"هذا المقال مقتطف من كتاب " أمام أعيننا
انظر جدول المحتويات.

بن علي (تونس)، القذافي (ليبيا) ومبارك (مصر)، في عام 2011، كانوا ثلاثة رؤساء دول، يأتمرون بأوامر واشنطن (القذافي منذ انقلاب بوصلته عام 2003، بينما كان الآخران على هذا النحو دائماً). وعلى الرغم من الخدمات التي قدموها، إلا أنه تم طردهم لصالح جماعة الإخوان المسلمين.

بدايات"الربيع العربي" في تونس

وقع الرئيس باراك أوباما في 12 آب-أغسطس 2010 على تعليمات رئاسية للأمن رقم 11 (PSD-11)، أبلغ فيها جميع سفاراته في الشرق الأوسط الكبير الاستعداد لـ "تغييرات في الأنظمة [1]، بعد أن عيَن أعضاءً من جماعة الإخوان المسلمين في مجلس الأمن القومي الأمريكي لتنسيق العمل السري على الأرض. وهكذا وضعت واشنطن الخطة البريطانية " لثورات الربيع العربي" موضع التنفيذ. تلك كانت بالنسبة للإخوان، لحظة بلوغ المجد.

أضرم بائع خضار متجول محمد البوعزيزي، في 17 ديسمبر 2010، النار في جسده في تونس، بعد أن صادرت الشرطة عربته. علمت جماعة الإخوان بالحادث، فعممت خبراً كاذباً مفاده أن الشاب كان طالباً جامعياً بلا عمل، وانه أقدم على هذا الفعل بعد أن تلقى صفعة على خده من قبل امرأة شرطية.

هرع على الفور، رجال من منظمة نيد NED (منظمة غير حكومية مزيفة تتبع لمخابرات خمس دول أنغلوسكسونية) دفعوا مبلغاً مجزيا من المال لعائلة المتوفى، كي لا تكشف المستور، وليتمكنوا من نشر التمرد في البلاد.

وبينما كانت الاحتجاجات ضد البطالة والعنف الذي تمارسه الشرطة تعم البلاد، دعت واشنطن الرئيس زين العابدين بن علي إلى مغادرة تونس، فيما كانت المخابرات البريطانية MI6 ترتب مراسم عودة مظفرة، من لندن إلى تونس، لمرشد الأخوان المسلمين التونسيين، راشد الغنوشي.

تلك هي "ثورة الياسمين". [2]

تستعير خطة تغيير الأنظمة أسلوبها من رحيل شاه إيران، وعودة الإمام الخميني، ومن الثورات الملونة.

أنشأ راشد الغنوشي، قبل أن يغادر تونس، فرعاً محلياً لجماعة الإخوان، وقام بمحاولة انقلاب فاشلة في عام 1987.

إعتٌقلَ وأُودع السجن مرات عديدة، ثم لجأ إلى السودان، حيث حظي بدعم حسن الترابي، ثم إلى تركيا، وصار مقرباً من رجب طيب أردوغان (الذي كان في ذلك الحين يرأس مللي غوروش Millî Görüş).

في عام 1993، حصل على حق اللجوء السياسي في "لندنستان"، حيث يعيش مع زوجتيه وأطفاله.

شخصيتان برزتا على أنهما "مناهضتان لأمريكا": منصف المرزوقي ( يساري متطرف يعمل لصالح NED - الولايات المتحدة الأمريكية) وراشد الغنوشي (أخوان مسلمين، يعمل لحساب مؤسسة وستمنستر - المملكة المتحدة)

ساعد البريطانيون راشد الغنوشي على تلميع صورة حزبه، وإطلاق اسم جديد على حركة الاتجاه الإسلامي، فأصبحت حركة النهضة

رابطة حماية الثورة (LPR) هي المعادل التونسي لـ "الجهاز السري" المصري. زعيمها أحمد دغيج، يتلقى من راشد الغنوشي الأوامر بأسماء الشخصيات الواجب تصفيتها.

.

استدعت نيد NED في ذلك الحين أزلامها في اليسار المتطرف، لتهدئة مخاوف السكان تجاه الإخوان. من هؤلاء، منصف المرزوقي، رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، الذي لعب دور الضامن الأخلاقي، بتأكيده أن الإخوان قد تغيروا كثيراً، وأصبحوا ديمقراطيين، فتم انتخابه رئيساً لتونس.

فاز الغنوشي في الانتخابات التشريعية، وتمكن من تشكيل حكومة في الفترة من ديسمبر 2011 إلى آب-أغسطس 2013. ثم تم إدخال حجر شطرنج آخر من أزلام نيد NED أحمد نجيب الشابي، الماوي السابق والتروتسكي لاحقاً، بعد أن أعيد تدويره من قبل واشنطن.

قام الغنوشي، اقتداء بحسن البنا، بإنشاء ميليشيا موازية للحزب، رابطة حماية الثورة، التي أوكلت إليها مهام تنفيذ الاغتيالات السياسية، من ضمنها اغتيال زعيم المعارضة شكري بلعيد.

غير أنه، على الرغم من الدعم الذي لا يمكن إنكاره من جزء من الشعب التونسي إبان عودته إلى البلاد، إلاَ أن حزبه سرعان ما صار أقلية.

كان يأمل بهذا الشكل تغيير سوسيولوجيا بلده، وإعادته إلى واجهة الأحداث.

عقد حزب النهضة في أيار-مايو 2016، مؤتمره العاشر بإخراج مبدع قامت بهInnovative Communications & Strategies، وهي شركة أنشأتها المخابرات البريطانية MI6 لهذا الغرض.

راحت وسائل الاتصالات تؤكد أنَ الحزب أصبح "مدنياً"، وصار يفصل بين النشاط السياسي والديني.

لكن هذا التطور لم يكن له أي علاقة مع العلمانية، وهو ببساطة يطلب من المسؤولين اقتسام العمل، وعدم الجمع بين الإمامة، والتمثيل النيابي.

"الربيع العربي" في مصر

في 25 يناير عام 2011، أي بعد أسبوع من هروب الرئيس زين العابدين بن علي، تحول الاحتفال بالعيد الوطني المصري إلى مظاهرة ضد السلطة. قاد الاحتجاجات الجهاز التقليدي الأميركي للثورات الملونة : الصرب الذين تلقوا تدريبهم على يد جين شارب ( منظر حلف شمال الأطلسي، متخصص بتغيير الأنظمة بسلاسة، من دون اللجوء إلى الحرب) ورجال منظمة نيد NED. [3]

تمت ترجمة كل كتبهم ومنشوراتهم الدعائية إلى اللغة العربية، بما في ذلك التعليمات الواجب إتباعها في المظاهرات، وتم توزيعها على نطاق واسع، منذ اليوم الأول.

ألقت السلطات المصرية القبض في وقت لاحق على معظم هؤلاء الجواسيس، وقدمتهم للمحاكم التي أدانتهم، ثم أمرت بترحيلهم.

قامت جماعة الأخوان المسلمين التي تحظى بدعم 15-20٪ من السكان في البلاد، بشكل رئيسي بتعبئة المتظاهرين إلى جانب حركة كفاية (مجموعة أسسها جين شارب).

هذه هي "ثورة اللوتس". [4]

جرت الاحتجاجات بشكل رئيسي في ميدان التحرير في القاهرة، ولكن أيضاً في سبع مدن أخرى. كانت مع ذلك بعيدة جدا عن الموجة الثورية التي هزت تونس.

استخدم الأخوان السلاح منذ البداية. كانوا ينقلون جرحاهم من ميدان التحرير، إلى داخل مسجد (رابعة) المجهز لتقديم الإسعافات الأولية لجرحاهم.

كانت محطات تلفزة الديكتاتوريات النفطية، قناة "الجزيرة" القطرية، وقناة "العربية" السعودية، تدعوان إلى إسقاط النظام، وتبثان على الهواء مباشرة المعلومات الإستراتيجية.

أعادت الولايات المتحدة المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية، الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي إلى مصر، كرئيس للجمعية التأسيسية للتغيير.

تم تكريم البرادعي لنجاحه في تهدئة هيجان هانز بليكس الذي كان يندد باسم الأمم المتحدة، بأكاذيب إدارة بوش لتبرير الحرب ضد العراق.

يرأس منذ أكثر من سنة ائتلافاً تم إنشاؤه على غرار إعلان دمشق: نص معقول، مذيل بتواقيع أناس يمثلون جميع الاتجاهات، إضافة لجماعة الإخوان المسلمين، الذين أصبح برنامجهم في الواقع، على نقيض المنصة.

وفي نهاية المطاف، كانت جماعة الإخوان أول تنظيم في مصر يدعو إلى الإطاحة بالنظام.

بالنسبة إلى المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عصام العريان، بغض النظر عن اتفاقات كامب ديفيد، تقضي الضرورة الملحة تجريم المثلية الجنسية.

تنبأت محطات التلفزة في جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومجلس التعاون الخليجي بهروب الرئيس حسني مبارك، في الوقت الذي كان فيه المبعوث الخاص للرئيس أوباما، السفير فرانك ويزنر (زوج والدة نيكولا ساركوزي)، يتظاهر بدعم مبارك، ومن ثم اصطفافه وراء الحشود الجماهيرية، وحثه على الانسحاب.

أخيراً، وبعد أسبوعين من أعمال الشغب والمظاهرات الاحتجاجية التي جمعت مليون شخص، استقال مبارك من منصبه.

غير أن الولايات المتحدة كانت تنوي تغيير الدستور قبل وضع الإخوان في السلطة. لذلك ظلت السلطة مؤقتاً بيد الجيش، وتولى المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري، تصريف الأعمال.

قام الطنطاوي بتعيين لجنة دستورية من سبعة أعضاء، من بينهم اثنان من الإخوان المسلمين. تولى أحدهما، القاضي طارق البشري، رئاسة أعمال اللجنة.

مع ذلك، استمر الإخوان بالمحافظة على تقليد إخراج المظاهرات كل يوم جمعة من المساجد، وذبح المسيحيين الأقباط من دون أي تدخل للشرطة.

لا ثورة في البحرين ولا في اليمن

ففي حين أن الثقافة اليمنية ليس لها أي علاقة مع مثيلتها في شمال أفريقيا، إلا أن الممارسة المشتركة لنفس اللغة، أدت لبروز حركة احتجاج عارمة، هزًت لعدة أشهر كلا من البحرين واليمن. ونظرا لتزامنها مع الأحداث في تونس ومصر، اختلطت الأوراق في هذه المسألة.

تستضيف البحرين قطع الأسطول الخامس الأميركي، وتسيطر هذه الأخيرة على حركة الملاحة في الخليج العربي، في حين أن اليمن يسيطر مع جيبوتي على مدخل ومخرج البحر الأحمر، وقناة السويس.

تخشى السلالة الحاكمة من أن تطيح ثورة شعبية بالنظام الملكي، لذا فهي تتهم، لاشعورياً، إيران بتنظيم تلك الاحتجاجات.

في الواقع، حاول أحد كبار رجال الدين العراقيين (الشيعة) في عام 1981، تصدير ثورة الإمام الخميني، والإطاحة بالنظام العميل الذي وضعه البريطانيون عقب الاستقلال في عام 1971.

ذهب وزير الدفاع روبرت غيتس إلى البحرين، وسمح للمملكة العربية السعودية بقمع هذه الثورات الحقيقية في مهدها. وتولى الأمير نايف قيادة عملية القمع.

ينتمي الأمير نايف، مثل الأمير بندر إلى عشيرة السديري، بيد أن الأمير نايف هو الأخ البكر، في حين أن بندر هو ابن جارية.

تقسيم الأدوار بين الرجلين واضح : يتولى العم الحفاظ على النظام بقمع الحركات الشعبية، في حين يتولى ابن أخيه زعزعة استقرار الدول التي يستوطن فيها الإرهاب.

الشيء المهم هو التمييز بين البلدان المستهدفة بالإرهاب. [5]

"الربيع العربي" في ليبيا

إذا خططت واشنطن لإسقاط أنظمة الحلفاء ك بن علي، ومبارك من دون اللجوء إلى الحرب، فإن الأمر يختلف عنهما في كل من ليبيا وسورية، التي يحكمهما كل من الثائر القذافي، والرئيس بشار الأسد.

بعد تدريس اللغة الديمقراطية لدكتاتوريي ممالك الخليج، وإعادة تنظيم قناة الجزيرة، وتوطين شركات أمريكية في ليبيا، أصبح الأخونج محمود جبريل رأس "الثورة" ضد النظام الذي خدمه حتى وقت قريب.

نظمت وكالة الاستخبارات المركزية في القاهرة، في أوائل شباط- فبراير 2011، وبينما كان حسني مبارك لا يزال رئيساً لمصر، إطلاق المزيد من العمليات من خلال اجتماع ضم مختلف اللاعبين، بما في ذلك منظمة نيد NED (يمثلها في مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين، والديمقراطي جو ليبرمان)، فرنسا (ممثلة ببرنار هنري ليفي)، وجماعة الإخوان المسلمين.

أما الوفد الليبي فكان برئاسة الأخواني محمود جبريل (الذي درب قادة الخليج، وأعاد تنظيم قناة الجزيرة).

دخل القاعة بصفته الرجل الثاني في حكومة الجماهيرية، لكنه خرج منها بصفته ...زعيماً للمعارضة ضد "الدكتاتورية".

لن يعود بعد الآن إلى مكتبه الفخمم في طرابلس، وصار لزاماً عليه الالتحاق ببنغازي في برقة.

ضم الوفد السوري أنس العبدة (مؤسس المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أن تؤول إدارته لاحقاً للملقب ب رامي عبد الرحمن)، وشقيقه مالك العبدة (مدير تلفزيون بردى، قناة تلفزيونية معادية لسورية، تمولها وكالة الاستخبارات المركزيةCIA).

أصدرت واشنطن التعليمات اللازمة لبدء الحروب الأهلية، في ليبيا وسورية في آن واحد.

وفي 15 شباط-فبراير، قام الأستاذ فتحي تربل، محامي أسر ضحايا مذبحة سجن أبو سليم في عام 1996 بالتجوال في مدينة بنغازي مؤكداً أن السجن المحلي يحترق، داعياً الأهالي إلى تحرير السجناء. اعتقل على أثرها لفترة وجيزة، ثم أطلق سراحه في اليوم نفسه.

في اليوم التالي، 16 شباط-فبراير، دائماً في بنغازي، هاجم المتظاهرون ثلاثة مراكز للشرطة والأمن الوطني المحلي وكذلك مقر المدعي العام. فقتلت الشرطة ستة من المهاجمين أثناء الدفاع عن مخازن أسلحة الأمن الداخلي.

انطلقت في الوقت نفسه، أعمال شغب أخرى في مدينة البيضة الواقعة بين بنغازي والحدود المصرية، هاجموا خلالها مراكز الشرطة، ومقرات الأمن الداخلي، واستولوا على ثكنة حسين الجوايفي والقاعدة الجوية العسكرية، الأبرق.

استولى المهاجمون على كميات كبيرة من الأسلحة، ثم ضربوا الحراس وشنقوا جندياً. ووقعت حوادث أخرى أقل فداحة بطريقة منسقة، في سبع مدن أخرى. [6] ثم أعلن هؤلاء المهاجمون عن انتمائهم للجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية (تنظيم الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة- القاعدة) [7]. وهم جميعاً إما أعضاء حاليين، أو أعضاء سابقين في جماعة الإخوان المسلمين. اثنان من قادة هؤلاء تعرضا لعمليات غسيل دماغ في غوانتانامو، وفق تقنيات البرفسور ألبرت د. بيدرمان، ومارتن سليغمان. [8]

حاولت الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا في أواخر التسعينات، اغتيال الزعيم الليبي معمر القذافي أربع مرات متتالية، بناء على طلب من المخابرات البريطانية MI6 وشن حرب عصابات في جبال فزان. لكن تم قمع الحركة في ذلك الحين بقسوة على يد اللواء عبد الفتاح يونس، وإجبارها على مغادرة البلاد. ووضعت هذه الحركة منذ هجمات سبتمبر 2001 على قائمة المنظمات الإرهابية من قبل لجنة القرار 1267 التابعة للأمم المتحدة، لكن لا يزال لديها مكتب في لندن، تحت مظلة المخابرات البريطانية MI6.

ألقي القبض في ماليزيا عام 2004 على الزعيم الجديد للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، عبد الحكيم بلحاج، الذي قاتل في أفغانستان إلى جانب أسامة بن لادن، وفي العراق، ثم نقل إلى سجن سري تابع لوكالة الاستخبارات المركزية في تايلاند، حيث تم حقنه بمصل الحقيقة sérum de vérité وتعذيبه .

أعيد بلحاج إلى ليبيا بعد إبرام اتفاق بين الولايات المتحدة وليبيا، حيث تعرض للتعذيب مرة أخرى في سجن أبوسليم، ولكن على يد عناصر بريطانيين، هذه المرة. ثم بعد ذلك اندمجت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتنظيم القاعدة في عام 2007 . بيد أن سيف الإسلام القذافي راح يتفاوض، ضمن إطار المفاوضات مع الولايات المتحدة في الفترة الممتدة من 2008 حتى 2010، على هدنة بين الجماهيرية، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة (تنظيم القاعدة).

نشر سيف الإسلام وثيقة طويلة بعنوان "الدراسات التصحيحية"، اعترف فيها بالخطأ الذي ارتكبه في الدعوة إلى الجهاد ضد إخوته في الدين، في بلد مسلم. ثم صدر عفو عن جميع أعضاء تنظيم القاعدة، وأطلق سراحهم عبر ثلاث دفعات متتالية، بشرط تعهدهم خطياً بالتخلي عن العنف. رفض هذا الاتفاق مائة فقط من أصل 1800 جهادي، مفضلين البقاء في السجن.

غادر عبد الحكيم بلحاج ليبيا فور إطلاق سراحه، واستقر في قطر. لكنهم نجحوا جميعاً فيما بعد بالعودة إلى ليبيا من دون لفت انتباه أحد.

نظمت جماعة الأخوان المسلمين يوم 17 شباط-فبراير، مظاهرة في بنغازي في ذكرى وفاة الأشخاص الثلاثة عشر خلال مظاهرة ضد القنصلية الإيطالية في عام 2006.

وبحسب المنظمين، فإن معمر القذافي هو الذي دبًر في ذلك الوقت قضية "الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول" بمساعدة رابطة الشمال الإيطالية. مما أدى إلى انزلاق المظاهرة نحو العنف، ومصرع 14 شخصاً، سواء من المتظاهرين أو من رجال الشرطة، على حد سواء.

الإخوان المسلمون يوزعون العلم الجديد الذي يريدونه لليبيا : إنه علم الملك السابق إدريس والاستعمار البريطاني.

هكذا بدأت "الثورة".

في الواقع، لم يكن المتظاهرون يسعون للإطاحة بالجماهيرية، بل لإعلان استقلال برقة.

وهكذا أيضاً تم توزيع عشرات الآلاف من رايات الملك إدريس (1889-1983).

تتألف ليبيا الحديثة من ثلاثة أقاليم موروثة عن الإمبراطورية العثمانية، التي لم تشكل دولة عبر تاريخها، إلا منذ عام 1951.

كانت برقة خاضعة منذ عام 1946-1969 لمملكة السنوسي-أسرة وهابية يدعمها السعوديون-الذين بسطوا نفوذهم على كل ليبيا.

توعد معمر القذافي ب "إراقة أنهار من الدماء" لإنقاذ شعبه من الإسلاميين.

وفي جنيف، قامت جمعية أهلية، أنشأتها منظمة نيد NED، تدعى الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، بإخراج هذه التصريحات من سياقها، وعرضها على وسائل الإعلام الغربية، بوصفها تهديدات ضد الشعب الليبي، أكدت فيها أنه سوف يقصف بنغازي بالطيران الحربي.

في الواقع، كانت الرابطة عبارة عن قوقعة فارغة، حوت داخلها وزراء المستقبل للبلد، بعد تعرضه لغزو حلف شمال الأطلسي.

أعاد محمود جبريل تنظيم قناة الجزيرة في عام 2005 لجعلها سلسلة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. هي التي حافظت على أسطورة بن لادن لا يزال حيا. المستشار الروحي للقناة، الشيخ يوسف القرضاوي، كان يقدم برنامجاً أسبوعياً يدعو ف إلى اغتيال معمر القذافي.

أطلق الشيخ يوسف القرضاوي في 21 شباط- فبراير، من قناة الجزيرة فتوى، أمر فيها الجيش الليبي باغتيال معمر القذافي، إنقاذاً للشعب.

"إن مجلس الأمن، بناء على عمل مجلس حقوق الإنسان في جنيف -الذي تحقق من الرابطة والسفير الليبي - وبناء على طلب من مجلس التعاون الخليجي، يجيز استخدام القوة لحماية السكان من الديكتاتور".

صعد الدم إلى رأس قائد أفريكوم AfriCom الجنرال كارتر هام عندما تلقى تعليمات من البنتاغون تأمره بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة (تنظيم القاعدة).

وتساءل الجنرال :

كيف يمكن العمل في ليبيا مع الأشخاص الذين كنا نقاتلهم في العراق، والذين قتلوا أعداداً كبيرة من جنودنا ؟

تم عزله فوراً من منصبه، واستبداله بقائد القيادة الأوروبية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، الأميرال جيمس ستافريديس.

توفي 30 من أصل 38 من قوات البحرية (هنا أثناء التدريب) الذين شاركوا في اغتيال أسامة بن لادن في باكستان، في حوادث مختلفة في الأسابيع التي تلت هذه العملية.

استراحة: أعلن باراك أوباما في 1 أيار- مايو 2011، عن قيام ستة رجال من مغاوير القوات البحرية الأميركية في أبوت آباد (باكستان)، بتصفية أسامة بن لادن، الذي كنا نفتقد لأي خبر عنه ذي مصداقية منذ حوالي عشر سنوات.

سمح هذا الإعلان بإغلاق ملف القاعدة، وبنفض الغبار عن الجهاديين، بغية إعادتهم كحلفاء للولايات المتحدة، مثلما كان عليه الحال في الماضي في حروب في أفغانستان، والبوسنة، والهرسك، والشيشان، وكوسوفو.

وهكذا تم إلقاء جثة أسامة بن لادن "الوهمية" في أعالي البحار. [9]

ظل خط الجبهة الليبية لمدة ستة أشهر، من دون تغيرات. الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة تسيطر على بنغازي، وتعلن إمارة إسلامية في درنة، حيث أغلبية أعضائها من المدينة نفسها.

بدأت الجبهة باختطاف الناس بشكل عشوائي لبث الذعر في نفس الليبيين، وإلقاء جثثهم مقطعة الأوصال بعد أيام في الشوارع. الجهاديون كانوا أناس طبيعيين قبل أن يتعاطوا خليطاً مصنوعاً من المخدرات الطبيعية والمخدرات الاصطناعية التي جعلتهم يفقدون كل إحساس. فصار بإمكانهم ارتكاب الفظائع من دون وعي.

التمست وكالة الاستخبارات المركزية التي أعلنت فجأة عن حاجتها لكمية كبيرة من الكبتاغون Captagon – أحد مشتقات المنبهات- رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، مرافق شخصي سابق (بودي غارد) -والذي سيرأس المجلس الأوروبي في عام 2018- انضم إلى شركة ضمان الأمن Security Insurance Company, ، واحدة من أكبر منظمات المافيا في البلقان.

تمتلك هذه الشركة مختبرات سرية لإنتاج المنشطات للرياضيين الألمان. قام بوريسوف بتوفير حبوب خارقة، للبلع أثناء تدخين الحشيش. [10]

انشق اللواء عبد الفتاح يونس، وانضم إلى "الثوار". هذا ما يقال في الغرب على أقل تقدير.

لكنه في الواقع، ظل في خدمة الجماهيرية، حتى بعد أن أصبح القائد العام لقوات برقة المستقلة.

الإسلاميون الذين لم ينسوا أفعاله ضدهم قبل عقد من الزمان، سرعان ما اكتشفوا أنه لا يزال على اتصال مع سيف الإسلام القذافي. فنصبوا له كميناً ووقع في الفخ، وقتلوه، وقاموا بشوي جسده على النار، وأكلوا جزءاً من لحمه.

يأمل حمد أمير قطر بالإجهاز تماماً على الجماهيرية الليبية وتثبيت السلطة الجديدة، كما فعل سابقاً مع الرئيس غير الدستوري في لبنان. ففي حين اكتفى حلف شمال الأطلسي بالتدخل عن طريق الجو، أنشأت قطر مطاراً ميدانياً في الصحراء، نقلت عبره الرجال والعتاد. لكن سكان فزان وطرابلس، ظلوا أوفياء للجماهيرية، وزعيمها.

عندما ألقى حلف شمال الأطلسي وابلاً من النيران على طرابلس في شهر آب- أغسطس، حشدت قطر قوات خاصة ومدرعات في تونس. لم يكن هؤلاء الآلاف من الرجال، بطبيعة الحال، من القطريين، بل مرتزقة- من كولومبيا بشكل رئيسي، تدربوا في الدائرة العاشرة بشركة (بلاك ووتر سابقاً Blackwater) ) في دولة الإمارات العربية المتحدة.

انضم هؤلاء إلى تنظيم القاعدة ( فصاروا لطيفين على الرغم من استمرار الأمم المتحدة باعتبارهم إرهابيين) في طرابلس، وتم إلباسهم أقنعة سوداء، بحيث لا يمكن لأحد أن يرى غير أعينهم.

مجموعتان ليبيتان فقط شاركتا في الاستيلاء على طرابلس، هما مقاتلو مصراته الذين يؤدون فروض الطاعة لتركيا، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، لواء طرابلس (تنظيم القاعدة) الذي يقوده الأيرلندي مهدي الحاراتي، الذي تدرب على يد ضباط نظاميين من الجيش الفرنسي.

بناءً على اقتراح من الناتو، أصبح عبد الحكيم بلحاج (في الوسط)، رئيس GICL (الفرع الليبي لتنظيم القاعدة) حاكماً عسكرياً لطرابلس. كما أصبح مهدي الحاراتي (إلى اليسار)، الذي جاء الرئيس أردوغان لتهنئته خلال أسطول الحرية في غزة، نائب بلحاج.

شكلت واشنطن حكومة مؤقتة في ليبيا، حتى قبل أن يتم إعدام معمر القذافي، ضمت جميع أبطال هذه العملية برئاسة مصطفى عبد الجليل (الذي غطى تعذيب الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني)، ومحمود جبريل (الذي درًب أمراء الخليج، وأعاد تنظيم قناة الجزيرة، وشارك في اجتماع القاهرة في شباط- فبراير)، ثم فتحي تربل (الذي أطلق "الثورة" في بنغازي).

أما قائد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والرجل الثالث في تنظيم القاعدة العالمي، عبد الحكيم بلحاج (المتورط في هجمات محطة قطار أتوشا Atocha في مدريد) فقد تم تعيينه حاكماً عسكرياً على العاصمة طرابلس.

(يتبع…)

ترجمة
سعيد هلال الشريفي

هذا الكتاب متوفر بست لغات

[1Obama’s low-key strategy for the Middle East”, David Ignatius, Washington Post, March 6, 2011. “Identifiying the enemy: radical islamist terror”, Statement by Peter Hoekstra, House Committe on Homeland Security, United States House of Representatives, September 22, 2016.

[2« Washington face à la colère du peuple tunisien », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 23 janvier 2011.

[3“مؤسسة ألبرت أينشتاين : اللاعنف بمفهوم جهاز المخابرات الأمريكية " السي آي إي"”, بقلم تييري ميسان, شبكة فولتير , 20 حزيران (يونيو) 2007, www.voltairenet.org/article149312.html

[4The International Dimensions of Democratization in Egypt: The Limits of Externally-Induced Change, Gamal M. Selim, Springer (2015).

[5« La Contre-révolution au Proche-Orient », par Thierry Meyssan, Komsomolskaïa Pravda (Russie), Réseau Voltaire, 11 mai 2011.

[6Rapport de la Mission d’enquête sur la crise actuelle en Libye, FFC (2011).

[7Once NATO enemies in Iraq and Afghanistan, now NATO allies in Libya”, by Webster G. Tarpley, Voltaire Network, 24 May 2011.

[8« Le secret de Guantánamo », par Thierry Meyssan, Оdnako (Russie) , Réseau Voltaire, 28 octobre 2009.

[9« Réflexions sur l’annonce officielle de la mort d’Oussama Ben Laden », par Thierry Meyssan, Réseau Voltaire, 4 mai 2011.

[10“المافيا البلغارية في الاتحاد الأوروبي”, بقلم تييري ميسان, ترجمة سعيد هلال الشريفي, سوريا , شبكة فولتير , 7 كانون الثاني (يناير) 2016, www.voltairenet.org/article189828.html