مباحثات كثيرة سبقت غزو العراق من
قبل التحالف الأنجلوسكسوني. جانب من الخبراء العسكريين تنبأوا حالة على الطريقة الفيتنامية. نصرا سريعا على الجيش النظامي العراقي وغياب المقاومة الشعبية، إلا في بعض المدن المحددة، ساهمت في تكذيبهم. لم يكن هنالك شيء. المعلقون سقطوا في حالة من التسمم الذاتي: على كثرة ما قدموا الخطر العسكري العراقي، فقد وصل بهم الأمر إلى حد التيقن بوجود جيش عراقي حقيقي في الوقت الذي كان فيه البلد جرد من السلاح منذ عام 1991. هذا التشويش غذته بالخصوص الأيقونة التي كان يقدمها القادة السياسيين ببزاة نظامية زرقاء زيتونية و التي لم تكن عسكرية قط و لكنها كانت متولدة من حزب البعث. لم تبدأ المقاومة الشعبية في مناهضة الاحتلال إلا حين تلاشى مفعول " الصدمة و الترويع" التي أحدثها القصف الكثيف على المدن. الآن قط، يبدو الوضع العراقي شبيها بما كان عليه في الفيتنام.

لم يعد صعبا مشاهدة الفشل الذي تتخبط فيه الولايات الأمريكية لـ "إعادة النظام" إلى العراق، بمعنى جعل الشعب يقبل بالاحتلال العسكري المتحالف، و بالتالي فرض نظام أياد العلاوي" الشبيه بالدمى المتحركة. الاستعمال الإعلامي لـ" الهجمة على الفلوجة" التي يقودها جورج دابليو بوش لأجل نسيان محاولته التي أجهضتها المقاومة والتي كان يسعى من خلالها إلى جعل العنف عراقيا ، بمعنى إقامة قوة احتلالية تابعة للدولة التي تحتلها و تخضعها إلى سيطرتها، كعامل أول للاستيعاب. تخريب هذا المشروع من قبل المقاومة العراقية منذ الإعلان عنه، كان بمثابة النذير القاسي للهزيمة العسكرية الأمريكية المؤكدة.
في جويلية الماضي تم التوصل إلى خلاصة "سكوت ريتر" [1] الذي عمل طوال عشرة" أعوام متواصلا مع حزب البعث بصفته مفتشا أمميا في العراق، و مؤخرا كانت تلك التي قام بها الجنرال السابق و سكرتير الدولة المستقيل كولن باول، هو نفسه المتمرس في الفيتنام. هذا الرأي بكامل إدراكه، يتأسس على واقع ثابت في كل الحروب التي تبدو محدودة كالتي تأخذ طابعا مضادا للعصيان المسلح: لو لم تؤخذ القلوب و العقول دفعة واحدة، فإن قوة النار لن تصنع شيئا، حتى بعد سنوات من النزاع.

حرب الفيتنام تعطينا النموذج للحرب ذات الخاصية غير المتوازية تماما، من جهة نجد أكبر قوة عسكرية في العالم، و من جهة أخرى تركيبة شعبية تتوفر على إمكانيات محدودة، و لكن على كفاءة عالية للحصول على أكبر دعم من عدد واسع من المواطنين. إن كان المسؤولين الأمريكيين يتكلمون دائما عن كسب " حرب القلوب و العقول"، فإنهم يشكون بالمقابل في أن قوة النار تكفي لإيقاف كل المقاومة. و الحال أنهم تعلموا أن الحرب تقديريا تبدو مشتعلة أكثر فأكثر، و أن هذا بعيد عن الحقيقة
 [2].

لم تكن حرب الشوارع هي محرك المقاومة في "فيتكونغ" ، و لكن المحرك كان عبارة عن الشبكات السياسية، أو البنية التحتية لفيتكونغ (IVC ) المعتمدة في البلاد. في الوقت الذي كان فيه جنرالات الولايات الأمريكية يتعاركون فيما بينهم لأجل البحث عن مركز قيادة المقاومة، كانت حرب الغوار تتركز بالخصوص على إحداث الاختلال في حكومة سايغوي الهشة، و تحديدا على حماية بنيتها التحتية في الميدان. سمحت تلك بدورها بإحاطة الاستراتيجية و اللوجيستيكية الخاصة بقوات العصابات لأجل القيام بعمليات محددة.

البنية التحتية السياسية كأساس المقاومة

اتفاقيات جينيف الموقع عليها في جويلية 1954، قسمت الفيتنام إلى قسمين، الشمال و الجنوب. هانوي، عاصمة الشمال، استجابت للاتفاقية بسحب فرقها، لكنها تركت في المكان عمادها السياسي المتكون من 3000 إطار سياسي و 5000 إطار عسكري. كان المطلوب من هؤلاء المناضلين البقاء قريبين من الشعب لضمان إقامة حكومة شيوعية وهمية. عمدت الاتفاقيات على تأكيد أن الانتخابات يجب أن تقام في جويلية (تموز) 1956 على ابعد حد، كان "هو شي منه" متأكدا من الفوز بها بموجب شعبيته المستمد تاريخها من النصر على الفرنسيين. لكن نظام "تغو دينه ديم" في الجنوب رفض تنضيمها.

إطارات مما كان يعرف باسم" البنية التحتية لفيتكونغ" (IVC ) ضاعفت من عدوانيتها بتنظيم شعب الجنوب اعتمادا على الشعور بالتظلم من المنظومة الاجتماعية غير العادلة التي أقامها نظام "دييم". سعت تلك الإطارات أيضا إلى عدم التشجيع المطلق للمذهب الماركسي حتى يكسبون تأييد القوميين أيضا الذين كانوا اقل تحمسا لإعادة التوحيد. ساهم ذلك عام 1960في إقامة تشكيلة سياسية هي الجبهة الوطنية لتحرير جنوب الفيتنام، أو الـ FLN.
عمليا، ففي بداية الستينات، كانت الأوضاع كالتالي في المناطق الريفية للبلاد: الكثير من الأشخاص يبيعون جهدهم في العمل اليومي لملاك الأراضي بمقابل مالي زهيد، أو أجرة مدفوعة على شكل أرز يكفي بالكاد لإطعام عائلاتهم. بتزايد ضغط المعاناة تلك، ظلوا يطالبون بتحسين رواتبهم، مما جعلهم في قفص الاتهام بأنهم يتعاطفون مع الشيوعية بحيث كانوا يقدمون إلى السلطات التي كانت تعمل مع نظام دييم" الفاسد و مع الفلاحين الأغنياء. عندما اجتاح مقاومو "فيتكونغ" القرية، لم يفـوتهم وعد الفلاحين بتقسيم عادل للمحاصيل الزراعية إن هم ساعدوهم. بهذا الشكل، و خوفا من القتل بتهمة التعاون مع العدو، هرب العديد من زعماء القوية إلى الأدغال، أين كان الفدائيين يلحقون بهم لإعادتهم و إجبارهم على الانضمام إلى صفوفهم.

في تلك الفترة نفسها، لم تكن حكومة الجنوبية الهشة بقيادة "نغو دينه دييم" تبدي اهتماما كبيرا لعمليات تنظيم ألـ IVC في قرى الجنوب، كان يهمها فقط التركيز على تعزيز سيطرتها في "سايغون" لأجل التصدي إلى أي انقلاب. بنفس الطريقة، بينما كانت "سايغون" تستعد إلى غزو عسكري محتمل قادم من الشمال، استطاعت جبهة التحرير أن تتسرب إلى الجنوب عبر الخطوط الخلفية. لم تستطع أجهزة الاستعلامات الأمريكية من استعادة العمليات السياسية و العسكرية إلا بعد سنة 1963، بعد موت "دييم" أيضا كانت مهتمة بالوضع داخل القرى. لكن، كان الأمر يبدو متأخرا، لأن تنظيم " البنية التحتية لفيتكونغ" (IVC ) كان يجني ما يكفي من الضرائب التي كانت تسمح له باقتناء الأسلحة، و بالمقابل كانت تلك الأسلحة تساهم في جني المزيد من الضرائب. وحتى لو عرفت فترات صعبة، إلا أن آلة المقاومة كانت قد انطلقت فعلا.

في سنة 1961 شهدت المقاومة توسعا إلى درجة أن جبهة التحرير كانت تتحرك على المستويين العسكري و السياسي، بحيث بدأت تعرف مشاكل حقيقية على المستوى الداخلي بسبب نقص في الخطوط و في الأطر السياسية. لأجل علاج تلك المشاكل، حولت "هانوي" الفرع الجنوبي من حزب العمال إلى الحزب الثوري للشعب (PRP) والذي وضع جبهة التحرير تحت إشراف ثوريين متمرسين.

بانطلاقة محدودة على مستوى المقاطعات، ثم الانتشار أكثر على مستوى بقية الأقاليم، عندما تم إطلاق خطة "فنيكس" عام 1967، كان تأثير الحزب الثوري للشعب واصلا إلى اصغر ضيعة في خليج "ميكونغ". كانت "هانوي" تسيطر بشكل كبير على جبهة التحرير و عملت على اجترار العناصر غير المرغوب فيها. و لأجل التنظيم فيما بين الأطر العليا في جبهة التحرير و في الحزب الثوري للشعب لإبلاغهم بأوامر المسيرة، ساهمت "هانوي" في إدماجهم في المكتب الرئيسي لجنوب الفيتنام، والذي كان يمثل العمود الفقري للمقاومة و كانت مجبرة على نقل مستمر لمراكز قيادتها من مكان إلى آخر قصد التهرب من عمليات التمشيط.

سابقون ممتهنون

بينما كانت مكاتب الاستعلامات العسكرية مركزة جهودها للحصول على معلومات تخص العمليات العسكرية الفرق، وحده مكتب الاستعلامات المركزية الأمريكية و بعض الوكالات المدنية الأخرى كانت لهم نفس الهدف: IVC. ارتكب الجيش الأمريكي هنا غلطة فادحة بعدم أخذه بعين الاعتبار الخبرات الماضية لمضادة العصيان المسلح، بالتحديد تلك المتعلقة بالهند الصينية بالنسبة للفرنسيين، و المتعلقة بماليزيا بالنسبة للبريطانيين.

منذ 1946، استغلت الإدارة الفرنسية في " كوشنشين" ( الاسم الذي أعطي إلى الجنوب الفيتنامي آنذاك)، الغياب شبه التام لـ" فيتمينه" ( مقاتلي الشمال) في تلك المقاطعات، وضع مشروعا غير مكتمل "لإعادة الأمن" لأجل كسب القلوب و العقول، وفق تقنية " بقعة الزيت". المبدأ بسيط: الجيش مطالب بفرض الاحترام بجلب التطور الملموس لأصحاب البلد. لهذا، كانت الفرق متواجدة في القرى أين كانت تقود عملياتها ضد الـ"فيتمينه"، بدل إطلاق عملياتها من المدن التي تبدو تحركاتهم فيها أكثر توقعا. هكذا نجحت في إقامة حالة من الشعور بالأمن داخل نفوس المواطنين. بالمقابل، حين قامت قوات البحرية الأمريكية بعمليات خاطفة في تلك القرى نفسها عشرين سنة من بعد قبل أن تنسحب، تركت الطريق مفتوحة تنظيم " البنية التحتية لفيتكونغ" (IVC ) كي يبدأ في عملية مطاردة ضد المتعاونين و استعادة السيطرة على الأمر. رفض الشعب في النهاية التعاون مع قوات الاحتلال خوفا ن عقاب المقاومين. بالإضافة إلى ذلك، أقام الجيش الفرنسي في "كوشنشين" إدارة محلية كانت تحمل على عاتقها مهمة صيانة الطرق و بناء المستشفيات و المدارس، كان هذا بمثابة تطور حقيقي في عيون السكان المحليين. بهذه الطريقة، نجحت قوات الاحتلال الفرنسية أيضا في ضم إلى قضيتها "كاو داي" و "هوا هاو" اللذان كانا يسيطران على الجنوب. لكن تلك المجهودات الجمة تعرضت إلى عراقيل من قبل هجمات "فيتمينه" في الشمال بقياد الجنرال "جياب"، الذي اجبر القوات الفرنسية على إعادة نشر العديد من الفرق في الشمال، و التي كانت من قبل تعمل على إعادة الأمن إلى الجنوب. بسرعة، تغيرت الأوضاع بشكل كبير لصالح الشيوعيين في القرى الجنوبية، و في الشمال نجحت فرق "جياب" في قطع الطرق أمام أي محاولة في إعادة الأمن.

الحالة الماليزية تعطي مثالا أكثر وضوحا، كأن الإدارة البريطانية فهمت أن إلقاء القبض على المتمردين يعني في النهاية إلقاء القبض على كل السكان. و هو بالفعل ما فعلته بإبعاد أغلبية سكان الريف أين كانت المقاومة نشيطة نحو "جهات استراتيجية" محاطة بالأسلاك، فارضين عليهم نظام البطاقة للمرور لأجل إيقاف أي تسلل للعدو. بهذه الطريقة استطاع الاحتلال البريطاني إضعاف المقاومة بتجويعها إلى درجة سحب منها كل فعالياتها، و هذا أدى إلى تسليم عدد كبير من المقاتلين أنفسهم، حتى انتصر الاحتلال عام 1955. [3]

لكن للوصول إلى هنا، كان الاحتلال البريطاني قد استفاد من الظروف المتاحة، مثلا من الصبغة الثانوية العرقية للانتفاضة ( معظم المقاومين من الصينيين و أقلية منهم تشكل الثلث فقط من الماليزيين)، و استحال على المقاومة أن تنسحب إلى ما وراء الحدود لتستعيد قواها و تلملم جراحها. بالفعل فإن ماليزيا محاطة بالمياه باستثناء مساحة حدود ضيقة مع تايلاندا من الشمال، بينما بقرب الكامبودج و الحدود المغرقة في الأدغال الشاسعة سمحت للمقاومة الفيتنامية بتفعيل، و تنظيم نفسها براحة أكبر.

مكتب الاستعلامات المركزية يحاول الأخذ بزمام الأمور

بعد وفاة "دييم" عام 1963، و لأجل الوقوف في وجه المقاومة أنشأ مكتب الاستعلامات المركزية قوات خاصة، أطلق عليها (Provisional Reconnaissance Units (PRU)) وحدة الاستطلاع المؤقتة ، إنها فرقة من الكموندوس مهمتها ضرب المقاومين على أرضهم، بمعنى في المناطق الريفية البعيدة. أعضاء الفرقة يدمجون ضمن مجموعات من المتطوعين من جنوب الفيتنام بالتحديد الغاضبين ضد الشيوعيين الشماليين، عادة بعد أن فقدوا عائلاتهم. وحدة الاستطلاع المؤقتة Provisional Reconnaissance Units شكلت حجرة الأساس لخطة "فنيكس"، وعملا معا مع القوات الخاصة التابعة لـ"نافي"، تلك القوات منذ 1968، قادت العمليات ضد تنظيم البنية التحتية لفيتكونغ IVCعلى المستوى ألمعلوماتي المنتقاة وفق عناصر أخرى من الخطة. هنا بدأت تظهر سمعة القوات الخاصة في الفيتنام، و التي طالما استمدت خيالها من هوليود، و من مخطط فنيكس كمشروع اغتيال يستهدف المدنيين ( إطارات من المقاومة ) من قبل الجنود وحدة الاستطلاع المؤقتة، و من قبل فرقة الـ SEALS الأمريكية. كان البرنامج ذو الطابع العسكري جدا لمقاومة سيطرة تنظيم البنية التحتية لفيتكونغIVC ،مطالبا بـ"تثبيت الأمن" بقيادة الجنرال "ويستمورلاند" من جوان 1964 إلى جوان 1968. يتعلق الأمر بالخصوص في إرسال الأرز، و الأدوية و أدوات البناء إلى المناطق الريفية بالجنوب. كان ذلك مشروع كارثة ، لأن تلك السلع كانت تنتهي إلى السوق السوداء، أو ألعن، كانت تقع مباشرة بين أيدي مقاتلي الفيتكونغ. بينما المستشارين " السابقين" لمخطط فينكس، معظمهم من مكتب الاستعلامات المركزية في أول الأمر، يتم تغييرهم تدريجيا بإطارات من الجيش، قبل أن يدخل البرنامج في مرحلة " الفتنمة" « vietnamisation » باتجاه سنة 1970.

استنتاج "ويستمورلاند" جسد تماما الفشل العسكري في الفيتنام: العديد من فصائل الجيش اعترفوا مثله، بوجود تنظيم سياسي و مقاومة مسلحة، و لكنها ظلت عاجزة عن تحديد الدور الحقيقي و ضبط الأولويات.. كل شيء كان يمشي نحو مرحلة متقدمة من الحرب، بماهية المواجهة متفق عليها لأن الجميع تدرب على ذلك. لما كان الواقع لا يتطابق مع معقداتهم و أفكارهم كانوا يسعون فقط إلى تطبيقها وفق المعطيات، وفق الطريقة الخبيثة التي تسيل الكثير من الدم اليوم في العراق.

العصفور يطير

انه طموح جاهز لاستقطاب المعلومات، مع قدرة تحرك عسكرية سريعة، أكثر دقة و استهدافا من كونها شمولية، بمكاتبها التي بدأت عمليا منذ جويلية 1967، باقتراح من مركز الاستعلامات المركزية و بموافقة من القيادة العامة، من جانب الاستعلامات المركزية فإن مؤسس البرنامج هو "روبرت كومر"، خبير في الشرق الأوسط مع نهاية الحرب

العالمية الثانية، ثم في مجلس الأمن القومي قبل أن يعين مساعدا خاصا للرئيس جونسون سنة 1966، مع مهمة إحياء الجهود "المناهضة للعصيان المسلح" في الفيتنام. شخصيته القوية ساعدته على زعزعة البيروقراطية الفاسدة في مدينة "سايغون" لأجل بدء برنامجه. حظي على دعم "وستمورلاند" الذي اعتبر أن مهمة تنظيم المخطط يتوجب على المدنيين، و لكنه أعطى قوة الضربة العسكرية في خدمة هذا الأخير.
الـ USAID الذي أعاد استثبات الأمن بإمكانيات قليلة إلى أن جاء اليوم الذي صار يلعب فيه الدور المحوري. من الجانب الفيتنامي، الشرطة الوطنية اندمجت أيضا في نخبة الـ PRU .

خطة فينكس، في مرحلتها الأولى قائمة على مصطلح ICEX Intelligence Coordination and Exploitation ( تنظيم و استثمار المعلومات)،و التي كانت على هرم القيادة، لكنها تحظى بقناتها القيادية الخاصة. المفتاح يمكن في إقامة مجموعات صغيرة منتشرة على مستوى الأمكنة، عادة تكون محاطة بمستشار من مركز الاستعلامات المركزية، و الذي يستطيع الاستنجاد بسهولة بالجيش النظامي جنوب الفيتنامي أو الأمريكي أثناء العمليات الخاطفة. و أحيانا كثيرة تستهدف العمليات تلك المخابئ و أو أماكن الاجتماعات إطارات الـIVC، الذين يتم تحديد أماكنهم وفق معلومات و معطيات تجمع من قبل جهاز فينيكس. مكاتب على مستوى المقاطعات و المركبات السكنية موجودة على الميدان للتعامل مع تلك المعلومات. بالنسبة للاعتقال يتم اللجوء إلى المنظومة القانونية المحلية التي ساهمت نقائصها في التقليل من أداء مخطط فنيكس على العموم. بالفعل، بطء التعامل مع المحبوسين السياسيين أدى بسرعة إلى اكتظاظ السجون مما جعل الحكومة الفيتنامية تلجأ إلى إخلاء سبيل العديد من المشبوهين، و أيضا الأبرياء بعد حجز طويل. الذين تم إطلاق سراحهم مؤخرا سرعان ما التحقوا بصفوف المقاومة عن إحساس بالاشمئزاز إزاء الأوضاع.

بالنسبة للقيادة الأمريكية فمشكلة اتفاقية جينيف لم تكن مطروحة في الفيتنام تماما كما هو الحال في العراق، أو في غوانتانامو. تم التحجج بأن السجناء السياسيين ضمن مخطط فينيكس لا يتطابقون مع صيغة سجناء سياسيين التي تعبر عنها الاتفاقيات، بمعنى أنها نظريا يصفهم بالعسكريين.

في أعلى احتجاج عن الحرب في الولايات الأمريكية، حاول مكتب الاستعلامات المركزية التدخل للحد من الممارسات الشنيعة المتبعة في إطار فينيكس، لكن إعلام الواقع الحربي، الذي كان آنذاك أقوى من الآن، كان له التأثير حقيقي على القرار المتسرع

زعيم الشرطة الفيتنامية العميلة أنذاك يقتل مدنيا عام1968

لنقل البرنامج إلى سلطات جنوب الفيتنام. في النهاية، فإن خطة فينيكس هي الدليل على الأسلوب المعتمد لأجل استهداف البنية السياسية للمقاومة، مما أعطى نتائج عندما حدثت هجوم ربيع 1968. عدد كبير من إطارات الـ IVC النائمة خرجت من الظل لتسدد ضربة في الجنوب مع المقاتلين و بدء ثورة شعبية لم يكن ممكنا تجسيدها : الهجوم ينتهي إلى فشل عسكري بالنسبة للشمال الذي أطلق الهجمة. تم نزع الغطاء عن الإطارات و العديد منهم فضل اللجوء إلى الكامبودج للحفاظ على حياتهم، تاركين المجال مفتوحا مؤقتا لتطوير خطة الفنيكس. زيادة على ذلك، فان مشاركة الـIVC أجبرت النظام الهش التابع ل"تـيو" على الاعتراف بقوة البنية التحتية للمقاومة. وظف إدارته لخدمة مخطط فينيكس، معطيا وجها جديدا للبرنامج الذي يتبناه نهائيا كشعار الحيوان المقدس الموجود لاسيما في الثقافة التقليدية الفيتنامية. رمز السلام و الرفاهية بالنسبة للفيتناميين، هو أيضا حيوان يفر أمام أول خطر يداهمه. بالنسبة للغربيين، فإنه يجسد ما يمكنه أن يولد من الرماد. و لكن خلف الصورة الشاعرية الملتبسة فان الأمر يتعلق أولا بالحقيقة القذرة لعملية كبيرة مضادة للعصيان التي طالما عابت عليها نقص بصيرتها إزاء أهمية الأهداف، شراستها، إجماليا، عدم نجاعتها في الإطاحة بخصومه قبالة احتلال غير مبرر. كان لذلك على العكس نزعة لتوسيعها، من حيث الاندفاع إلى تقديم المسؤولين بين أيدي الفيتناميين، مع النجاح الذي شهدته. إحدى الورقات الرابحة الأهم في مخطط فينكس كان برنامجه يتضمن استقطاب إطارات المقاومة، الذين أطلق عليهم "شيو هاو". كان مسؤولا عن ثلث من " المحايدات" المقاومين عام 1970، الذي علاوة عن ذلك لا تستثني الأشخاص المعتقلين لأقل من سنة. للأسف نجاعتها كانت نسبية عن تلك التسريبات أين كانت القوات جنوب الفيتنامية متورطة في الفساد.

الهدنة المحدثة من قبل هجوم المصفاة الكيميائية سمح لمكتب الاستخبارات المركزية لاستكمال التدابير، و لنقل المسؤولية إلى الجيش، و لكن لهدف آخر هو " فتنمة" « vietnamiser » الصراع لأجل نقل تدريجيا الفرق الأمريكية من البلاد.

و على اعتبار أن الولايات الأمريكية أعطت مسؤوليات عملية لقوات جنوب الفيتنام، قلة انضباطهم و شساعة الفساد الذي كان يسود عكر أكثر فأكثر صورة العملية. يتم الاجتهاد بنشر إحصائيات تظهر نجاعة الخطة. بالفعل، بعض الوحدات في بعض الأقاليم أظهرت مستويات جيدة من النجاح، لكنهم على الهامش. هذا التقييم أعطى 14،8% من نسبة التآكل في بنية الـVCI، بين يناير و سبتمبر 1969 [4]. وثيقة "هانوي" أكدت بالفعل تلك الضربات القوية التي وجهت إلى البنية إلى حد ما. إلى غاية 1970 تطور البرنامج، لكن مكتب الاستعلامات المركزية فك الارتباط تدريجيا تحت نيران التنديد الذي اظهر العمليات المستترة التي كانت أكثر فأكثر كثافة و سفاكة لدم المدنيين. كانت تمتد حتميا إلى الكامبودج و "لاوس" على الرغم من معارضة المجلس. انطلاقا من عام 1970، انخفضت العمليات العسكرية بشكل كبير و لكن " الحرب الأخرى" كانت اشد ضراوة. الحد الأدنى من الموظفين الأمريكيين المنكبين على مخطط فينيكس وصل عام 1970 إلى 704 مستشار عسكري بالإضافة إلى مدنيين اثنين(2). مجمل ما في مخطط فينيكس تم جمعه على الرغم كل شيء تحت التسمية الفيتنامية الوحيدة ( فونغ هوانغ ) . الجيش النظامي، القوات الخاصة و الشرطة جنوب الفيتنامية صاروا متواطئين تماما مع النتائج الهزيلة. كانت أجهزة الاستعلامات الجنوب فيتنامية غير مجدية تماما، و هو ما طرح العديد من المشاكل أمام الشرطة لكي تأخذ المبادرات، على الرغم من انعدام المعلومات الموثوق منها.

انطلق البرنامج الإحصائي و تسليم بطاقات الهوية عام 1970 ، لكن عكس الانتفاضة الماليزية، فقد استعملته المقاومة الفيتنامية لصالحها كمنظومة تغطية. كان الأمر متأخرا فعلا حين انتهى فعلا في عام 1972.

الغوص النهائي

احتلال البلد من قبل إدارة عسكرية متجذرة من مع ماض كولونيالي ثقيل، على عكس صورة المحرر الذي استفاد المقاومين منه منذ انتصارهم على فرنسا استطاعوا إن يضروا بمطامع مخطط فنيكس منذ وضع قيد التنفيذ. تعسف الطرف التي كان يستعملها النظام الهش أنهت ثقة الشعب الذي كان يعيش تحت الاحتلال، الثمن القابل للدفع بغية الاستقرار الاجتماعي كان مرتفعا جدا و القليل جدا كان ممنوحا للشعب بالمقابل. الاندفاع الذي أبدته الولايات الأمريكية لمغادرة البلاد في مارس 1973، كما هو متوقع من قبل معاهدة باريس، أسرع في مشاكل إدارة الجنوب بحيث أن "هانوي" كانت قد دخلت في استراتيجية الحرب الاصطلاحية بفضل الدعم السوفييتي. لم يكن ذلك ممكنا بدون حرب التناحر التي دارت في الجنوب، و التي حصرت مصادر المحتل و مناوبيه. إعادة النظر إلى "فينيكس" كان ما بين سنتي 1972 و 1975 لأجل تكييفه نحو تسيير فيتنامي لم يكن ليغير أي شيء. ككل عملية مضادة للعصيان التي تمنت إخضاع الشعب إلى مخطط فينيكس كان عليه أن يظهر عند أول علامة للانتفاضة.

بالرجوع إلى الخلف، يمكننا القول أن مخطط فينيكس كان الأسلوب الأكثر براغماتية لأجل السيطرة على البلاد، كان مقترحا من قبل مركز الاستعلامات المركزية، بعد مراقبة دقيقة لواقع الميدان، بموجب الدروس الملقنة في ماليزيا أو في الهند الصينية، لكن تأخر كثيرا للحصول على نتائج محسوسة. تم رفضها من قبل الرأي العام الأمريكي لأنها كانت مجبرة على استهداف مقاومة منتظمة جيدا و ذائبة في المجتمع أو وفق عبارة لـ"مـاو تسي تونغ" :" كالسمكة في الماء"، و خوض حربا قذرة حتميا. بالمقابل، فيمكن المقاوم أن يتعرف على أهدافه بسهولة و التي يراها دخيلة عن الشعب.

في العراق، العمى الذي يصر عليه البنتاجون الذي أسر خطابته في " تحرير" البلاد، لم يسمح له بالتحرك في الوقت المناسب عند تدهور الوضع. متأكدا أن الأمر لا يعدو كونه " انتفاضة" على الطريقة الفلسطينية، دونالد رامسفيلد استنجد بمدربين عسكريين إسرائيليين لأجل تحضير عملية مضادة للعصيان المسلح، اسمها " مطرقة الحديد" [5] . ثم تسمم بتصريحات عملائه الخاصين من المجلس الوطني العراقي، اعتقد البنتاجون انه يستطيع فرض" عورقة" سريعة من قبل قوات

جندي أمريكي يقتل عراقيا أعزل بالفلوجة عام2004

الاحتلال و تحرير موظفيه. كما في الفيتنام، المقاومة أعطت الأولوية لتنفيذ حكم الإعدام ضد المتعاونين ( الهجوم المنهجي لاماكن التجنيد) في طريق النضال ضد المحتل و كسرت كل احتمال ديناميكي مقرب و مناصر للولايات الأمريكية، إن وجد طبعا. بعد سنة من الخطأ العسكري، و بضعة اشهر أخرى بسبب الحملة الانتخابية، قرر الرئيس جورج دابليو بوش اللجوء إلى الطريق الراديكالية. الأمر يبدو متأخرا جدا لمحاولة السيطرة على البلد.

السبب الرئيسي لتكرار هذا الخطأ قابل للبحث في حالة التسمم الذاتي الذي حمل المسؤولين إلى عدم النظر إلى الواقع إلا من خلال دعايتهم من دون الأخذ بعين الاعتبار معلوماتهم. لم يكن صعبا معرفة أن صدام حسين اسند إلى نفسه رواية على أساسها تم وضع عاطفة لمسرحية حول عمق المقاومة، لقد حضر شعبه نفسيا إلى هذا الوضع. عسكريا، تخلى عن تنظيم ترتيبي الذي تعلموه من السوفييت لأجل تبني الفكرة الفيتنامية. نظم البنية التحتية للمقاومة من مقاطعة إلى أخرى، و أعطى القيادة لمناضلين شباب من حزب البعث، مضاعفا بذلك صلابة البنية التحتية لحزبه [6] . من هنا فصاعدا، كل نصر عسكري ضد الثوار هو بمثابة الخسارة أمام الشعب. تدمير الفلوجة لن يكون مجرد بربرية بسيطة، لأنها لن تسمح بالعودة إلى الخلف، و ستحرم التحالف من أي أمل في إضفاء السلام بوجودها في البلاد و باستثمارها لبتروله.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2004©

[2نوجهكم الى كتاب Ashes to ashes : The Phoenix Program and the Viêt-nam War, Dale Andradé, Lexington Books, حول معلومات أكثر عن
مخطط فينيكس. العديد من الوثائق مثل كتيب مستشاري فينيكس الأمريكي تجدونها على موقع Memoryhole.org

[4Op. Cit. p138

[6مصدر : حوار مع أعضاء الحكومة العراقية قبل بداية العدوان