كان ينبغي على القمة الرباعية التي انعقدت في اسطنبول تقريب وجهات النظر بين روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا. ولدى قراءة البيان الختامي للقمة [1] الذي أعطى انطباعا بتفاهم تام، يستنتج لدى مقارنته مع ما نشر في صحف تلك البلدان المعنية في اليوم التالي، أن الأمور ليست على هذه الدرجة من التفاهم التام.

ولعل موضوع الخلاف، الذي لم يرد ذكره في البيان، هو الدستور السوري، الذي تم تبنيه من خلال استفتاء شعبي عام 2012.

ما الذي حصل إذا؟

بعد أن تصورت إمكانية تطبيق النموذج الفيدرالي لجمهوريات عرقية في سورية، أدركت روسيا أن أوضاع البلد مختلفة تماما عما لديها في روسيا.

ففي سورية، لا وجود لجماعات سكانية محددة جغرافيًا. الأمر الذي جعل موسكو تمتنع عن التدخل في هذا النقاش.

بيد أن الأمر مختلف من وجهة نظر تركيا، التي ترى ضرورة تكرار ماقامت به في قبرص، في سورية.

ففي عام 1974 ، أطلقت تركيا على العملية المزعومة "السلام من أجل قبرص" رمز عملية "أتيلا". كانت تهدف بوضوح إلى ضم شمال الجزيرة، بضوء أخضر من وزير خارجية الولايات المتحدة، هنري كيسنجر [2].

وفي الوقت الحالي، يمكن لعملية "غصن الزيتون" التركية أن تفضي إلى ضم شمال سورية، وبالتالي تحقيق "قسم أتاتورك"، ولو جزئيا [3].

أما من وجهة نظر فرنسا، فهي لاتزال تحلم " بالانتداب" الذي منحتها إياه عصبة الأمم عام 1920، بموجب اتفاقية سايكس بيكو لعام 1915.

ومع بدء مرحلة إنهاء الاستعمار التي انطلقت في نهاية الحرب العالمية الأولى، أوضحت عصبة الأمم أن الأمر كان مرتبطا بترسيخ "فترة انتقالية" تتجلى بين استقلال فعلي، واستقلال حقيقي.

لهذا طالب الرئيس فرانسوا هولاند، الذي احتفظ بنفس مفردات عصبة الأمم، حين كان في نيويورك بضرورة إقرار "إنتداب" جديد على سورية.

في حين اكتفى خلفه إيمانويل ماكرون بالشديد على ضرورة تنظيم "مرحلة انتقالية"، لكن من دون أن يتجرأ لمرة واحدة، على التوضيح بين ماذا، وماذا.

"الحزب الاستعماري" الفرنسي (الذي لم يكن حزباً سياسياً بل جماعة ضغط عبر الأحزاب) رفض في نهاية الحرب العالمية الثانية، قبول الدعوة إلى إنهاء الاستعمار. ومن دون إذن مسبق من حكومة باريس، قام الجيش الفرنسي بتنفيذ سلسلة عمليات قصف، لم تقتصر على سورية في عام 1945 (أي بعد الاستقلال) فحسب، بل أيضا في الجزائر (مجازر سطيف، قالمة، وخراطة)، وفي فيتنام أيضا(مجازر هايفونغ عام 1946).

وتأسيسا على ما سبق، تخطط فرنسا أيضاً، انطلاقا من تلك الإيديولوجية الاستعمارية، لإنشاء "وطن قومي كردي" على غرار الكيان الذي أنشأه البريطانيون في فلسطين.

وأخيرا ألمانيا، التي صارت ترى، بغض النظر عن الدستور، ضرورة إعادة ترحيل السوريين، الذين استقدمتهم بناء على طلب مشترك من حلف الناتو [4] وأرباب العمل الألمان، إلى بلادهم. فالعملية التي كانت تهدف من وجهة نظر إستراتيجية حينذاك، إلى تفريغ البلد من سكانه لم تسمح لهم بالنصر. كما لم تسمح من الناحية الاقتصادية بدمج الغالبية العظمى من المهاجرين في قطاع الصناعة الثقيلة. الأمر الذي دفع الناخبين الألمان لاتهام المستشارة ميركل بتحميلهم أعباء المساعدات الاجتماعية.

لقد تأخرت المستشارية [5] حتى استوعبت حقيقة جاذبية ألمانيا بالنسبة لسكان الشطر الجنوبي من الأرض، وأنها كانت ستحصل على عدد المهاجرين نفسه بحرب أو من دون حرب، بمجرد إعلان برلين عن قبول جميع من يرغب بالهجرة إليها.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #3016
(PDF - 170.8 كيليبايت)

[1Joint Statement by the Quadrilateral Summit on Syria”, Voltaire Network, 27 October 2018.

[2The Cyprus Conspiracy: America, Espionage and the Turkish Invasion, Brendan O’Malley & Ian Craig, I.B. Tauris, 1999.

[3« Serment national turc », Réseau Voltaire, 28 janvier 1920. « La stratégie militaire de la nouvelle Turquie », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 11 octobre 2017.

[4“Strategic Engineered Migration as a Weapon of War”, Kelly M. Greenhill, Civil War Journal, Volume 10, Issue 1, July 2008. Understanding the Coercive Power of Mass Migrations,” in Weapons of Mass Migration: Forced Displacement, Coercion and Foreign Policy, Kelly M. Greenhill, Ithaca, 2010.
“Migration as a Coercive Weapon: New Evidence from the Middle East”, in Coercion: The Power to Hurt in International Politics, Kelly M. Greenhill, Oxford University Press, 2018.

[5“كيف يتلاعب الاتحاد الأوروبي باللاجئين السوريين”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, شبكة فولتير , 5 أيار (مايو) 2016, www.voltairenet.org/article191634.html