وكان الملك عبد الله الثاني قد وجه رسالة علنية تقدم فيها بالشكر لرئيس مخابرات بلاده، الجنرال " سعد الخير ".وفي هذه الرسالة كان قد ذكر الملك أن بلاده قد نجت من هجمة إرهابية فظيعة(عملية لم يشهد مثلها في البلاد)، والتي كانت ستؤدي إلى قتل الآلاف من المدنيين. [1]وتعد هذه الرسالة كتتويج للأنباء التي تلقتها الأجهزة الاستخبارتية الأردنية عن" وجود أربع سيارات مفخخة"بشمال البلاد.اليومية الفرنسية أشارت إلى عدة فرضيات تقف وراء الحادث، من بينها أن الأردن وبسبب مواقفه التقاربية مع الولايات المتحدة، واتفاق السلام مع اسرائيل1994، يحظى بغضب شعبي عربي وإسلامي عارم، وخصوصا وأن الملك مؤخرا أعلن أن بلاده ستكفل تكوين حوالي30ألف شرطي عراقي على أرضها.

أيام قلائل بعدها، يوم26أبريل، بثت التلفزة الرسمية الأردنية قائمة الأعضاء المشتبه فيهم بالضلوع وراء المحاولة التفجيرية
وعلى رأسهم المدعو"عزمي الجيوزي"والذي احتجزته السلطات الأردنية بتهمة انتمائه لخلية تابعة لتنظيم القاعدة، ومختصة بالهجمات الكيماوية. [2].عزمي الجيوزي كان قد صرح أن الهجوم استهدف مقر رئاسة الحكومة، وسفارة الولايات المتحدة بعمان.وحسب الرواية الأردنية، فان "العملية كانت ستدار من أحد مسئولي القاعدة، أحمد فضيل خليلي، والمعروف باسم أبو مصعب الزرقاوي"وأن الجيوزي قد التقى الزرقاوي بأفغانستان ثم بالعراق بواسطة رسائل من سوريا".

خطة التفجير كانت تضم ثلاث شاحنات ضخمة محملحصل،طن من المتفجرات الكيماوية، وسيارتين.وقد صاحب الخبر تعليق يفيد بأن الانفجار لو حصل، كان سيودي بحياة أكثر من80ألف شخص، وجرح أكثر من 160ألف آخر.

الزرقاوي خلـــــــــــــــيفة بن لادن

لكن من هو أبو مصعب الزرقاوي؟هذا الشخص كان مجهولا لمدة طويلة لدى الرأي العام العالمي.ولأول مرة يظهر على الساحة الدولية، كان عندما نشرت الجريدة الألمانية"داي زيت" يوم05ديسمبر2002خبرا عنه، مظهرة إياه" كشخصية هامة
في تنظيم القاعدة بعد سقوط نظام طالبان".قد دخل مع الباب الواسع للمشهد السياسي الدوليـ عندما ذكره سكرتير الولايات المتحدة يوم 05فبراير2003، في تصريح له أمام مجلس الأمن.فقد صرح السكرتير قائلا"العراق اليوم يأوي المعاون لسامة بن لادن، وقيادات القاعدة.هو أبو مصعب الزرقاوي، أردني، فلسطيني المولد، شارك في حرب أفغانستان لمدة عشر سنوات، وبعد عودته من أفغانستان عام2000، قاد مخيما لتدريب الإرهابيين.وإحدى تخصصاته هي صناعة المواد الكيماوية السامة.وعندما طردت قوات التحالف عناصر طالبان، قامت شبكة الزرقاوي بإعادة تشكيل مخيم آخر للتدريبات هذه المرة بشمال شرقي العراق.هاهي صورة هذا المخيم(أشار السكرتير هنا بصورة)، وهذا المخيم درب أفراده على تركيب مادة "الريسين"ومواد سامة أخرى.دعوني أذكركم بمفعول مادة الريسين، إن أقل من قبضة الأصابع كافية لإحداث صدمة توقف الحركة الدموية لشخص ما عندما يتناولها مع طعامه، ومؤدية فورا إلى موته، إذا لا يستطيع أن يجاوز ال72ساعة من عمره.ولا يوجد أي مضاد حيوي ولا دواء لإنقاذ المصاب".الجنرال كولن باول، أكد أن شبكة الزرقاوي متواجدة بكل من الشيشان، جورجيا، المغرب و أوروبا"منذ العام الماضي، عناصر من هاته الشبكة تم توقيفهم في فرنسا، المملكة المتحدة، اسبانيا وايطاليا، وحسب معلومات مخبرينا، تم توقيف116عضو ينتمي إلى هذه الشبكة."انتهى كلام الجنرال، ويعتبر تواجد هذه الشبكة حسب زعم باول، من أقوى المبررات التي أطلقت عنان الحرب على العراق، إلى جاني ستة مبررات أخرى ذكرها مثلوا الولايات المتحدة في محفل الأمم المتحدة.

المغالطة الأولى:

حسب سكرتير الدولة، فان مخيم التدريب للزرقاوي يقع في المنطقة العراقية الشمالية المعروفة ب(منطقة الحظر الجوي)، بمعنى في منطقة لا تدخل تحت تحكم نظام صدام حسين، وبالتالي محمية من قبل قوات التحالف الأنجلو-ساكسوني!ومن الصعب علينا تصديق أن هاته القوات لم تسارع إلى التدخل في منطقة كهاته، وبيئة الطيران الجوي ملائمة!
فقد كان بامكان هاته القوات الحربية الكبرى على الأقل أن تحصدا قصفا المجموعات الإرهابية، وتدمر المخيمات، مثل ما فعلت مع تفجير الرادارات ومحطات الاستقبال.

المغالطة الثانية:

في نفس المداخلة للسكرتير، صرح هذا الأخير"لقد فقدنا نحن كلنا في الولايات المتحدة(أجهزة الدولة، الوكالة الأمريكية للترقية الدولية)فقدنا صديقا عزيزا علينا، أثناء مقتل لورانس فولاي بعمان أكتوبر الماضي. [3]
هذه الجريمة البشعة التي نفذت في اليوم الذي قرت جديا مساعدة الشعب الأردني.وقد صرح الجاني أنه تلقى أموالا من شبكة الزرقاوي مقابل قتل صديقنا."غير أنه في هذه الأثناء، كان قد حكم على الزرقاوي غيابيا بالموت بدايةأفريل2004، من طرف العدالة الأردنية بسبب هاته الجريمة.غير أن قضاة هاته المحكمة لم يلاحظوا الارتباط بين القاعدة والزرقاوي حينها.لأنهم قد صرحوا أن الجاني يدير مجموعة مستقلة تدعى(جند الشام).وحسب مصدر" مجموعة جانس الإعلامية"، حتى الموساد قد توقف عن عن استخدام عبارة " القاعدة "، مستبدلا إياها بعبارة(الجهاد العالمي)، في محاولة منه للإشارة إلى مجموعات معينة دون تحديد مسمياتها.وهذه الطريقة في توظيف المصطلحات اللغوية، هي التي مكنت في الحقيقة من ربط بن لادن بالزرقاوي في حركة واحدة، دون القدرة على تحديد أي رابط تنظيمي بينهما.

المغالطة الثالثة:

في تسجيل صوتي بثته قناة العربية يوم30أفريل، نستمع إلى صوت، هول أنه للزرقاوي، وقد صرح حينها"نعم، لقد كان الهجوم المفترض يستهدف تدمير مبنى الأمن الوطني كلية.....""لكن القول بأن التفجير كان سيودي بحياة الآلاف من الضحاي، هوو محض كذبة".، وكتكذيب للرواية الرسمية، فقد صرح أن العملية لم تكن ستهدف المسلمين، وأنه لوكان يمتلك أسلحة بهذا القدر
لكان بالأحرى استعملها ضد إسرائيل.

المغالطة الرابعة:

المواد التفجيرية التي تم احتجازها، هي عبارة عن مادة حمض السيلفيريك، حيث أن التفجير يمكن أن يسبب تراكم الغيوم السامة، لكنه ليست مادة مؤهلة للاستعمال العسكري لأنه مادة متحركة هلامية لا يتحكم فيها بسهولة، لكن السؤال البسيط الذي يمكننا طرحه، هو كيف أن شبكة سرية تمكنت من حيازة"20طن من المواد الكيماوية، إنشاء مخابر لتصنيع المتفجرات، وشراء شاحنات وكراء مستودعات لمصنعاتها". [4]

الأردن أمام تغيرات الولايات المتحدة المباغتة

هذه الحادثة تأتي في الوقت الذي تشهد الحياة السياسية الأردنية حرجا كبيرا، فبعد انهيار نظام صدام حسين، طمح الأردن في لعب دور حيوي بالمنطقة وعملية بناء العراق.فقد جرت الشائعات على إمكانية اعتلاء الأمير على بن حسين، ولي العهد، الحكم في العراق، في الوقت الذي دخل فيه الملك في سلسلة إصلاحات اقتصادية واسعة النطاق.والملكة رانيا هي الأخرى دخلت عضوا بالمجلس الإداري للمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس، وعملت على فتح فرع له بالأردن.وقد كان الأمير علي قد أعلن عن مصاهرته للأخضر الإبراهيمي، ممثل سكرتير الولايات المتحدة.وتبدو الإجراءات الأمريكية الأخيرة الممثلة في تعيين نجروبونت على حكم العراق، وتعزيز الضربات ضد المقاومة العراقية، العالم الذي سيؤثر لا محالة على طموحات الأردن في انفراج اقتصادي، وتحرك تجاري يعود بالرخاء على البلد.

بوش وشارون يوم14أفريل2004

في جانب آخر، الأردن يضم حوالي1700.000 لاجىء فلسطين، ويدعم الأردن احتجاجاتهم و مطالبتهم بقيام دولة فلسطينية مستقلة، لأن ذلك حق شرعي لهم ويستجيب لمطالبهم العادلة.كما يذكر أن الأردن من الدول التي أدانت جدار الفصل الإسرائيلي أثناء جلسات محكمة لاهاي الدولية.إلى جانب هذا الاختلاف الحاصل بين كل من واشنطن حول عودة اللاجئين الفلسطينيين، بعد تصريح بوش أن هذه العودة غير قابلة للتحقيق، كل هذا يجعل البلدين الأردن وواشنطن على واجهة التصادم
المحتمل.

أسبوعان من لعبة استعراض العضلات

تسارعت الأحداث خلال هذا الشهر بين البلدين على النحو التالي:

يوم13أبريل، وزير الخارجية الأردني"مروان معشر" انتقد مشروع دمقرطة الشرط الأوسط الكبير، بمناسبة مؤتمر ديمقراطيي العالم الإسلامي الذي دعت له "سي آي آي" /"نيد" باسطنبول.هذا المؤتمر الذي توقعت وراءه مادلين أولبرايت، التحكم في مداولاته، لكنها تفاجأ بالعديد من الانتقادات الموجهة إلى الإدارة الأمريكية
وزير الخارجية الأردني شكك في نوايا هذا المشروع، وصرح أنه مشروع بني على أساس تمييز ديني وثقافي غير عادل
وأن فكرة إرساء الديمقراطية ماهي إلا حجة يختفي وراءها التدخل الأمريكي. [5]

يوم14أفريل، عقد كل من بوش وآرييل شارون، مؤتمرا صحفيا بالبيت ا، منتهكاالرئيس الأم، قتل ينتهك الشرعية الدولية ويصادق على مشروع شارون، منتهكا قراري242(22نفمبر1967)و338(22أكتوبر1973).وفي نفس اليو، قتلل أردنيان بالعراق وجرح آخر اثر هجوم بالقذائف من طرف طائرة مروحية أمريكية حسب يومية"العرب اليوم"الأردنية.ومن بين الضحيتين، المحامي موفق فالحال الزعبي. [6]

الملك الأردني عبد الله الثاني

يوم15افريل، سمحت قوات التحالف بالعراق بتشكيل منطقة للتجارة الحرة بالعراق على الحدود مع الأردن، وإشراف عسكري بلغاري. [7]الاجراء الذي من شأنه أن يحرم الخزينة الأردنية من عائدات التجارة الحدودية.في نفس اليوم، مدير الدبلوماسية التشيكية "سيريل سفوبودا "يتعرض لحادث سيارة، مما حال دون زيارته الأردن، قطر والكويت. نفس اليوم أيضا الذي أعلن فيه الملك الأردني عن تمكن بلاده من إحباط مخطط شبكة الزرقاوي.

يوم16افريل، الملك عبد الله انتقد بدوره مشروع الشرق الأوسط الكبير، مع الاعتراف بأن "الإصلاحات ضرورية بالمنطقة"، ومضيفا أنه "سواء كانت محقة أو كاذبة، فان العرب لا يثقون في المشاريع الإصلاحية المستلهمة من الغرب " [8]

وقد ذكرت الأنباء في سياق آخر، أنه تم اختطاف"وائل ممدوح" رجل أعمال أردني بداية الأسبوع بالبصرة، و"أنه قد سيق من طرف رجال يرتدون لباس الشرطة" [9] جاءوا لرؤيته بإقامته بالفندق.

يوم17أفريل، صرح وزير الخارجية الأردني، أن لقاء بوش والملك سيتطرق إلى" وضعية الأردن والمشكلة الفلسطينية"، وأن عمان ترجو من اللقاء، الحصول على ضمانات أمريكية لتحقيق بنود الحل النهائي. [10]
اغتال جيش التساحال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، خليفة الشيخ أحمد ياسين في تسيير حركة حماس.مما دفع الوزير الأول الأردني إلى إلغاء زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة، داعيا حكومته إلى اجتماع طارىء.

يوم18أفريل، طلبت الإدارة الأمريكية من رعاياها عدم السفر إلى الأردن.

يوم19أفريل، أعلن الرئيس بوش عن تنصيب جون نجروبونت ، الخبير في الحروب خفيفة الأثر.في نفس اليوم ألغى الملك عبد الله لقاءه المبرمج ليوم21أفريل، مع الرئيس بوش وكولن باول، ويعود إلى عمان.

يوم20أفريل، مروان معشر التقى نظيره الأمريكي كولن باول، وأعرب الطرفان عن توافق وجهات نظرتهما، وأعلنا عن إرجاء زيارة الملك لشهر ماي القادم.

يوم23أفريل، مروان معشر التقى نظيره الفرنسي "ميشال بارنييه" من أجل الحصول على مساعدة فرنسا مقابل الولايات المتحدة وإسرائيل.الأمير علي حينها يعلن خطوبته مع ابنة الأخضر الإبراهيمي.

يوم25أفريل، التقى الملك عبد الله بعمان، وزير الدفاع الفرنسي " ميشال آليوت ماري بارنييه"بمناسبة صالون "صوفيكس"
وقد أعلن في هذا اللقاء أن الجيش الفرنسي مستعد لتأهيل القوات الأردنية الخاصة"المرشحة لفض النزاعات".

ختاما نقول، أن التوتر الحالي بين واشنطن وعمان، يأتي نتيجة التغير الطارىء والمفاجىء في السياسة الأمريكية تجاه فلسطين والعراق، مادفع الأردن إلى البحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع المعطيات الحاصلة، والبحث عن تحالفات جديدة بالمنطقة.وأن التفجيرات والأحداث الإرهابية مقصودة كانت أم لا تعدو سوى محاولات من الإدارة الأمريكية لتركيع الأردن
الباحث عن التمرد.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: رامي جميع الحقوق محفوظة 2004©

[1"الأردن أحبط محاولة إرهابية" بيير برييه، لوفيجارو، 15أفريل.

[2"هجوم كان سيخلف80ألف قتيل" محمود العابد، جريدة جوردان تايمز، 27أفريل2004.

[3راجع مصدر"جانس انفورمايشن جروب"، 16جوان2003، المعنون:
« Jordanian indictment reveals operations of Jund al-Shams terror network »

[4الإرهاب: جدل بعمان"تييري أوبرلي، لوفيجارو28أفريل2004.

[5راجع:
Muslims Warn Democracy Can’t Be Imposed by James C. Helicke, AP, april, 13, 2004.

[6"أردنيان قتلا في قصف انفجار بالعراق"، وكالة الأنباء الفرنسية.16أفريل2004.

[7"مدير الدبلوماسية التشيكية يلغي برنامجه بعد إصابته"وكالة الأنباء الفرنسية، 16أفريل2004.

[8"ملك الأردن:الإصلاحات بالعالم العربي يجب أن تأتي من الداخل"وكالة الأنباء الفرنسية، 16أفريل2004وهو

[9"رجل أعمال أردني اختطف بالبصرة"وكالة الأنباء الفرنسية، 16أفريل2004

[10"عنان يريد ضمانات أمريكية بشأن الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية"وكالة الأنباء الفرنسية، 17أفريل2004.