تعاملت روسيا مع مسألة العدوان على اللاذقية في سياق جيوسياسي عالمي لايقتصر على سورية فقط.
أولا، وخلافا لما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، الجنرال ايغور كوناشينكوف، فإن الجريمة ليست مسؤولية إسرائيل لوحدها. فقد شاركت بريطانيا وفرنسا في الهجوم. ربما، لم تشاركا في المناورة الإسرائيلية بالاختباء خلف الطائرة الروسية، لكنهما لم تبذلا أي جهد في إغاثة ضحايا الطائرة إليوشين.
لم يقاتل التحالف الثلاثي، البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي في حرب مشتركة منذ أزمة السويس عام 1956، والتي انتهت آنذاك بتهديد الاتحاد السوفييتي لحلف الناتو، بالرد بالسلاح النووي.

لكن في نهاية المطاف، وجدت الولايات المتحدة ضالتها مع السوفييت في ذلك الحين، فقامتا معا بمعاقبة الدول الاستعمارية الثلاث، بمنتهى القسوة.

لقد جسدت أزمة السويس نهاية الطموحات الاستعمارية للأوروبيين.

أما الآن، فقد أعطت روسيا نفسها أسبوعا هذه المرة لتوضيح حقيقة ماحصل بالتفصيل، وهو الوقت الذي استغرقته في التوصل إلى توافق مع البيت الأبيض.

لهذا لاحظنا جميعا أن المؤتمر الصحفي الذي انعقد في 23 أيلول، لم يكن موجها للإسرائيليين، إنما للأمريكان، بقصد التوضيح لهم أن حكومة نتنياهو، لاتحترم التزاماتها الدولية، وتكذب بوقاحة لوحدها فحسب، بل يشاركها في ذلك جنرالات الجيش الإسرائيلي أيضا. وترى روسيا أنه من غير المفيد بعد الآن التفاوض مع شركاء ذوي نية سيئة، بل ينبغي عدم التردد في أن تفرض عليهم الحلول التي تعتقد أنها مناسبة.

ولو فرضنا أن روسيا قد نجحت في تمرير هذه الرسالة، فلا شك أنها فعلت ذلك في السابق على حساب علاقتها مع السوريين، الذين اعتقدوا، خطأ للوهلة الأولى، أنهم كانوا كالأبله في مهزلة الاتفاق الإسرائيلي-الروسي لعام 2015.
حقيقة الأمر أن تل أبيب وقعت في المصيدة التي نُصبت لها عام 2015، وكانت تستحقها.

ثانياً، إن عدم الإشارة إلى كل من بريطانيا وفرنسا، لا يعني أن روسيا عمياء أو خائفة، بل لأن موسكو تنوي اتخاذ عقوبة جماعية بحقهما، من دون الاضطرار إلى إدارة ردود الفعل البريطانية والفرنسية. فالأمر الأساسي بالنسبة لها، هو إجبارهما على البقاء خارج سورية. مما سوف يرتب عليهما استدعاء قواتهما الخاصة، والكف عن القيام بمغامرات في الفضاء الجوي والبحري لسورية. هذا يعني أنه لم يعد سوى لاعبان على الأرض السورية : تركيا والولايات المتحدة.
ثالثًا ، إن الصورة التي قُدمت من خلالها إسرائيل مؤخرا، هيأت الرأي العام الأمريكي لصفقة القرن، التي قد يتمكن الرئيس ترامب من الإعلان عنها أخيرا.

لقد أبلغ ترامب تل أبيب في وقت سابق، أنه حقق لهم رغبتهم بنقل سفارته إلى القدس، وأنه يتعين على الإسرائيليين الآن، دفع ثمن السلام. فقد باتت تكفي الإشارة من الآن فصاعدا إلى حقارة عملية اللاذقية، لتمرير هذه الرسالة في الولايات المتحدة، بمنتهى السهولة.
إن وجود اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن مستقبل الشرق الأوسط الموسع، بات مؤكدا، من خلال توجيه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مستقبلا من اسرئيل-فلسطين، نحو سورية، بسبب تلازم الملفين معا.

وهكذاسوف نشهد في الأشهر القادمة، منعكسات حظر اقتراب الجيش الإسرائيلي من سورية، ثم بداية المفاوضات بشأن عودة الجولان إلى الوطن الأم.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا