علمت “إيلاف” من مصدر دبلوماسي غربي أن الرسالة التي حملها أحمد قذاف الدم من ابن عمه العقيد الليبي معمر القذافي إلى الرئيس السوري بشار الأسد تأتي في إطار مساعٍ تقوم بها طرابلس الغرب، بهدف فتح قناة اتصال بين دمشق وواشنطن، لتطويق الأزمة بين العاصمتين، على غرار “الحل الليبي” الذي سبق أن اتبعته حين اعترفت بمساعيها لامتلاك قدرات نووية، وأعلنت تخليها عن هذا البرنامج، وهو ما استبعد ليبيا من دائرة الاستهداف الأميركي على الأقل في المدى المنظور، فضلًا عن أن دمشق باتت في وضع لا تحسد عليه بعد أن نجحت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في حشد دعم مجموعة الثماني ضد سورية، حيث صعدت واشنطن حملتها لعزل دمشق على الساحة الدولية، على خلفية اتهامات أميركية لها بإثارة الاضطرابات في لبنان، وعدم بذل الجهد اللازم لوقف تسلل المسلحين عبر حدودها إلى العراق، فضلاً عن استضافة منظمات فلسطينية راديكالية على أراضيها، وإصرارها على دعم “حزب الله”.

ومن هنا أشار الدبلوماسي الغربي إلى أن هناك مقترحات يحملها قذاف الدم، بأن تقدم سورية على خطوة مماثلة لتلك التي بادرت إليها ليبيا من خلال ضمانات تسعى طرابلس وربما أطراف عربية وأوروبية أخرى، للحصول عليها من واشنطن، قبل أن تعلن دمشق تخليها عن أسلحتها “المزعومة” خاصة وأن لسورية رؤية مفادها أن وضعها يختلف كثيراً عنه في ليبيا، باعتبار أن سورية من دول المواجهة مع إسرائيل التي تحتفظ بترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، فضلاً عن أن هناك أراض سورية مازالت تحتلها إسرائيل حتى الآن، مما يزيد المشهد السياسي تعقيداً، ويهدد بخلل فادح في موازين القوى في الشرق الأوسط.

ومضى المصدر الغربي ذاته قائلاً إن “نفاد صبر” الإدارة الأميركية إزاء سورية في حال فشل هذه الوساطة الليبية قد يدفعها لاتخاذ سلسلة خطوات لتصعيد تدريجي يستهدف تغيير النظام السوري بوسيلة أخرى، فبدلا من سيناريو صدام حسين بدأ بالإعداد في أروقة مجلس الأمن القومي لسيناريو ميلوسيفيتش أي العمل على إسقاط النظام السوري من الداخل والخارج معاً، عبر بناء حركة شعبية للمعارضة ترفع شعار الديمقراطية والإصلاحات والتعددية السياسية.

خيارا صدّام والقذافي
وتأتي هذه التطورات بينما تواجه دمشق ضغوطاً متزايدة بسبب الأحداث المتلاحقة سواء في الساحة اللبنانية أو حتى العراقية تضعها أمام خيارات صعبة إزاء التحديات الإقليمية والدولية التي باتت تواجهها، وإثر فشل عدة وساطات سابقة قامت بها القاهرة والرياض والدوحة لأسباب مختلفة، فلم يعد حالياً أمام دمشق المزيد من الخيارات لمواجهة احتمال تنامي هذه التحديات، سوى التحرك الدبلوماسي عبر وسطاء لهم تجربة مماثلة، كما حدث مع ليبيا.

وحسب الدبلوماسي الغربي فإن «الأمر ببساطة يمكن التعبير عنه بأن سورية أصبحت امام خيارين لا ثالث لهما، الأول هو خيار صدام والثاني خيار القذافي»، لكنه استدرك قائلاً «إنه بالطبع لكل دولة سياستها وظروفها وتوجهاتها في كل قضية»، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن دمشق ينبغي عليها أن تتخذ موقف حاسما لكي تتضح الرؤية بشأن مسائل مهمة مازالت قيد البحث، على حد تعبير الدبلوماسي الرفيع الذي تحدث لـ“إيلاف” في هذا الصدد.

وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أن القاهرة والرياض تتخذان مواقف مؤيدة لدمشق، خاصة في المطالبة بأن تكون إسرائيل ضمن عملية موسعة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من مختلف أسلحة الدمار الشامل، واستئناف المفاوضات بين سورية وإسرائيل من النقطة التي توقفت عندها إبان حكم الرئيس الراحل الأسد الأب، غير أن حالة من "البرود الصامت" ضربت علاقات الرياض ودمشق إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، أما القاهرة فقد اعتراها الإحباط إزاء توجس دمشق حيال نصائحها، وإصرارها على تجاوزها وسلوك سبل أخرى، في وقت ترى فيه مصر أنها تبذل جهوداً مكثفة لمساعدة سورية، كان آخرها اقتراح القاهرة بأن توفد دمشق مبعوثاً رفيعاً إلى بغداد لتطمين الحكومة العراقية، وإبداء حسن النوايا بشأن التعاون الأمني وضبط الحدود بين البلدين.

كما سبق أيضاً أن أوفد الرئيس المصري حسني مبارك، رئيس جهاز المخابرات العامة الوزير عمر ‏سليمان كمبعوث خاص إلى الرئيس السوري، وذلك إثر محادثات هاتفية معه لتسليمه رسالة ‏تطالبه «بعمل شئ ما، لأن الموقف اصبح صعبا ولن تستطيع سورية الوقوف أمام ضغوط ‏‏المجتمع الدولي المتزايدة»، حسب تصريحات مبارك الأخيرة في هذا المضمار.

وسبق أن رضخت سورية مراراً للضغوط الدولية، وكان آخرها حين سحبت قواتها من لبنان في نيسان “أبريل” الماضي، بعد أن اجتاحت مظاهرات مناوئة لدمشق البلاد عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط (فبراير) الماضي، بينما أصدرت الأمم المتحدة قرارا رعته الولايات المتحدة يطالب سورية بسحب كافة قواتها ورجال مخابراتها من لبنان، وتقول الأمم المتحدة إنها لا تستطيع أن تثبت بعد أن ضباط المخابرات غادروا البلاد كذلك، بينما نفت سورية بشدة مراراً أن لها عناصر أمنية في لبنان.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)