسلحة السابقة.

كل هذا لم يعد ضربا من الخيال العلمي. ومن حقنا أن نتساءل كيف تمكنت روسيا من تصميم واختبار كل هذه الأسلحة المتطورة، في غفلة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

قبل ثلاثة أسابيع مضت، نشرت هيئة الأركان الروسية طائرات حربية من طراز سو-57 هنا في سورية، وقامت باختبارها في ساحة المعركة. كانت الولايات المتحدة على قناعة حتى ذلك الحين بأن هذه الطائرة الخارقة في مواصفاتها، لن توضع في الخدمة قبل حلول عام... 2025.

استعراض الرئيس بوتين لترسانته الحربية الجديدة، يعني تماما أن روسيا تتعادل مرة أخرى على المستوى النووي، مع الولايات المتحدة.

لقد فقدت الولايات المتحدة لتوها، التفوق الذي كانت توفره "الدروع المضادة للصواريخ"، التي كانت تُمكنها من المبادرة في إطلاق نيرانها، دون خوف من الرد الروسي.

وفي المحصلة، أصبح العالم، مرة أخرى، ثنائي القطب. وسيبقى على هذا المنوال، طالما لم تصل قوى أخرى إلى نفس المرحلة من التسلح النووي، وما لم تجد الولايات المتحدة قدرات دفاعية جديدة.

هذا لايعني افتراضا، القدرة على تدمير القاذفات الروسية وهي في الجو – لأنه كما يبدو غير قابل للتحقيق- بل التوصل إلى القدرة على التحكم.

لذلك سوف تتجه الأبحاث العلمية كلها نحو القدرة على التحكم باتصالات ومراكز قيادات العدو.

لكن، يا لسوء حظ الطرف الآخر: فروسيا متقدمة جدا في هذا المجال أيضا.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #2850
(PDF - 169.5 كيليبايت)