الأسلحة النووية التي أعدتها الولايات الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية استطاعت أن تحد بشكل مستمر من الاستراتيجية العسكرية منذ الحرب العالمية الثانية من القرن العشرين. لم يتم استعمالها إلا مرتين، مبيدة كمثل على ذلك، المواطنين المدنيين في هيروشيما و
نكازاكي، ثم تم تجميدها حين كان الاتحاد السوفييتي قادرا على الرد
.

بدل من سلاح لمحاربة العدو، فإن " القنبلة" قد تحولت الى وسيلة لدفع المنافس الى اللا مواجهة، هذا جعل للقويين العظميين، الولايات الأمريكية و الاتحاد السوفييتي، القدرة على منح "مظلة نووية" لحلفائهما الذين صاروا مع الوقت و بشكل كبير تابعين لهم. وفي هذا الإطار، فإن الطريقة الوحيدة لضمان عدم تلقي الضربة النووية، وما تعنيه من مأساة لا إنسانية، تكمن في إبقاء التوازن للقوى النووية بين " القويين " الكبيرين". أزمة الصواريخ الكوبية التي طرحتها الولايات الأمريكية في الدول الغربية بشكل مبالغ فيه، على أساس أنها ضربة قوة من الاتحاد السوفييتي التي كادت تؤدي الى الحرب النووية، هذا مثل نموذجي لطريقة صياغة توازن الرعب ( الترهيب) . في الحقيقة فإن نشر الصواريخ النووية في كوبا من قبل موسكو كان محاولة لتسكين تلك الحالة من اللاتوازن التي فرضتها واشنطن بنشر سلاح مماثل في تركيا [1] . في نفس الوقت، كانت الولايات الأمريكية على وشك منح الضوء الأخضر النووي لألمانيا الفدرالية. بعد عرض القوة من هذه الجهة أو تلك، أعلن " نيكيتا خروتشوف" أن " الاتحاد السوفييتي [ لا يريد] الحرب و [ يقترح] حل القواعد العسكرية في الخارج مقابل القاعدة السوفييتية في كوبا، كانت الولايات الأمريكية مطالبة إذا بحل أنظمتها الأمنية في أوروبا و في آسيا." [2] . هذا الإعلان أدى الى فتح مفاوضات بين واشنطن و موسكو: " بتاريخ 27 أكتوبر1962، اتفقت القويين العظميين على أن يسحب الاتحاد السوفييتي أسلحته النووية من كوبا ( و أن تستغل الولايات الأمريكية الأمر للهجوم على الجزيرة ) بالمقابل، لن توجه واشنطن ضد موسكو صواريخها الذرية المتواجدة في تركيا" [3] . محاولة مثيرة لتجسيد توازن متفاوض عليه، قررت الدولتين، بهذه المناسبة إقامة ما يسمى " بالهاتف الأحمر" الشهير، بين البيت الأبيض و الكريملين.

مع ذلك، فإن هذا المثل لا يجب أن يغطي على إرادة حقيقية من قبل بعض المسؤولين في الولايات الأمريكية لأجل اللجوء الى استعمال الأسلحة النووية في الصراعات التي تكمل بعضها. هكذا، طالب الجنرال" دوغلاس ماك أرتير" باستعمال القنبلة ضد الشيوعيين الكوريين مراهنا على أن الاتحاد السوفييتي لن يعارض. و إن كان (الجنرال" دوغلاس ماك أرتير") تنحى من منصبه بسرعة بعد ذلك، إلا أن التيار الذي يمثله ما زال طاغيا على البنتاجون الى يومنا هذا. من جهة أخرى، ثمة من يرغب في المواجهة المباشرة، على غرار أخصائي التنظير " راند كوربوراسيون" Rand Corporation ألبير وهلستيتر"، الذي يتقمص شخصية الدكتور " فولمور" (Dr Strangelove)

نزع السلاح المتوازي و غير الموسع

الدكتور فلامور
صورة كاريكاتورية ساخرة آلبير وولستيتر،صهر ريتشارد بيرل،منجزة من طرف ستانلاي روبريك

في الممارسة، فإن عامل البقاء هو الذي يطغى على كل شيء. " صارت القنبلة شيئا مقنعا الى درجة أنها منعت القويين العظميين من الدخول في الحرب، و أقنعتهما أيضا باستعمالها ضد دول العالم الثالث. أمام المخاوف التي كانت تثيرها حرب نووية ضد الجميع، فقد كان التحكم في سباق التسلح ممكنا طوال سنوات الحرب الباردة، بالتحديد انطلاقا من سنوات الستين. بتاريخ 14 فبراير 1967، أظهرت اتفاقية " تلاتيلولكو"، أنه بالإضافة الى إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، فإن إلغاء الدول الموقعة للأسلحة النووية، مراقبة غياب الأسلحة النووية يتم بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIRA)، التي تأسست بالمناسبة. في 1 جويلية 1968، تحولت معاهدة عدم نشر الأسلحة (TNP) الى " مؤسسة قوانين نووية شرعية، بيد أنه و بموجب أدالة فقد تم تجريب الأسلحة النووية قبل يناير 1967 [4] . و الأمر يتعلق بخمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة: الولايات الأمريكية المتحدة، الاتحاد السوفييتي، بريطانيا، الصين و فرنسا. إبان سنوات السبعينات، سعت واشنطن و موسكو الى التفاوض الدبلوماسي لأجل التوصل الى تحديد من الأرمادة النووية. هكذا تم التوقيع في سنة 1972، على اتفاقية الحد من التسلح " Strategic Arms Limitation Treaty I (SALT I) " و معاهدة AntiBallistic Missile (ABM) " ، في 8 ديسمبر1987، كانت اتفاقية واشنطن التي جاءت لتلغي، نظريا، كل الصواريخ التي تصل مسافتها بين ال5000 الى 55000 كلم.

إبعاد الانتباه عن التهديد الموازي

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، حددت الولايات الأمريكية من منظومتها النووية. الآن لم يعد يتعلق الأمر بوضع توازنات للقوة المنافسة و منعها من الهجوم، بل صار الأمر يتعلق بتوسيع الأرمادة النووية المتوفرة لأجل إضافة مزيد من الدوافع الاستراتيجية في مواجهة القوى غير النووية. هذا الوضع تم تجربته لأول مرة في سنة 1994، كما جاء في" Nuclear Posture Review ". هذه الوثيقة التي تقارن بين القوى المتواجدة، و طبيعة التهديدات و السياسيات العسكرية التي يجب وضعها لمواجهة الخطر عبر إقامة تحليل في خمسة نقاط:

  أولا، منذ نهاية الحرب البارد صار للأسلحة النووية دور أقل. فقد اختلف التهديد بضربة سوفييتية، و مجمل القوى النووية متحالفة ( فرنسا، بريطانيا، إسرائيل، الباكستان) و غير عدوانية ( الصين و روسيا ).

  ثانيا،أول مظاهر هذه المنظومة أن الولايات الأمريكية بحاجة الى أرمادة نووية أقل مما كانت عليه إبان الحرب الباردة.

  إنما، و هذه النقطة الثالثة، " ثمة غموض حقيقي إزاء المستقبل، بالخصوص في الدول المستقلة [من الاتحاد السوفييتي السابق]"، و لهذا تبدو الولايات الأمريكية حذرة عبر الحد من هذا الإحساس الغامض.

  رابعا، فليس للأمريكيين وضعية توجيه و إقناع قومية محضة: حمايتهم تعتمد على حلفائهم.

  أخيرا، فإن الولايات الأمريكية تفرض لوائح في غاية الصرامة في مجال مراقبة الأمن النووي.

تؤكد مجلة " Nuclear Posture Review" أن الولايات الأمريكية " ستحتفظ بالقوى النووية الاستراتيجية المناسبة كي تحذر كل مسؤول أجنبي معادي، يمتلك السلام النووي الاستراتيجي يسعى الى مهاجمة مصالحنا الحيوية و إقناعه أن فكرة الرغبة في السيطرة النووية أمر مستحيل".. هذه السياسة وضعت قيد التطبيق في اتفاقية" Presidential Decision Directive 60" الموقع عليها في نوفمبر 1997 من قبل بيل كلينتون. بيد أنها تركت المكان لتدويل أوسع. على المستوى الاستراتيجي، أعطت الولايات الأمريكية الضوء لاستهداف الدول " الماردة" التي لها " مدخل محتمل" إزاء الأسلحة النووية. أكثر من هذا، فإنه لأول مرة تقر القيادة استعمال السلاح النووي في ساحات المعارك، في حالة تعرضت فيه الفرق الأمريكية الى هجوم كيميائي أو بكتيري.. هذه بداية الإشكالية التي فرضت حالة من اللاتوازن و الفوضى إزاء " أسلحة الدمار الشامل". يجب أن نضع في نفس الإطار القنابل الذرية الحديثة، غازات المعارك الذي استعملت في الحرب العالمية الأولى، و التسمم البكتيري، حين يتم استعمالها و اللجوء إليها بشكل مختلف.

الملف الذي تم صياغته ضخم خطاب المسؤولين الأمريكيين. ففي يناير1998، حين طرح السؤال على الناطق الرسمي للبيت الأبيض "كنيث باكون" حول الرد المحتمل للولايات الأمريكية في حالة تعرضها الى الهجوم بالأنتركس من قبل العراق، أجاب أن واشنطن " لا تلجأ و لن تمتنع عن اللجوء " الى أ سلاح معين. منع اللجوء الى استعمال الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية أمر حدث فعلا. أعلن رئيس البرلمان الروسي" غرينادي سلزيوف"، كردة فعل أن " التهديد الحقيقي للجوء الى الأسلحة النووية " يمكنه أن يؤدي بالعالم" الى حافة الحرب العالمية الثالثة"
عن سؤال طرحه عليه وزير الشؤون الخارجية " إيفغني بريماكوف"، نشر السفير الأمريكي في موسكو جيمس كولينس، بيانا نقرأ فيه أن الولايات الأمريكية " ليست لها لا الرغبة و لا السبب لاستعمال الأسلحة النووية ضد العراق". و لكن الغموض لم يرفع: النص الرسمي يوضح أنه " لن نلغي أبدا أي عنصر من إمكانياتنا العسكرية الموجودة، في حالة أن تتعرض [ الولايات الأمريكية] و الحلفاء و فرقينا العسكرية للهجوم بواسطة أسلحة كيميائية أو بيولوجية" النهاية تبدو أكثر ازدواجية : " " نحن قادرين على الرد بطرق رهيبة من دون اللجوء الى الأسلحة النووية. لكننا لن نلغي أبدا أي عنصر من إمكانياتنا العسكرية الموجودة."
ليس هذا إلا بيانا رسميا من السفير الأمريكي في موسكو، بيانا غير ذلك الذي تحمله القرارات الرئاسية. يمكننا رؤية التكريس الذي أدى الى تغيير بسيط في النظام العسكري الأمريكي بما أن هذا البيان ما هو إلا صدى الأقوال التي أدلى بها "ويليام بيري" سكرتير الدفاع للرئيس كلينتون، في ابريل 1996، و الذي سئل عن حقيقة العثور عن مصنع للتسليح النووي في ليبيا، هذا المسؤول رفيع المستوى في الولايات الأمريكية قال:" لو فكرت دولة ما في الهجوم على الولايات الأمريكية بأسلحة كيميائية، فعليها أن تنتظر منا الرد باستعمال أي سلاح من أرمادتنا العسكرية (....) يمكننا أن نرد بشكل رهيب من دون اللجوء الى الأسلحة النووية، لكننا سنتراجع عن هذا الاحتمال" [5].

من جهة أخرى، فقد ألغت واشنطن " ممانعتها الذاتية" في الضرب باستعمال الأسلحة النووية ضد دول غير نووية: هؤلاء يجب ألا يكون بحوزتهم أي عنصر ذري، و أن يكونوا موقعين على اتفاقية عدم نشر الأسلحة و ألا يكونوا حلفاء لدولة نووية. و هذا ما يحدّ بشكل كبير مجال الامتناع. يمكن اعتبار العراق " تلميذ سيئ" من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية و أيضا يمكن اعتباره حليفا لروسيا أو لفرنسا، و هما الدولتان المالكتان للقنبلة الذرية. هذا هو وضع كوريا الشمالية أو إيران. ساحة الممكنات صارت كبيرة بالنسبة لصقور الولايات الأمريكية للسعي الى قلع جذور" الدول الماردة" ، عبر المراقبة النووية الحادة و الصارمة.

القنابل النووية التكتيكية

في الماضي، كان المحللون يعتقدون أن واشنطن تحد و بشكل عميق من نظريتها الاستراتيجية، لأجل عرض جيد لقوتها العسكرية الضاربة. و لكن في الحقيقة، كان البنتاجون يعمل على تطبيق الأسلحة النووية التكتيكية، يعني استعمالها مباشرة في ميادين القتال. وفي خضم البرنامج، كان اللجوء الى اليورانيوم المخضب للذخيرة و دعم السيارات العسكرية، و لكن أيضا صناعة القنابل النووية الصغيرة التي يطلق عليها " mini-nukes" و التي تستطيع أن تدمر كل المخابئ تحت الأرض. هذا المشروع تلقى بالمقابل ضربة سوط، بعودة إدارة جمهورية الى البيت الأبيض في سنة 2001 تحت رئاسة جورج دابليو بوش. أحداث سبتمبر، منحت الفرصة للعودة الى مشروع السلاح الفضائي [6]، مانحة لدونالد رامسفيلد، صياغة تقرير رسمي بديل بعنوان " مراجعة الدفاع كل أربع سنوات، و الذي تشتمل على استراتيجية الوزارة لمدة الفترة الرئاسية [7] في هذا التقرير، جانب سري تم الكشف عنه في المؤتمر المنعقد في 10 يناير2002، عبر رسالة من دونالد رامسفيلد تحمل عنوان" مراجعة الإمكانيات النووية [8] . و حسب سكرتير الدفاع، فإن ردع الآخرين يجب أن ينظر إليه من منظور الإمكانيات، بمعني طرق الاستعمالات المختلفة.

النظرية الجديدة للولايات الأمريكية في مجال الردع تتأسس على ثلاثة أعمدة: إمكانية تلقي الضربة الهجومية ( بما فيها الضربة النووية)، إمكانيات الدفاع الفاعلة وغير الفاعلة ( الأنظمة المضادة للصواريخ وغيرها ) و إمكانية إعادة تأسيس قوات الدفاع. كما حلل "ويليام م.أركين" في جريدة اللوس أنجلس تايمز [9]، أهمية هذا الخطاب تكمن في عدم اعتبار القنبلة الذرية سلاحا مطلقا، و لكن كسلاح " متفق عليه" لا يمكن التردد في استعماله.
أخطر من هذا، ودائما وفق ما قاله " ويليام م.أركين" فإن مراجعة الوضعية النووية يعطي فرضية استعمال الأرمادة النووية ضد روسيا، الصين، العراق، كورية الشمالية، ليبيا، سوريا، و حتى ضد الدول العربية التي تهدد أمن إسرائيل.

هذه الإرادة المعلنة للجوء الى السلاح النووي، ليس كوسيلة استراتيجية بل كساحة للقتال، حمل إدارة بوش الى بدء في أكبر برنامج لتطوير السلاح النووي التكتيكي، المسمى " mini-nukes".. الفائدة منه حسب المؤيدين داخل البنتاجون، يكمن على أساس تدمير كل المخابئ الأرضية التي استعملها جيش ميلوزوفيتش في كوسوفو، و القواعد السرية التابعة لتنظيم القاعدة الموجودة في الجبال الأفغانية، من دون أن يتسبب ذلك في أي تلويث إشعاعي قاتل في المنطقة المستهدفة. ثمة حجة كشف بعض الخبراء العسكريين أكاذيبها، و التي تؤكد أن التطور الحاصل على مستوى المتفجرات تعطي نفس إمكانية تدمير تلك الأهداف باستعمال الأسلحة الشاملة المتواجدة. من خلالهم، فإن المشاكل التي تعترض الجيش الأمريكي للوصول الى المخابئ الأرضية مرتبطة بعدم قدرتها على تحديد أهدافها بموجب عدم دقة الأسلحة المستعملة. زد الى ذلك، دراسة نشرتها( الفدرالية الأمريكية العلمية ) F.A.S
 [10]توضع الصعوبات و عدم عقلانية مثل تلك الأسلحة: قدرة الصواريخ القادرة على الاختراق الأكثر دقة، مثلا قنبلة B61-11، التي تستطيع أن تحمل طاقة نووية قوتها ما يضاهي واحد بالمائة القنبلة التي سقطت على هيروشيما تبدو أبعد ما تكون كافية. فأكثر القنابل دقة لا تتجاوز 30 قدم تحت الأرض، في الوقت الذي يجب الوصول الى 230 قدم كي يصير التحكم في الانفجار النووي، بحيث يكون خطر الإشعاع أقل. لا يوجد أبدا و لن توجد قنابل قادرة على بلوغ ذلك العمق من دون أن تحدث خسائر رهيبة و خطيرة في نظام التفجير النووي.

مختبر لوس آلاموس
ويعمل به 10.000عامل تمكنوا من تجنب البطالة بفضل البرنامج النووري التكتيكي لجورج بوش

نفع مزدوج

كيف نفسر إصرار مسؤولين من الدفاع الأمريكي على تطوير هذا النوع الجديد من الأسلحة؟ في تقرير قدم الى المؤتمر، اقترح مكتب الاستعلامات الأمريكية أكثر من 1400 عدد الأهداف تحت الأرض على مستوى كل الكوكب، مضخمة و بشكل كبير من واقع التهديدات. ثمة سببان يفسران هذه الرغبة لدى البنتاجون :

من جهة، تطوير ما يسمى بالقنبلة النووية الصغيرة يمكن أن ترضي بشكل كبير مخابر التسليح النووي، مثل مخبر"لاورانس ليفرمور ناسيونال، أو مخبر لوس ألاموس ناسيونال [11] . و الحال أن العلاقة بين إدارة بوش و المجمع العسكري الصناعي ليس بحاجة الى توضيح [12]

في بداية التسعينات، بعد انهيار القطب السوفييتي و أولى الاتفاقات لأجل تحديد من التسلح النووي الاستراتيجي، كان الأمر يتعلق بغلق أحد المخبرين. بسرعة تعالت الأصوات الموافقة على المشروع. في صيف 1991: فرقة من العلماء من مخبر لوس ألاموس أرسلت تقريرا الى مجلس الدفاع العلمي " Defense Science Board" بعنوان" استعمال الإمكانيات النووية ذات القوة المحدودة في القانون الدولي الجديد. بموازاة ذلك أسس الجنرال "لي بوتلر" فرقة عمل تجسد فكرتها حول طرق الردع و التي ترأسها السكرتير السابق للقوات الجوية الأمريكية " توماس ريد" و العقيد "ميشيل ويلي". بيد أنهم نجحوا في إشراك عدد كبير من الشخصيات: نجد وبشكل مختلط كل من: جون توتش، المساعد لسكرتير الدفاع و مدير مكتب الاستعلامات، فريد إكلي، مساعد سابق لسكرتير الدفاع و نائب رئيس لجنة "ولهستيتر"، المستشار الحالي لسكرتيرة الأمن القومي كونداليسا ريس، و أيضا المدير القادم لمكتب الاستخبارات جيمس ولسلي [13].

في نفس الوقت، مقال في " الشؤون الاستراتيجية" Strategic Affairs نشر سنة 1991 بعنوان " الاستعداد لتهديد قادم من ديكتاتوري مسلح بشكل جيد" « Countering the Threat of the Well-armed tyrant » . اثنان من المحللين في مخبر لوس ألاموس، توماس دولير، و جوزيف هوارد الثاني، أعلنا أن الولايات الأمريكية ليس لها أي رد يوازي ضربة تأتي من ديكتاتور يحوز على أسلحة كيميائية أو بيولوجية ضد فرق الولايات الأمريكية. اللجوء الى الأسلحة النووية الأقل قوة يمكنه أن يكون له مفعول رهيب أيضا إزاء أل" إقناع ذاتي".

يبرر المقال " (....) الأسلحة النووية ذات القوة الضعيفة بحيث يمكن أن تشكل ردعا مناسبا لأي عدو في مثل هذه الأزمات، من دون سرقة قواعد الإمكانيات بين القوى". قطعا فإن محامو برنامج " القنابل الصغيرة" كانوا يعتمدون إبان حرب الخليج على مخاوف " الحرب العالمية الرابعة" ( قل ديك تشيني سكرتير الدفاع آنذاك) بأن صدام حسين قادر على استعمال الأسلحة الكيميائية و البيولوجية ضد قوات التحالف.. كان ذلك لأجل الحصول الى الدعم المادي الكافي للبرنامج .
ثانيا أن الإعلان عن إقامة مثل هذا المشروع يمكنه أن يفتح المجال لنوع جديد من " الإقناع" " من القوي الى الضعيف". بالفعل، فإن اللجوء الى السلاح النووي " المتفق عليه" ، على طريقة الصواريخ البليستيكية، فقدت مصداقيتها. بشكل عكسي، فإن تهديد الولايات الأمريكية لدول غير نووة عبر "ضربات نووية محدودة" يمكنه أن يعمق من خاصية القوة العسكرية المطلقة للولايات الأمريكية على ساحة القتال، و إقناع أعداء أمريكا من أنه لا جدوى من اللجوء الى الأسلحة البكتيرية و الكيميائية.

فكرة مأخوذة في ديسمبر2002، في وثيقة جديدة منشورة على موقع الانترنت للبيت الأبيض، بعنوان "National Strategy to Combat Weapons of Mass Destruction، التقرير يعلن أن الولايات المتحدة، تحتفظ بحق الرد بكل الوسائل الممكنة، بمن فيها النووية في حالة تعرضها لهجوم كيميائي، بيولوجي، نووي أو إشعاعي ضدها، و ضد قواتها المنتشرة في الخارج، أو ضد دول صديقة أو حليفة. إن كان يجب إقصاء جانب الخديعة التي يشتمل عليه هذا النوع من التصريحات الرسمية، فلا يجب في الوقت نفسه إهمال السلوك يتمتع به أعنف صقور إدارة بوش والذين يريدون الحرب. بعد أحداث سبتمبر بقليل، الضابط السابق في مكتب الاستعلامات الدفاعية، توماس وودرو، طلب باستعمال الأسلحة النووية التكتيكية ضد جماعة بن لادن. بول ولفويتز، سكرتير ثاني للدفاع أعلن أن البنتاجون لن يتردد ، عند الحاجة، في إسقاط " العقاب الشديد"، قادرا على " إقصاء كل الدول التي تساند الإرهاب". في ذلك الوقت كانت القائمة التي صاغها دونالد رامسفيلد تضم حوالي ستين دولة [14].

الجهاز الذي يصنع الوظيفة

في الوقت نفسه، فإن الاعتقاد السائد هو أن القنابل الصغيرة لن تكون قابلة للعمل التكتيكي، و لكنها تبقى تهديدا على المستوى الاستراتيجي بالنسبةللدولغيرالنووية،و لن تكون قابلة للتصديق إلا إن استعملت مرة واحدةعلىالأقل للتجربة. و الحال أن الجميع يتساءل ان كانت هذه الأسلحة موجودة فعلاأم أنها مجرد كذبة لإخافة الآخرين.

أثناء الهجوم على العراق،بعض أعضاء أركان الجيش أرادوا استعمال القنبلة النوويةالصغيرة ضد المواطنين لخلق شعور الإحباط في نفسيةالعراقيينو من جهة أخرى لخلق حالة من الطغيان الشامل.

إنها نظرية " الصدمة لفرض الاحترام". الحرب كانت وسيلة لفرض و إظهار القوة ضد العالم العربي و الإسلامي أجمع. تماما كتفجيرات هيروشيما و نكازاكي كانت لأجل إظهار القوة أمام الاتحاد السوفييتي، و ليس لأجل هزيمة اليابان [15] . جورج دابليو بوش تراجع عن هذا المشروع، من جهة لأن الساحة كانت أقل استعدادا، و من جهة ثانية لأنه اختار التقدم للحملة الانتخابية بمشروع "تحرير" العراق. بالنسبة للصقور، فإنها مرحلة فحسب: فرض الرعب على الدول غير النووية يمكن أن يؤسس توازنا مستمرا إزاء الرعب في وجه الاتحاد السوفييتي سابقا.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2004©

[1هذه الفقرة موجودة في " شؤون ذرية" لدومينيك لورينز، منشورات أرينس2001

[2الأطلس للعلاقات الدولية تحت إدارة "باسكال بونيفاس" هاتييه 1997

[3« U.S. Nuclear Policy : Negative Security Assurances » , Arms Control Association, mars 2002.

[4شؤون ذرية OP.CIT

[5أمريكا "إيشك إمات" بقلم الجنرال "هنري باريس، منشورات جاك ماري لافونت،2004

[7Quadrennial Defense Review Report, US Department of Defense, 30 septembre 2001.

[8نسخة من رسالة موجودة على الموقع عبر الانترنت http://www.defenselink.mil/news/Jan....

[9Secret Plan Outlines the Unthinkable , William M. Arkin, Los Angeles Times, 10 mars 2002.

[10« Low-Yield Earth-Penetrating Nuclear Weapons » , Robert W. Nelson, Journal of the F.A.S., janvier/février 2001.

[11« Mini-Nukes, the New Threat », Cristina Hernández, Tierramerica, 19 janvier 2004.

[12" مجموعة كارليل، مسألة كرامة" شبكة فولتير، 9 فبراير2004

[13« The Ghost of Bertrand Russell Stalks Cheney-Rumsfeld Pentagon », Jeffrey Steinberg, Executive Intelligence Review, 7 mars 2003.

[14« Attack Bolsters Nuke Lite Lobby » , Jeffrey St. Clair et Alexander Cockburn, Counterpunch, 18 septembre 2001.