كانت الغاية من إصدار قانون الإدارة المحلية في سورية، والذي يحمل مرسومه التشريعي رقم «15»الصادر بتاريخ 11-5-1971 والمعدل بالقانون رقم «12» تاريخ 20-6-1971 ولائحته التنفيذية الصادرة بالمرسوم \2297\ بتاريخ 28-9-1971 هو نقل السلطة والمسؤولية لأيدي الشعب حيث يمارس ابناءه مهام شؤونهم المحلية ضمن قانون يؤمن الرقابة الدائمة على حسن التنفيذ وسلامة الأداء.

و لا نأتي بجديد إذا قلنا أن قانون الإدارة المحلية بقي حبراً على ورق، وبالتالي أصبحت كل مجالس وهيئات ومكاتب الإدارة المحلية معطلة ولم ترتق لأي عمل مؤسساتي أو حتى تطبيق مبدأ الديمقراطية الشعبية الذي كان ينادى به آنذاك، فبقيت شؤون الإدارة المحلية تخضع لمركزية القرار أو مزاجية الأشخاص المتنفذين ولا تستند الى بنود ومواد قانون الإدارة المحلية التي بينت بوضوح اختصاصات ومهام وواجبات كل وحدة إدارية ومكاتبها التنفيذية، وباختصار ان الإدارة المحلية لم تخرج عن سياق باقي المؤسسات والمنظمات والنقابات وباقي أجهزة الدولة المصادرة منذ عام 1963 لصاحبها حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم منذ ذلك الوقت.

ولعل قضية انتخاب ممثلين عن الشعب الى الوحدات المحلية يعد الخطوة الأهم، حيث يبنى عليها عمل المكاتب والمجالس التنفيذية، لأن مجلس المحافظة يعتبر اعلى سلطة فيها وهو الذي يرسم سياسة المحافظة بما يؤدي الى تطويرها اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً..ولكن سياسة التعيين وإنزال الاعضاء بالمظلات " الباراشوت" التي انتهجها حزب البعث عبر فترة حكمه الطويلة، لم تسمح لذوي الكفاءات والأشخاص المناسبين بالوصول الى المكان المناسب، وبقي التعيين يتم وفقاً لتوليفة تلفيقية تنص على تعيين " النصف + واحد " في اي تشكيل للادارة المحلية من حزب البعث الحاكم دون الاستناد لأي مرجع قانوني او مادة في التعليمات والانظمة الداخلية للادارة المحلية، كما تنص الكوتا على ان يكون ثلث الأعضاء من المنتسبين الى ما يدعى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وهنا أتساءل عن المشاركة الجماعية لأبناء العاصمة دمشق و البالغ عددهم ربع سكان سورية إذا كان ثلث ممثليهم ينتمون لحفنة عشرات متناثرة يطلق عليها اسم أحزاب.وتبقى حصة 20% للمستقلين والذين غالبا ما يأتي توجيه من حزب البعث بأسمائهم كي تدرج اسماؤهم في قائمة الحزب والمسماة قائمة الجبهة، كما ان الانتخابات تجري وفقاً لقوائم معلبة يتم طبخها مسبقاً حتى ان رائحتها الكريهة تزكم الأنوف قبل صدور نتائجها المتطابقة 100% بشكل يصبح معه من المستحيل خرق هذه القائمة في ظل الضغط المادي والمعنوي على الناخبين الصوريين، مما أدى بالمواطنين الى مقاطعة تلك الانتخابات الديكورية لعدم ثقتهم بجديتها، ولعل نسبة الناخبين في الدورة الماضية عام 2003 والبالغة 3% توضح حجم المشاركة الشعبية من الجماهير في اختيار ممثليهم.

بعد انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم في سورية مؤخراً وتشكيل قيادة قطرية جديدة خالية من أسماء تسببت في ما وصلنا اليه تفاءل البعض "وانا لست منهم" بطريقة جديدة للتعاطي مع الشأن الداخلي والانفتاح على المواطنين والاحساس بمعاناتهم والشعور بأوجاعهم، وربما وصل تفاؤل البعض الى التبشير القريب بحل لجميع المشاكل العالقة والسابقة، ومن هنا يأتي استحقاق انتخاب المكاتب التنفيذية لمجالس المدن والمحافظات في القطر بعد يومين بتاريخ 20-6-2005 بأهمية بالغة لأنه أول عمل إجرائي ستقوم به القيادة القطرية الجديدة مع اعتراضنا المسبق على ذلك باعتبار ان تلك الأمور يجب ان تتم في مرجعياتها الدستورية والمؤسساتية.

تقول التعليمات التنفيذية لقانون الإدارة المحلية «يرأس المكتب التنفيذي رئيس المجلس المحلي ويتم انتخاب ثلثي أعضائه مما يختارهم المجلس أما الثلث الباقي فيعينون بمرسوم بناء على اقتراح الوزير المختص (وزير الدارة المحلية)» لكن ما جرى ان بعض أعضاء القيادة القطرية كان له رأي آخر تم فرضه على الأعضاء الباقين وهو الإبقاء على المكاتب القديمة «وبلا انتخابات بلا وجع راس» . وبدأ العمل بهذ الرأي في ظل غياب تام لوزير الإدارة المحلية السيد هلال الاطرش الذي يكتفي بنقل الكتب والمراسلات بين المحافظات والقيادة القطرية.

البداية كانت من تحديد جلسة استثنائية انتخابية لاجتماع المكاتب التنفيذية في المحافظات بتاريخ الإثنين 20-6-2005 رغم ان الجلسة العادية كان من المقرر ان تعقد في شهر تموز، وكان الأفضل ان تجري الانتخابات في تموز حتى تضطلع القيادة القطرية الجديدة على مهامها ومسؤولياتها وتدخل في الجو بعد التبريكات واستقبال المطلبين والمزمرين وما أكثرهم، إضافة لان محافظة حلب ومحافظة ادلب لا زالتا دون محافظين باعتبار ان محافظ حلب ومحافظ ادلب أصبحا أعضاء في القيادة القطرية الجديدة، ومن غير المعقول إجراء انتخابات في محافظة دون وجود محافظ باعتباره رئيساً لمجلس المحافظة ورئيسا للمكتب التنفيذي للمحافظة حسب نصوص القانون.

كما تم الاتفاق بين القيادة القطرية وفروع حزب البعث في المحافظات على عدم إجراء استئناس في الحزب ذاته من أجل اختيار مرشحيهم على الأقل، وهذا ما كان يجري أيام القيادة السابقة وهو على ضيق فسحة الديمقراطية فيه إلا انه يحد نوعا ما من صعود الفاسدين، ولكن القيادة الحالية ارتأت إبقاء الوضع على ما هو عليه وإبقاء كل عضو في منصبه دون تقييم عملهم ولو بالحد الأدنى،وتم إعطاء الإيعاز الى فروع الحزب بالمحافظات من اجل إقرار هذه التعليمات حتى ان محافظ حلب المنتهية ولايته السيد اسامة حامد عدي وهو عضو قيادة قطرية جديد قد بارك الخميس 16-6-2005 لبعض أعضاء المكاتب التنفيذية القديمين الجديدين وطمأنهم انهم باقون في مكاتبهم، وأنا بدوري أبارك للمحافظ السابق والعضو القيادي الحالي بقاء أعضاء حلب القديمين في مكتب المحافظة التنفيذي وأعده انهم سيبقون عينه الساهرة في حلب وسيحاولون ما أمكنهم ان يجعلوك تحكم حلب من مكتبك في دمشق، كما انهم سيحبطون أية محاولة لدخول أي شخص يحاول فتح ملفات قديمة أو نكش أية قصة تمت لفلفتها.ولاسيما وان بعض أعضاء بلدية حلب كانوا قد انتقدوا أداء المحافظ بوجود السيد الرئيس أثناء إحدى زياراته لحلب شارحين تدخلاته في عملهم وإدارته للمدينة بعقلية بوليسية «في إشارة لكونه ضابط شرطة كان يشغل قائد شرطة مدينة حلب سابقاً».

أما في محافظة اللاذقية فقد نشب خلاف حول تعيين أعضاء المكاتب التنفيذية بين محافظ اللاذقية و بين فرع حزب البعث هناك وكانت نتيجة الخلاف بعد ان وصل الى المعنيين في دمشق إرسال برقية من وزارة الادارة المحلية تنص على تأجيل الانتخابات الى أجل غير مسمى كقرار مبدئي واستدعاء أعضاء قيادة فرع البعث في اللاذقية مع محافظها الى دمشق والذين توجهوا اليها في السابعة من صباح الخميس 16-6-2005.

أما في محافظة ادلب فهناك شبه تخبط في ظل بقاء المحافظة دون محافظ، ولا احد يتكهن بالطريق التي ستجري فيه الأمور هناك..

طبعا تلك الخطوة أثارت حفيظة أعضاء الهيئات في مجالس المدينة والمحافظة في كل انحاء القطر لانها قضت على اي امل في التغيير وخاصة وان وزير الادارة المحلية كان قد صرح لصحيفة خليجية ان انتخابات العام 2007 ستكون مفتوحة اي دون قوائم بعثية وجبهوية وأشار لان الانتخابات القادمة ستكون متحررة من القائمة «أ» و «ب» وهي التي تنص على وجود أعضاء المكاتب والمجالس بنسبة 60% من الفلاحين والعمال والحرفيين وصغار الكسبة، ومن المعروف ان كل المسؤولين والمتنفذين كانوا يعينون عن طريق انهم صغار الكسبة، كما ان تعديل قانون الادارة المحلية الصادر منذ أكثر من ربع قرن أصبح جاهزاً وهو في طريقه لمجلس الشعب من أجل المصادقة عليه.

ويبقى السؤال الاساسي عن التخوف من الانتخابات رغم ان أغلبية من يحق لهم الانتخاب في الهيئات العامة هم من البعثيين الواصلين الى تلك الهيئة عبر طريقة النصف + واحد! وهذا يدلل على ان القضية هي قضية خلق مريدين للقيادة الجديدة وتأسيس «بودي غارديه» لهم تنتشر في المحافظات السورية.

ان اي تعريف لعلم الادارة لا يخرج عن كونه العلم الذي يهدف الى تنظيم وادارة والاستفادة من الطاقات البشرية والمادية، ولهذا تصبح الوحدات الادارية اللبنة الاساسية على طريق الاصلاح الاداري المنشود وخاصة وان مهمة الادارة في الالفية الثالثة تخطت مسألة الخدمات التقليدية لتمتد الى الانشطة والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية والسياسية، وهذا لا يتم بالسير خلف النظم القديمة والبالية التي اعتدنا عليها بل من خلال القيادة الادارية السليمة والتخطيط والتنظيم الاداري السليم وهذا بدوره لا ينجز الا بالمشاركة الجماعية في القرار و بتولي الرجل المناسب المنصب المناسب عبر آلية ديمقراطية واضحة وعبر تعديل القوانين والنظم المتعلقة بشؤون الادارة كتفويض مجلس المحافظة وعبر مكتبه التنفيذي لصلاحيات السلطة المركزية طالما ان هذه الصلاحيات تمارس ضمن السياسة العامة للدولة وتنفيذا لخططها وموازناتها العامة.

اتمنى من القيادة القطرية الجديدة ان تكون على مستوى آمال وطموح المواطنيين السوريين فيكفينا خيبات أمل.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)