دومينيك بوديس

الى هذا الوقت، الحق في التعبير كان هو نفسه مهما كان المجال المختار( الصحافة المكتوبة، السمعية البصرية، الانترنت): النشر كان حرا،و الشتيمة، أو الإشاعة المغرضة تخضعان لعقوبة المحاكم. كان ثمة استثناء موضوع لأجل القنوات الإذاعية و التلفزيونية العاملة بنظام الذبذبات الالكترومغناطيسية، بحيث أن عدد الذبذبات المتوفرة تبقى محدودة، باعتبار أن سلطة شبه إدارية هي التي تأخذ على عاتقها مهمة منح تلك الموجات، عبر منح تصريح الموافقة بالبث. تدريجيا، عمد المجلس الأعلى للسمعي البصري على استغلال صلاحياته لتوزيع الموجات و لممارسة الضغط قصد مراقبة مضامين البرامج، من خلال لعبة " التأخير في المعاملة" بدأ يمارس
حالة من الرقابة بشكل أولوي. منذ شهر، تم إسقاط هذه القلعة.

حرية التعبير التي بررتها الديمقراطية صارت محدودة و جاء نظام رقابة جديد ليحدد عمل السمعي البصري. الأغلبية البرلمانية، التي تتباهى بكونها أدمجت الانترنت في القانون العام، أسست نظامين قانونيين مختلفين على أساس شكل التعبير: الأول لأجل الأعمال التجارية و الثاني لأجل الأعمال السياسية. بهذا نجحت في إرضاء لوبي الصناعة الثقافية، الذي حظي بإمكانيات لفرض صرامة المضي في عملية فرض الضريبة على كل منتجاتها، بالخصوص تلك التي تبث عبر الانترنت. شيئا فشيئا، استطاعت أن تحتل سلطة ضخمة لمراقبة كل ما يأتي على مستوى الإذاعة و التلفزيون.

كل شيء بدأ منذ سنة و نصف، أيام كان وزيرا للاقتصاد و المالية، وضع فرنسيس مير للجمعية الوطنية مشروعين قانونيين، في يناير 2003، مشروع الثقة في الاقتصاد الرقمي، في جويلية 2003 مشروعا حول الاتصالات الالكترونية و مصالح الاتصال السمعي البصري. النصان تمت المصادقة عليهما في نهاية جوان بداية جويلية 2004 دون أن يعي الرأي العام أبعاد اللعبة. يستمر الوضع بتمديد التغييرات القانونية التي تضاعفت منذ أربعة أعوام.

"الحكماء" التسعة الأعضاء بالمجلس الأعلى للرقابة السمعية البصرية،وهم أعضاء غير منتخبون،انما معينون من طرف الشخصيات الفرنسية الثلاثة للدولة

من الآن فصاعدا، فإن المجلس الأعلى للسمعي البصري يملك السلطة لمنع أي برنامج إذاعي أو تلفزيوني مهما كان نظام بثه ( الكترومغناطيسي، و أيضا عبر الكهرباء، أو القمر الصناعي أو الانترنت) كل القنوات موضوعة تحت رحمة الموافقة المدروسة بدقة قبل البث. سيتعلق الأمر ببضعة أشهر للإلحاح و بدأ عملية التطابق مع الإجراءات الجديدة. و من ثمة، يمكن للمجلس الأعلى للسمعي البصري أن ينزع عنهم تلك الموافقة و يقرر منعهم من التعبير، بحيث يأخذ المجلس مكان المحكمة: سيفرض الرقابة الصارمة مع أنه يعتبر ذلك مناقضا ل" احترام كرامة الإنسان، و السلوك التعددي للتعبير عن الأفكار و المعتقدات"، أو كل ما يشكل مانعا " ضد سيادة النظام العام و الحاجة الى الدفاع الوطني." يمكن للمجلس أن يحدد أيضا قيمة المخالفات. مجموع هذه الإجراءات هي في الواقع مناهضة للمادة 11 لحقوق الإنسان و المواطن المعلن عليها بتاريخ 26 أغسطس 1789 و التي تمثل مدخلا للدستور الفرنسي.

في الماضي حين، كان ناشري الجرائد، أو التلفزيون الذي يبث عبر الأقمار الصناعية يرتكبون خطأ الإشاعة أو الخبر الخطأ ضد شخص ما، أو ضد نظام عام، فيكون لدى الناشر رؤية أولية أمام المحكمة. الآن، لا شيء تغير بالنسبة لناشري الصحف المكتوبة، و لكن الناشر في التلفزيون يتعرض للإيقاف عن العمل، قرار مجهز بشكل منفصل من قبل المجلس الأعلى للسمعي البصري، دونما محاكمة. حالة من الإجحاف التي تجعل اللجوء الى محاولة تغيير القرار أمام مجلس الدولة الذي سيأخذ كل وقته قبل أن يقول رده.

بالطبع، كل شيء يبدو سخيفا: مهما كانت حسن النية فيه، فإن المجلس الأعلى للسمعي البصري، ليس له أي سلطة تناقضه أو تمتعه فيما يخص الأقمار الصناعية الخارجية، مع أن المجلس ليست له أي وسيلة تسمح له بإيقاف متصل عبر الانترنت ليشاهد البرامج الأجنبية، طالما أن القانون مختلف حتى لو استعمل نفس التعبيرات التي كتب أو قيل بها.

القانون الثاني تم نشره في الجريدة الرسمية يوم الجمعة الموافق لـ9 جويلية. في نفس اليوم، طلب المجلس الوزاري المشترك لمناهضة التمييز العنصري و معادة السامية، طلب من المجلس الأعلى للسمعي البصري أن يسعى الى استغلال الصلاحية التي لديه لأجل " السهر على ألا تحمل البرامج أي صفة أو جملة تغذي الحقد و العنف لأسباب جنسية أو أخلاقية أو دينية أو قومية." و بطلب من المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية في فرنسا (CRIF) اتخذ المجلس الأعلى للسمعي البصري بتاريخ 12 جويلية جملة من إجراءات الرقابة ضد القناة الإيرانية " العالم" و القناة اللبنانية " المنار" اللتين كانتا تبثان عبر القمر الصناعي "أوتلسات".

إن كنا نجهل تفاصيل ما يؤخذ على قناة العالم، إلا أننا نعرف ملف قناة المنار التي تبث بشكل خاص البرامج الإخبارية و النقاشات السياسية، بحيث أنها تملأ خانات بثها بالخيالات العربية. فقد بثت القناة في نوفمبر 2003 مسلسل تلفزيوني حول مؤسس الصهيونية و كانت في لقطات المسلسل مشاهد معادية للسامية. المسؤولون في القناة أعلنوا أنهم لم يكونوا على دراية بما يتضمنه كل المسلسل و الحال أنهم قطعوا بثه بمجرد أن تم توجيه الإنذار لهم حول المضمون.

استوديو "المنار" حيث تبث البرامج التي تنتقد السياسة الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية،البنانية والسورية

في فترة سابقة، رأينا برنامجا تلفزيونيا فرنسيا يتعرض للنقدوالإدانة من قبل المحكمة لدعوته للعنف و الضغينة العرقية. المجلس الأعلى للسمعي و البصري لم يكن بتصور انه سيمنع بث قنوات متخصصة. كان ثمة " وزنان و إجراءان" .في الحقيقة قناة المنار هي القناة التي يتحكم فيها حزب الله، و الحال أن البرامج التي تبثها هي برامح نقدية للسياسة الإسرائيلية في فلسطين، في لبنان و سورية. و قناة العالم قريبة سياسيا من المنار، و لهذا بدل اتخاذ إجراء ضد برنامج خاطئ، يتم فرض رقابة على التعبير و الرأي معا.

في لبنان كل الأحزاب السياسية وقفت موقف التضامن. وزير الخارجية "جون عبيد"، و وزير الاتصال "ميشيل سماحة" و رئيس المجلس الوطني للسمعي البصري هادي محفوظ حملوا تأييدهم الى قناة المنار. الوزير الأول رفيق الحريري التزم بالتدخل لدى فرنسا . رئيس " شبكة فولتير لأجل حرية التعبير" تيري ميسان جاء يحمل تضامنه مع القناة، أين التقى بإبراهيم موسوي مدير الأخبار، و الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله.

اللبنانيون تفاجأوا من موقف رئيس المجلس الأعلى للسمعي البصري دومينيك بودي، الذي عاش مع لبنانية لسنوات، و يزور باستمرار المصايف اللبنانية، و لكن في الوقت نفسه، تذكروا أن السيد بودي يقيم في المجلس الشرفي لجمعية فرنسا/إسرائيل التي قدمت في فرنسا مصالح "مجموعة كارليل" التي هي مجمع الاستثمارات المالية لعائلتي "بوش" و " بن لادن". علموا أيضا أنه في أبريل 2002 استغل السيد بودي نفوذه كرئيس المجلس الأعلى للسمعي البصري، لأجل إقناع بريديا التلفزيون الفرنسي كي لا يستقبلوا السيد ميسان بسبب مواقفه التي يعتبرها" أخبار خاطئة"

مجال تغطية الأقمار الصناعية الثلاثة والعشرين لشبكة أوتلسات

تحولت القضية الى مسرحية كوميدية، عندما أعلن مورد الفضائيات أنه من الناحيةالتقنية يصعب توقيف قناة المنار من دون التسبب في إيقاف عدد أخرى من القنوات العربية، و باقة من القنوات الفضائية الأخرى التي تجمعها عقود مع اللجنة العليا للسمعي و البصري. من جهته أعلن السيد دوني غارو محامي قناة المنار أمام مجلس الدولة أن إيقاف قناة المنار عن البحث على قمر أوتلسات لن يكون له أي تأثير على الجمهور الفرنسي باعتبار أن القناة تبث أيضا على القمر الصناعي عربسات، الذي لا تملك اللجنة العليا للسمعي البصري أي صلاحية عليه، و أنه بفضل أي جهاز كمبيوتر مزود بخط انترنت عالي الاستقبال يمكن التقاط ذلك، و أن محاول إيقاف العملية هي في الحقيقة منع استقبال قمر صناعي تبث عبره برامج منتقدة لإسرائيل، و ليس لفرنسا، و بينما في الجانب الآخر في شرق الولايات الأمريكية لا يمكن استقبال قناة المنار إلا عبر الاوتلسات.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2004©