مركز لمعالجة البترول والغاز بايران

لقد توجهت الولايات الأمريكية منذ أمد طويل في عملية رقابية على
موارد الطاقة الدولية. من جهة للحصول على حاجياتها الخاصة من الموارد، و من جهة أخرى ليكون بين يديها وسيلة ضغط على الدول الصناعية الأخرى ( نظرية كيسينجر). ركزوا بشكل مخطط له على منطقة الخليج العربي الفارسي و الذي يضم بين ضفتيه الثلثين من الموارد المستثمرة حاليا.

في سنة 2003، قطعت واشنطن خطوة بغزوها العراق، الذي كانت له أهمية الحيازة على الاحتياطيات الأكثر أهمية، كما كان مجردا من السلاح قبل اثني عشرة سنة. في الوقت نفسه، قامت الولايات الأمريكية بضغوطات خارجية على إيران، بتوجيه التهديد إليها بالعقوبات الاقتصادية، و بضغوطات داخلية على المملكة العربية السعودية.

ولمراقبة الهيدروكربون الإيراني، تريد الولايات الأمريكية تثبيت نظام تابع لها في طهران. اعتقدت إمكانية ذلك بفبركة وسائل اقتصادية و دبلوماسية. لأجل هذا، صنعت واشنطن ملفا: نشر المبررات، إنشاء جمعيات مدعومة، إلى غاية الجولة الإعلامية التي قام بها كل من أرملة و ابن الشاه الأخير [1].

الاستراتيجية المختارة تعتمد على عزل إيران دبلوماسيا، ثم فرض عليه عقوبات اقتصادية، و أخيرا اللعب على وتر الغضب الجماهيري بالإضافة إلى إثارة البلبلة بنية الإطاحة بالملالي.
التبرير الذي تخيلوه ليس نموذجيا قط: إيران تستعد لتزويد نفسها بأسلحة الدمار الشامل للهجوم على جيرانها، بمن فيهم على إسرائيل بشكل أولوي. إيران متهمة إذا بتطوير برنامج نووي عسكري منتهكة بذلك اتفاقية عدم نشر الأسلحة الذي وقعت عليها.

مظاهرات يعتزم مجاهدو الشعب القيام بها ضد المنشآت النووية الايرانية

بالنظر إلى الحدود الفاصلة بين النووي المدني و النووي العسكري، النشاطات في هذا الميدان تشكل دوما قضية إنذار. تستغل إيران البترول المتوفر عندها للحصول على التجهيزات المدنية النووية. هذا تسيير مسؤول لاقتصاده، و لكنه بشكل تناقضي يسبب لها حالة من اللوم مفاده أن الذين يملكون البترول لا يحتاجون إلى النووي (طبعا حجة لا تطبقها الولايات الأمريكية على نفسها ). منذ سنة و نصف، تضاعفت التهم الأمريكية و تحكيم الوكالة الدولية للطاقة (AIEA ) صار مطلوبا [2]. خطة واشنطن سرية ومتذبذبة. إدارة بوش الأول و في الفترة الانتخابية لم تكن قادرة على اتخاذ أدنى عقوبات تضاف إلى التدخل في العراق. لكن في غد الانتخابات، طالبت بأن تحمل الوكالة الدولية للطاقة النزاع إلى مجلس الأمن. ثم أثارت الدولة الأمريكية تصاعدات على ثلاثة أوقات: قرارا لفرض على إيران الخضوع للوكالة الدولية للطاقة، و ثانية للمطالبة بوقف دورته من إنتاج الوقود النووي و ثالثة لإيقاف كل نشاط نووي مهما كان نوعه [3]. عجزا في إثبات نيتها الحسية و رفضا للخضوع، كانت إيران على حافة عقوبات اقتصادية ثقيلة، كانت ستؤدي إلى إفلاس مفاجئ و اضطرابات داخلية تصل إلى الإطاحة بالنظام.

وساطة الترويكا الأوروبية

لتنقذ نفسها من هذا المصير الفتاك، وللخروج من عزلتها الدبلوماسية، بحثت إيران عقد تحالفات. لهذا تلمست وساطة ترويكا الأوروبية ( ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة).

سمحت ايران للدول الثلاثة بالتدخل في الشؤون الإيرانية لتجربة النية الحسنة لطهران، و لمساعدة الـ" OMC ".
في الطريق، كانوا قادرين على القيام بعمليات جيدة، بالخصوص ببيع القاطرات. بتاريخ 21 أكتوبر 2003، وبمناسبة الزيارة المستغربة لثلاثة وزراء أوروبيين للشؤون الخارجية إلى طهران، تم التوصل إلى اتفاق. إيران قبلت التعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة، و حتى التوقيع على بروتوكول إضافي لاتفاقية عدم التسلح.
ثم تتالت بعدها جملة من عمليات شد الحبل بين الوكالة الدولية للطاقة و إيران بينما تم تعديل الصيغة الدولية.

في العراق، عمل التحالف تدريجيا على جعل الشعب ضد ايران. التحالف الذي لم يحترم أيا من التزاماته في مجال إعادة البناء و الديمقراطية، مستغلا الفراغ الذي أحدثه سقوط صدام حسين. وقد أقامت إيران علاقات جيدة مع الطائفة الشيعية العراقية، ثم أبعد من ذلك مع مجموعات المقاومة،حيث لعبت طهران أطول مدة ممكنة على سياسة الاعتدال و استغلت هذا الوقت في مساعدة الطائفة الشيعية لتنظيم نفسها.
في أكتوبر 2004، تسارعت وتيرة المفاوضات الأوروبية / الإيرانية و انتهي الأمر إلى اتفاق جديد، تحت شكل صيغة تأخير.

"توقف إيران نشاطاتها في مجال تنضيب اليورانيوم الوقت الذي يستغرقه التفاوض مع ألمانيا، فرنسا و المملكة المتحدة"، و هو إجراء يضمن الوجه المدني التام للبرنامج الإيراني. لكن طهران احتفظت بحق العودة عن قرارها ان أطالت الترويكا المسألة،
واضعة ثقلها المعنوي في الميزان.وذكر أن آية الله علي خامنئي القائد الروحي للثورة قد أصدر فتوى تحرم القنبلة النووية باسم الإسلام [4].ولعدم بقاء حجج لها، لاجتماع الوكالة الدولية للطاقة المقرر بتاريخ 25 نوفمبر، باشرت الولايات الأمريكية في حملة إعلامية.

في مقال نشر بتاريخ 15 نوفمبر من قبل " US World & News Report " ضابط من المخابرات في القوات الجوية الأمريكية أعلن أن إيران خططت لاغتيال رئيس سلطة الائتلاف المؤقت في العراق، بول بريمير الثالث [5]. العملية كانت مقررة بتاريخ 11 سبتمبر 2003، بمعني في ذكرى الهجمات على نيويورك و واشنطن. هذا الاختيار يوقع مسئولية إيران في تلك الهجمات التي أسندت على التتالي إلى تنظيم القاعدة و إلى العراق. بالإضافة إلى ذلك، الإيرانيون ساعدوا ماديا التمرد العراقي و يدفعون أيضا مكافأة على كل قتل يصيب الجيش الأمريكي بمكافأة من 500 دولار الخ.

مجاهدو الشعب، المجموعة المسلحة المعارضة التي مع السنين، تحولت إلى قوة مرتزقة، أقامت ندوة صحفية متزامنة في فيينا و باريس، بتاريخ 17 نوفمبر [6]. وقد أعلنوا أن الدكتور خان، أب القنبلة الذرية الباكستانية، باع اليورانيوم عالي التنضيب إلى الإيرانيين في سنة 2001 [7]. معلومة سرعان ما كذبت من طرف الباكستان [8]. المجاهدون اتهموا أيضا إيران باستحواذها عل موقع سري تقوم باختبارات عسكرية فيه.

معط جديد

في الوقت ذاته قلب حدثان المسألة تماما:

منذ 9 نوفمبر، أعلن وزير الدفاع علي شمخاني، أن إيران في مستوى إنتاج مجموعة من صواريخ شهاب3، يصل مداها الى 2000 كليومتر. طهران تملك الإمكانيات لضرب إسرائيل في حالة وقوع نزاع مسلح [9]. في آن واحد، أمدت إيران ثمانية طائرات بلا ربان إلى حزب الله اللبناني [10]. تلك التي تمكن من إدخالها إلى الفضاء الجوي الإسرائيلي من دون أن ترصد، واضعة نهاية لأسطورة السيطرة على الفضاء الجوي الإسرائيلي بلا مقاسمة.

وخاصة، بينما كانت واشنطن تراقب الحيلة الأوروبية، كانت طهران تتفاوض بعيدا مع متحالف ذو وزن. بداية 2004، باعت إيران الغاز بقيمة 20 مليار دولار. في 28 أكتوبر، التقى وزير البترول الإيراني بيجان نامدار زانغانيش، في بيكين شينغ غينغ، رئيس الشركة القومية للبترول الصيني. الرجلان وصلا إلى اتفاق يبيح لشركة "سينوبيك" استثمار المعدن الايراني من منطقة " يادافاران". يمكن للصينيين استخراج 10 ملايين طن سنويا من الغاز الطبيعي طوال 25 سنة. قيمة العقد قدرت ب700 و 1000 مليار دولار على عشريتين.

لقد صارت الصين فجأةالزبون الأول لايران، الصين التي لم يكن لها معها أي تجارة منذ 2003. طهران كشفت أوراقها، و لم يعد ثمة لغز في نيتها بعدم تجديد اتفاقاتها مع اليابان، زبونها الرئيسي الى ذلك الحين ،والذي ما فتىء يعرب عن موالاته للولايات المتحدة.

روسيا صارت على علم بهذه المساومة [11]، مستمتعة بهذا المخرج السعيد الذي يلبي حاجيات جارتها الصين [12].

المصالح الإيرانية - الصينية متكاملة بشكل مدهش. الأول منتج كبير للهيدروكاربون، في حين أن الثاني مستهلك كبير. التكنولوجيا البترولية و الغاز الصيني هو ابتدائي لكن الحقول في "يادارافان" سهلة الاستثمار. الدولتان هما منطقتين مؤثرتين و لهما علاقات تاريخية ضاربة في القدم عبر " طريق الحرير". كلاهما يستعد لنزاع مع الولايات المتحدة. الصين غائبة في المنطقة أيضا عدا تواجدها في السودان، [13] أين تملك هناك الامتياز في المجال البترولي.

بالنسبة لواشنطن، الضربة قوية. الصين و روسيا فرضتا الفيتو لكل مشروع تسوية في مجلس الأمن يستهدف فرض عقوبات على إيران. و حتى لو استطاعت الولايات المتحدة إقناع الأوروبيين بقطع علاقاتهم التجارية مع إيران، فالإجراء سيكون لا قيمة له لأن تلك العلاقات ستعاد مع الصين. بالمقابل، هذه المعطيات الجديدة تزيد من التطمينات للإيرانيين في المنطقة، سواء في العراق، لبنان أو في فلسطين المحتلة. و يتوجب من الآن فصاعدا الاعتداد بالصينيين في كل تدافعات الشرق الوسط.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: ياسمينة صالح جميع الحقوق محفوظة 2005©

[3الولايات الأمريكية أبدت استعدادها لخطة من ثلاثة قرارات ضد إيران" وكالة الأنباء الفرنسية،17 نوفمبر2004.

[4خامنئي: السلاح النووي ضد التعاليم الإسلامية: وكالة الأنباء الفرنسية، 5 نوفمبر 2004.

[5أسبوعية " U.S.news " خصصت ملفا خاصا عن الجرائم الإيرانية" The Iran Connection"

[6المجاهدون الضائعون ، فولتير بقلم بول لاباريك 17 فبراير 2004.

[7" خان زود إيران باليورانيوم المنضب سنة 2001، حسب المعارضة". وكالة الأنباء الفرنسية، 17 نوفمبر2004.

[8" الباكستان تكذب أنها سلمت اليورانيوم إلى إيران" وكالة الأنباء الفرنسية، 17 نوفمبر2004.

[9" تستطيع إيران إنتاج صواريخ شهاب3، يقول أحد الوزراء" وكالة الأنباء الفرنسية، 9 نوفمبر2004.

[10جريدة الشرق الأوسط اللندنية التي كشفت عن مصدر تلك الطائرات العسكرية الصغيرة بلا قائد

[11الوزير الروسي للشؤون الخارجية، سيرجي لافروف، كان في طهران بتاريخ 10 و 11 أكتوبر 2004.