سوريا المتهدفة في الحروب الأمريكية المرتقبة

ومن العوامل التي يعتمد عليها الأمريكان في هذه المهمة هي الضغط على الأردن، رغم مواقف هذه الأخيرة في دعم موقف السلطة الفلسطينية في قضية الجدار الفاصل، ومعتمدة أيضا على سلبية أغلب إمارات الخليج في التعاطي مع القضية الفلسطينية وغزو العراق هذه السلبية التي بمقابلها تبقى الدول الماردة المستعصية على الأمريكان وعلى رأسها كل من إيران، سوريا، لبنان، بل حتى السعودية التي لم يعد يطيب لها الكثير من سياسات العم سام مؤخرا.

بالنسبة لإسرائيل ومصالحها الاستراتيجية، تبدو اليوم أكثر وضوحا من أي وقت مضى، و أكثر حيوية، فقبل خمسين سنة من اليوم، صرح "بن غوريون" أنه على إسرائيل إذا أرادت الخلاص من طوق دول الجوار فعليها أن تحكم القبضة على"أضعف" دولة في سلسلة الدول العربية والتي هي لبنان، ومن هذا المنطلق تسعى تل أبيب اليوم إلى إذكاء روح الانفصال لدى الطائفة المسيحية تحت لواء دولة مارونية تكون أكثر موالاة لإسرائيل وامتدادا لها في سياساتها بالشرق الأوسط، بل أكثر من ذلك، فقد ذهب "بن غوريون" في رسالته إلى الوزير الإسرائيلي الأول بتاريخ 27 فبراير 1954 - انه لا يزعج إسرائيل اليوم أن تجد اليوم في لبنان عناصر تدعم إنشاء دولة للموارنة ، وأن هذه الدولة لا تحتاج إلى حدود طويلة ،ولا إلى كثافة سكانية معتبرة من المسلمين .

كان هذا الطرح النظري ل "بن غوريون" هو الذي بدأ العمل به شارون عام 1982 عندما اجتاح بيروت داعما المليشيات المسيحية وهي تستهدف سكان مخيمات اللاجئين حول العاصمة اللبنانية، الحدث الذي عرف بمجازر صبراوشاتيلا

هذا المشهد المتواصل اليوم في المحاولة الإسرائيلية المستميتة لتدمير بنى المقاومة الفلسطينية الإعلامية والعسكرية والتي تتخذ من سوريا ولبنان سند لوجستيا يزعج إسرائيل.

عقيدة-الحرب الوقائية – المنتهجة من قبل الإدارة الأمريكية التي تقضي بمفاجأة كل عدو محتمل، هذه العقيدة تخول اليوم أصحابها إلى ضرورة التخمين المستقبلي للعدو المرتقب والدخول في محاولات استفزازية مستمرة له ورصد كل الوسائل العسكرية واللوجستية والإعلامية لمداهمته بداية بشن حرب إعلامية قصوى مدعومة بما تزوده وكالات الاستخبارات الإسرائيلية، البريطانية، والأمريكية انظر
 [1]، والنتيجة المتوقعة لهذه العقيدة اليوم هي اتهام سوريا بحيازة أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب، وهذا ما يبرر في نظر الأمريكان عملية "تحرير لبنان" ودفع "المحتل السوري" على حد زعم الإدارة الأمريكية.

الجدير بالذكر أنه في إطار التحضير لغزو لبنان، فقد اجتاح الطيران العسكري الإسرائيلي الفضاء اللبناني في أكتوبر 2003، بدعوى ملاحقة من يتدربون في مخيمات تدريب الإرهابيين في سوريا دون أن ينسى هذا الطيران المرور فوق البيت العائلي للرئيس بشار الأسد، في رسالة واضحة لسوريا تذكر بالهجوم السوري المصري على إسرائيل أيام حرب أكتوبر 1973، وسائل الإعلام الغربية اعتبرت الحدث مطاردة من قبل إسرائيل للإرهاب، متناسية أن انتهاك المجال الجوي لبلد ما يعتبر في نظر القانون الدولي مخالفة واضحة.

في يناير 2004، وفي محاولة استفزازية إسرائيلية جديدة، جرافة إسرائيلية تجتاح ما يسمى بالخط الحدودي الأزرق بين إسرائيل ولبنان، قبل أن تدمرها قاذفات مقاتلي حزب الله.

اتهامات واهية مسبقة

بالنظر إلى الثقل التاريخي لسوريا بالمنطقة، والى التحولات الجذرية التي تعيشها المنطقة، فان قلق سوريا يبدو طبيعيا من الدعاية الأمريكية والإسرائيلية ضدها، وخصوصا وان المشهد العراقي ليس ببعيد، فالملاحظ أسبوعيا ردود أفعال المسئولين السوريين على تصريحات الإدارة الأمريكية واتهامها المباشر وغير المباشر بدعم الإرهاب، ففي العشرين جوان 2003، كان قد صرح "كولن باول" في لقاء مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "اريل شارون" أنه إذا واصلت سوريا دعمها للإرهاب، فعليها أن تتحمل العواقب، وفي الخريف من نفس السنة يعيد ملف ملاحقة العناصر الإرهابية سوريا إلى واجهة الأحداث وزيادة الضغوط عليها انظر
 [2]

في 16 من سبتمبر 2003 نائب الأمين العام الأمريكي لمراقبة الأسلحة والأمن الخارجي يصرح أمام لجنة برلمانية أمريكية أن سوريا تسمح بمرور محاربين لقوات التحالف انطلاقا من أراضيها إلى العراق، زيادة على ذلك أكد أن سوريا سمحت بدخول السلاح إلى العراق قبل وأثناء الحرب، وأن النظام العراقي السابق هرب أسلحة دمار شامل إلى الجارة سوريا ليلة الغزو مع الإشارة إلى أنه لم يقدم دليلا على ذلك إلى الآن انظر
 [3]

أما النسبة لإسرائيل، فدمشق دوما متهمة بدعم الإرهاب، ليس الإرهاب الممثل في حزب الله، بل حتى الاستشهاد يين الفلسطينيين قبل وبعد تنفيذهم لعملياتهم، وعلى هذا الأساس كانت مخيمات تدريب الإرهابيين مستهدفة على حد المزاعم الإسرائيلية كما عبرت عنه صحافة الدولة العبرية، والغريب يومها أن جريدة "لوموند" الفرنسية ذائعة الصيت أشارت أيام قلائل بعد القصف إلى
أن المخيمات كانت قد أخليت منذ حوالي عشر سنوات
انظر
 [4]
وما لبثت مزاعم الإسرائيليين تتواصل كالقول أن سوريا تدعم شبكة عالمية للإرهاب الإسلامي، مع العلم أن طبيعة النظام الحاكم بسوريا لا توحي بالقرابة إلى هذا النوع من التنظيمات بدليل التضييق على الحركات الإسلامية بالساحة السورية وعلى رأسها الإخوان المسلمين.

أمر أسلحة الدمار الشامل كان محسوما كما برهنت عليه التجربة العراقية، مستشارة الأمن القومي "كوندوليزا رايس"، تطرقت في جانفي 2004 إلى شهادة "نزار نايوف «، معارض سوري مقيم بباريس الذي أكد أن معلومات استخباراتية قد تسربت من قبل ضابط سوري سامي تفيد بمكان دفن أسلحة الدمار الشامل العراقية بسورية حتى يتمكن المفتشون العسكريون العراقيون المختصون من معاينتها لاحقا

صحيفة هآرتس ذكرت في 15 ديسمبر2003(اليوم التالي من القبض على صدام حسين)، بأن هذا الأخير كان بامكانه المبادلة مع القوات الأمريكية لو أنه أدلى بمعلومات عن أسلحة الدمار الشامل الذي كانت بحوزته، والتي سربها إلى سوريا ليلة غزو العراق.
 [5]

هذه المعلومات التي لا تستند على أدلة قطعية واضحة هي التي سمحت بإحداث ما يسمى القانون الذي يسمح للرئيس الأمريكي بمهاجمة سوريا متى ارتأت أمريكا الداعي المبرر إلى ذلك، وهذا القانون يمثل مجموعة من العقوبات التجارية والاقتصادية والسياسية متخذة ضد سوريا
(Syria Accountability
Act)

، وتخول للرئيس الأمريكي وحده حق معاقبة سوريا، دون أن ننسى أن كثيرا من الدعوى المرفوعة ضد سوريا قد فندت كموضوع أسلحة الدمار الشامل مثلا، فقد صرح تيودو كاتووف مبعوث الولايات المتحدة في 12 نوفمبر 2003 أن سوريا حسب رأيه لم يكن بامكانها تهريب الأصوليين المسلحين إلى العراق منذ شهر أبريل تاريخ إغلاق حدودها مع العراق، وتأتي حادثة تدمير الجرافة الإسرائيلية من قبل مقاتلي حزب الله حسب أخبار سرية من قبل الضابط السامي بالتساحال إلى هآرتس على أنها لم تكن بتنسيق مع سوريا حسب تصريحات الضابط
 [6]

تحضيرات قبل الحرب

تتسارع الأحداث في الآونة الأخيرة منذ اعتقال الرئيس العراقي السابق، فمع المشاداة المسلحة مع حزب الله المتضاعفة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وتتعالى حدة التوتر التي أعرب عنها دونالد رامسفلد سكرتير الدفاع الأمريكي الذي لوح بإرسال قوات أمريكية خاصة إلى البقاع اللبناني من أجل مطاردة الإرهابيين على حد تعبيره، ففي 8 جانفي 2004، وحسب جريدة الشرق اليوم، فقد يكون الأمريكان خططوا لعملية عسكرية تكون بحرية أو أرضية انطلاقا من العراق تكون وجهتها ملاحقة الإرهابيين المطلوبين أكثر.

مداهمة إسرائيل للحدود اللبنانية في 20 جانفي 2004 أعتبرت من قبل الجرائد اللبنانية اعتداءا سافرا على لبنان والمنطقة بأسرها، صرح يعدها بيومين 22 جانفي 2004 الإعلامي إميل خوري من أن شارون يمكنه أن يستغل هذه الحادثة لصالح الانتخابات الأمريكية القادمة حتى يدخل المنطقة في دوامة عسكرية ثانية تزامنا مع رفض إسرائيل الدخول مع سوريا في المفاوضات من حيث انتهت، المفاوضات التي رحب بها الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2003 والتي كان قد بدأها والده الراحل حافظ الأسد مع الوزير الإسرائيلي الأول إسحاق رابين والتي كانت ستفضي إلى انسحاب إسرائيلي من الجولان إلى حدود حزيران 1967، الأمر الذي لم يقبل به شارون والذي يفضل الإبقاء على عدم الاستقرار بالمنطقة مستندا على تقرير يرل 1993، وعلى هذا الأساس تبدو إسرائيل العائق لمسيرة السلام بالمنطقة.

في ديسمبر 2003، أشارت صحيفة إسرائيلية إلى أن شارون رفض مقترحا سوريا يضمن وقف إطلاق النار على الخط الأزرق مقابل وقف إسرائيل اعتداءاتها على المجال الجوي للبنان من قبل الجيش الإسرائيلي على طول الحدود
 [7]

والواضح إلى حد الآن من التصريحات الحالية للمسئولين الإسرائيليين غير المشجعة بخصوص استئناف المفاوضات مع سوريا قد تجنب المنطقة مزيدا من الصدام
 [8]

ديفيد كاي

فمن خلال ما أشرنا إليه في المجمل، تبدو احتمالات زعزعة استقرار المنطقة قوية، حيث أشارت مجلة جانس انتلجنس دايجست في مقال إلى التصريحات الأخيرة للإدارة الأمريكية المهددة لسوريا، كتبت تقول إن دونالد رامسفلد يستفز سوريا للدخول في صدام عسكري عن طريق مهاجمة قواعد حزب الله على الحدود السورية اللبنانية، وما قد يؤخر ذلك هو فشل المعارضة السورية الموالية لأمريكا في فندق هوليداي ببروكسل، ما عرقل إنشاء جبهة سياسية شعة على غرار المجلس الوطني العراقي.
لكن الضربة الساحقة جاءت هذه المرة من قبل رئيس فريق المفتشين الأمريكيين والمكلف بالتفتيش عن أسلحة الدار الشامل العراقية، هذا الأخير استقال منتصف جانفي مصرحا أن العراق قد تخلى ن برنامجه النووي مع نهاية حرب الخليج الأولى، لكن الأخبار تؤكد أنه تراجع بعد أيام قلائل في تصريح على جريدة السانداي تلغراف قائلا أن بعض مكونات البرنامج النووي العراقي نقلت إلى سوريا قبل احتلال العراق وأنه لا يجري الحديث عن برنامج كامل إنما بعض مكونات برنامج مهجور منذ 13 سنة، هذا التضارب في التصريحات جاء من خبير بجهاز الاستخبارات الأمريكية يدعم محاولة مديه جورج تينيت في حفظ ماء وجه البنتاغون من انكشاف دعاوى وكالة الاستخبارات الأمريكية بشأن شن الحرب على العراق والتي لم تكن تستند إلى دليل.

في الأخير يمكننا ملاحظة أن مخطط صقور الإدارة الأمريكية طويل الأمد المعد منذ أمد بعيد تعترضه تحديات لم تكن محتملة.
تركيا الحليف التقليدي لأمريكا وعضو "الناتو"رفضت السماح للمحتل الأمريكي بالطيران في أجوائها ما دفع الأمريكان إلى إعادة النظر في كل المعطيات الحالية، تلك المعطيات التي لم كن من بينها ظهور المقاومة العراقية الحالية اليوم، ما دفع الأمريكان إلى التسرع في الإعلان عن فكرة إقامة دولة كردية مستقلة.
على ضوء هذه المعطيات، عادت سوريا إلى حليفتها التقليدية إيران، ثم تركيا في محاولة لإفشال مخطط دولة للأكراد التي تعني كلا من هذه الدول ويهدد ها بالانقسام على الطريقة اليوغسلافية، وهكذا تبقى النظرية الهنتنغتونية التي تزعم وجود شيعة أشرار في كل من سوريا، إيران، و لبنان والتي لا تنسجم مع التحالفات الحالية.

والآن لحكومة شارون أن تستغل حملة الانتخابات الأمريكية لشن الحرب بالمنطقة مستندة على صقور الإدارة الأمريكية وللزج بالمنطقة في حرب لا أحد يتصور إيقافها إذا اندلعت.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: رامي جميع الحقوق محفوظة 2004©

[2كولن باول يشن حملة ضغط دبلوماسي على سوريا نظرات على الشرق الأوسط, 16/09/2003

[5Syria wasn’t tied to latest Hezbollah attack » pr Amos Harel , Ha’aretz , 22/01/2004

[6Syria wasn’t tied to latest Hezbollah attack » Amos Harel , Ha’aretz , 22/01/2004