لم تُسلم موسكو الجيش العربي السوري صواريخ دفاع جوي من طراز «إس 300» فحسب، بل قامت أيضاً بنشر نظام مراقبة إلكترونية متكامل. ولثقته بقوة سورية الآن، طالب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم، من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بالانسحاب الفوري، وغير المشروط، لجميع قوات الاحتلال الأجنبية، الأميركية والفرنسية والتركية.

وهنا لابد من التذكير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان قد أعلن في وقت سابق عن عزمه سحب القوات الأميركية من سورية، ثم تراجع عن هذا القرار تحت ضغط من البنتاغون. لكنه عاد واتفق مع جنرالاته على مواصلة الضغط على دمشق، ما دامت الولايات المتحدة مستبعدة من محادثات سوتشي للسلام.

إن نشر الصواريخ الروسية، الذي تم على الأرجح بضوء أخضر من البيت الأبيض، من شأنها أن تمنح الرئيس ترامب فرصة لجعل البنتاغون يتراجع عن موقفه، وبما يجبره على سحب قواته من سورية، ولكن بالحفاظ على مرتزقته، أي «قوات سورية الديمقراطية – قسد».

الحكمة تقول إن القوى المعتدية التي تخسر الحرب تنسحب من الميدان. لكن عقلية الغربيين تمنعهم من ذلك. ولن تنتهي الحرب هنا، إلا عندما يجدون عظمة جديدة، لمضغها في مكان آخر.

وحدها بريطانيا تصورت ماهية الرد، وبات واضحاً الآن أن احتفاظ لندن بمواصلة ضغوطها الدبلوماسية على سورية، من خلال «المجموعة المصغرة»، لأن اهتمامها بات يتجه نحو استئناف «اللعبة الكبرى»، التي شهدت مواجهات بين التاج البريطاني والقيصر، طوال القرن التاسع عشر.

وهنا لابد من التنبيه إلى أن هذه العقيدة الجيوسياسية مستقلة عن الأحداث التي تعتبر ذريعة لها.

كانت «اللعبة الكبرى» هي تماماً إستراتيجية الإمبراطورية البريطانية. أما سبب استئنافها في الوقت الحالي فهو نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكزيت» وسياسة «عالمية بريطانيا».

وكما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر، فإن هذه التركيبة المناهضة لروسيا، تترافق في المدى المنظور مع منافسة شديدة بين لندن وباريس.

فإذا كانت فرنسا تخطط الآن لمغادرة الشرق الأوسط، والتركيز على منطقة الساحل الإفريقي، فإن موقف الولايات المتحدة يعتبر أكثر إشكالية. ذلك أن البنتاغون يتمتع منذ 11 أيلول 2001، باستقلالية ذاتية إلى حد ما، تتجلى في عدم تقبل القادة الميدانيين العشرة في القوات المسلحة الأميركية لأي أوامر من لجنة قيادة الأركان ذات الصلة، بل فقط من وزير الدفاع. ومع مرور الوقت، أصبحوا « أشباه ملوك» حقيقيين لـ «الإمبراطورية الأميركية»، وهو منصب لا ينوون السماح للرئيس ترامب بتقليصه. البعض منهم، مثل قائد قوات أميركا الجنوبية «ساوثكوم»، يعتزم مواصلة إستراتيجية الأدميرال سيبروفسكي الرامية إلى تدمير الدول غير المندمجة في الاقتصاد العالمي.

ولعل الخطوة الوحيدة التي اتخذت من الناحية السياسية مؤخراً، هي داعش. فقد أمر دونالد ترامب بالقضاء على تجربة إنشاء دولة إرهابية صراحة، أي دولة الخلافة، ما مكن الجيشان السوري والروسي من دحر «الجهاديين» في الشهور الأخيرة.
وفي الواقع، لا يريد الأوروبيون رؤية أصدقائهم «المتمردين المعتدلين»، الذين صار يطلق عليهم الآن «الإرهابيون»، يعودون إلى أوطانهم. لذلك، سواء اعترفوا بهذا الحقيقة أم لا، فهم يتمنون لهم الموت في سورية الآن.

لكن في حال أفضت الانتخابات التشريعية النصفية إلى تغيير الأغلبية في الكونغرس الأميركي الشهر القادم، فسوف يتمخض عنها إقالة الرئيس ترامب بسرعة من منصبه، واستئناف البنتاغون لطموحاته.

لذا فإن الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، هي التي ستحدد ما إذا كانت الحرب ستستمر هنا، أم إنها ستنتقل إلى ساحة أخرى.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #3001
(PDF - 153.2 كيليبايت)