جرت عدة محاولات انقلاب فاشلة خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي في فنزويلا، أسفرت عن إلقاء القبض على جميع المشاركين فيها، تبعها ظهور وزير الإعلام، خورخي رودريغيز على شاشة التلفزيون، قدم خلالها شرحاً مفصلاً عن خصوصيات وعموميات تلك القضية.

في الواقع، وخلافاً للمرات السابقة، فقد تبين أن خيوط هذه المؤامرة كانت تحت المراقبة الدقيقة منذ أربعة عشر شهراً لعناصر فرع المخابرات العسكرية الفنزويلي، الذين تلقوا تدريباً عالياً في كوبا.

كان عناصر الفرع طوال تلك الفترة يخترقون المجموعة المتآمرة بروية، ويرصدون اتصالاتهم الصوتية والمرئية، مما مكنهم من تسجيل ستة وخمسون ساعة، وفرت لهم الكثير من الأدلة التي لا يمكن دحضها. كما كشفت أن العديد من الأفراد الذين جرى اعتقالهم على الفور، كانوا متورطين في مؤامرات سابقة، مما يجعل من الصعب تصور وقوع هذه العملية المتميزة بتعقيداتها من دون ضلوع وكالة الاستخبارات المركزية برعايتها المسبقة لها، في أقل تقدير.

الغريب في الأمر أن هذه المؤامرة كانت موجهة في آن واحد ضد الرئيس الدستوري نيكولاس مادورو، والرئيس المزيف المعلن خوان غوايدو، بهدف الدفع بشخص ثالث إلى قمة هرم السلطة، وهو الجنرال راؤول إسياس بادويل.

بادويل هذا، هو رئيس أركان القوات المسلحة سابقاً ، ثم وزير الدفاع، أقاله الرئيس الراحل هوجو شافيز من جميع مناصبه بسبب فساده واختلاسه الأموال العامة من ميزانية الوزارة، فحكم عليه بالسجن سبع سنوات، وبمجرد خروجه، انقلب ضد بلده، وأعلن تزعمه للمعارضة في عام 2009.

لكنه اقتيد مرة أخرى إلى السجن خلال ولاية الرئيس نيكولاس مادورو وما زال قيد الحجز حتى الآن.

كان من ضمن بنود المؤامرة قيام وحدة كوماندوز باقتحام السجن لإطلاق سراحه وإظهاره على شاشات التلفزة (بعد نجاح الانقلاب) للإعلان عن تغيير النظام.

إن الترويج لرئيس ثالث لفنزويلا يؤكد ماقلناه قبل عامين من أن هدف الولايات المتحدة ليس استبدال النظام البوليفاري بنظام آخر مطواع لها، بل تدمير هياكل الدولة في البلاد. وبناءً عليه وفي الواقع، ليس لدى الأغلبية الوطنية ولا حتى المعارضة الموالية للولايات المتحدة، أي أمل في المستقبل، من وجهة نظر واشنطن.

الفنزويليون الذين انساقوا وراء غوايدو واعتقدوا أن دعم الولايات المتحدة سيقودهم إلى النصر، صار لزاما عليهم أن يدركوا الآن فداحة خطئهم.

كان ينبغي عليهم أن يتذكروا كيف عاد أحمد الجلبي إلى العراق ومحمود جبريل إلى ليبيا بين أمتعة وعتاد جيوش الاحتلال، ولم ينل أي منهما ما كان يأمله.

ولرب قائل : من يخونون أوطانهم، لايحصدون سوى الذل والعار.

ولعمري، فإن هذه الحكمة تنسحب أيضاً على جميع من ساندوا جماعة الإخوان المسلمين في سورية.

إن التحليلات التقليدية للقرن العشرين التي كانت تزعم أن الولايات المتحدة تفضل الأنظمة التي تدور في فلكها، على تلك التي تقارعها الندية، قد عفى عليها الزمن في المرحلة الحالية من تطور الرأسمالية المالية العابرة للأوطان. وهذا هو بالضبط المعنى الحقيقي لعقيدة رامسفيلد- سيبروفسكي العسكرية السارية منذ عام 2001 التي دمرت "الشرق الأوسط الموسع" والتي تتدحرج حالياً في "حوض البحر الكاريبي".

ووفقاً لتسجيلات المؤامرة التي تم الكشف عنها، فقد ثبت أن الولايات المتحدة ليست الجهة المنظمة لها هذه المرة، مع عدم استبعاد دورها في الإشراف على سير العملية على الأقل، بل الإسرائيليون.

لقد نظمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خلال السبعين السنة الأخيرة كمية لا تصدق من "تغيير الأنظمة" عبر العالم، سواء من خلال "الانقلابات" أو "الثورات الملونة". ولشدة حرص الوكالة على تنفيذ المهام الموكلة إليها بكفاءة عالية، كانت غالباً ما تعهد بها لعدة وحدات متشابهة وأحياناً تفوض بها مقاولين من الداخل لتنفيذها. وكثيراً ما كان يقع اختيارها على جهاز الموساد الإسرائيلي الذي يؤجر خدماته القذرة لأي زبون يدفع أكثر.

ترجمة
سعيد هلال الشريفي
مصادر
سوريا

titre documents joints


Al-Watan #3181
(PDF - 177.9 كيليبايت)