لا أدري لماذا نحن مصرون على انتاج ثقافة مأزقية ، على الرغم من اتضاح وافتضاح هشاشتها وخطورتها ، ولا ادري لماذا نحن مصرون على انتاج ثقافة مبنية عكسا مع فشل ثقافة مأزقية أخرى ، وكأن فشل ثقافة هو برهان نجاح عكسها . فمنذ عام 1967 والكل مؤمن ان ضياع الحلم كان بسبب البنية الثقافية ( والسياسة جزء منها ) التي دهمت خصوصيتنا الفريدة ولا بد من اتجاه معاكس يزيل اثار عدوان المنجز الثقافي المحدث ، اما عن طريق تكريس الزعامة بصورة فوق ناصرية او استيراد زعامات من الماضي السحيق كي لا يصيبها خلل الزعامة ، وكأن الخلل الموضوعي هو في الزعامة وليس في المقترح الثقافي الذي تساءل عن اسباب النكسة وطرح بديلا اوصلنا الى مأزق يطل على مأزق قادم ، حيث تم تكريس صيغة ان العطب ليس في الثقافة بل بالحلم ، الحلم الذي طرحته مستلزمات الحداثة الكونية واستحقاقاتها من تقدم وتنمية وتحرير ، حيث ارسلتنا هزيمة 67 الى وهم الانتصار لانها لم تستطع اسقاط الحكام ، لذلك علينا تبديل الشعب وهذا ماحصل عبر استبدال ثقافته من حالم بالمستقبل الى حالم بالماضي .

اليوم تبدو قراءة التراث قراءة نقدية كأضطرار جزافي ، في محاولة انقاذ ما يمكن انقاذه فالمأزق القادم واضح للعيان وهو على عكس كل المعارك الثقافية يبدو مجللا بالدم والعار معا ، فالثقافة كفعل بنائي توارى خلف صيحات الحرب من جهة وتحت رعب القمع من جهة أخرى ، ليبدو الانشغال بتأمين الذات هو مهمة ثقافية بحد ذاتها ، وليظهر عبر هذه السكونية ان البارحة احسن من اليوم وغدا ، وليصبح الحياد الثقافي ( السكوني )كحجر يربط الى عنق الثقافة المجتمعية الغريقة اصلا ، فثقافة مثل التي انتجتها 11 ايلول قد يحتملها جسد مثل جسد الولايات المتحدة ( وان كانت في جوهرها مدمرة له ) ولكن كيف تحتملها مجتمعاتنا التي يحاصرها اللانتاج .

ان ثقافة تحقيق الحلم او ثقافة التحدي لتحقيق استحقاقات الوجود هي ثقافة الانتاج التي تتجاوز دوما ذاتها ، وورموزها والذي لا يعني بحال من الاحوال ادانتهم او تأثيمهم ، ففعل التجاوز الثقافي هو الوحيد الذي لا يضعنا في مواجهة المآزق الجزافية لا مع الماضي ورموزه ولا مع الحاضر ورموزه مع ضرورة القطع معه بشجاعة العارف وليس باجترار احتماليات النجاح قياسا على وهم حقيقة تقودنا الى مأزق والى دفع ثمن بشكل مؤكد، والذي وبشكل مؤكد لا ضرورة له