أقفلت الجمهورية الاسلامية في ايران الهلالين اللذين شكلتهما الولايتان الرئاسيتان لمحمد خاتمي. وعادت البلاد لتتصالح مع دستورها وشعاراتها باختيار محمود احمدي نجاد رئيساً، وليوضع حد لذلك الصراع غير المتكافئ بين الاصلاحيين والمحافظين،

داخل الدوائر العليا للدولة. لقد باتت كل مؤسسات الدولة تخضع للصوت الواحد المحافظ الرافض للانفتاح، خصوصاً في مجال الحريات الشخصية والسياسية، في ظل مرشد الجمهورية علي خامنئي.

وقبل ايام، اختتم حزب البعث الحاكم في سورية مؤتمره العاشر، منهياً ايضاً نزاعاً بين حرس قديم وحرس جديد، باختيار قيادة تضم رجال الرئيس بشار الاسد. وبذلك من المفترض ان تكون تطابقت القيادة الحزبية مع قيادة البلاد، بما يقلل من احتمالات الاصوات الرسمية المتعددة او المتعارضة. ومن جهة اخرى، وضع المؤتمر الحدود التي يمكن ان تصل اليها عمليات الانفتاح الداخلي، والتي جرى تركيزها على المسألة الاقتصادية على حساب الاصلاح السياسي الواسع والمباشر.

عندما انهت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس جولتها على المنطقة مطلع هذا الاسبوع، ابدت ارتياحها الى ان الشرق الاوسط «بدأ ينفتح على الاصلاحات الديموقراطية»، معتبرة ان هذا التقدم «يرجع في جزء منه الى السياسة الاميركية». كانت الوزيرة الاميركية تشير الى الاشكال الانتخابية في افغانستان والعراق والاراضي الفلسطينية، ولبنان ايضاً، هذه البلدان التي شهدت انتخابات، إما بتدخل عسكري اميركي مباشر وإما بضغوط اميركية سياسية واقتصادية استثنائية. والاهم من ذلك، ادى التدخل الى دفع الامور في الوجهة التي ترغب فيها واشنطن.

بالتأكيد لم تكن الوزيرة الاميركية تقصد ايران وسورية اللتين تعتبرهما في تعارض مع التقدم الذي تريده. لا بل تضع الدولتين في محور الشر. وسيزداد التقويم الاميركي تشدداً مع وصول احمدي نجاد الى الرئاسة في طهران، واتساع دائرة الاتهام لدمشق في لبنان والعراق. ويصبح البلدان، من وجهة نظر واشنطن، سداً في وجه الاصلاح.

لكن رايس اعلنت نهاية مبدأ الاولوية للاستقرار في نظم الحكم في المنطقة، معطية الاولية هذه المرة لتقدم الاصلاحات الديموقراطية، بما يضع واشنطن في مواجهة مباشرة وفظة مع الحكم في كل من دمشق وطهران.

وبغض النظر عن اللغتين السياسيتين الايرانية والسورية، في مواجهة المعطى الاميركي الجديد، تستند العلاقة بين الجانبين الى تاريخ طويل من التحالف والتنسيق، بما قد يشجعهما على اعادة الاعتبار لمحورهما السابق في مواجهة استهدافهما، خصوصاً ان الميل الايراني السابق لتفادي الصدام المباشر مع الولايات المتحدة ستخف حدته لمصلحة سياسة معادية للغرب عموماً واميركا خصوصاً. كما ان كل محاولات الانفتاح السوري على اميركا ما تزال تصطدم برفض الادارة الجمهورية المحافظة. وما دامت الولايات المتحدة تتمسك بمبدأ التدخل لاحداث تغيير في ايران وسورية، عبر الضغوط وتشجيع المعارضات، سيكون البلدان في وضع الجبهة الواحدة، خصوصاً في الاماكن التي تسهل فيها المواجهة، في العراق ولبنان حيث للبلدين اكثر من ورقة يمكن لهما استخدامها.

وفي هذا المعنى، قد يؤدي الجهد الاميركي لضبط الادوار الاقليمية والضغط لاصلاح داخلي، الى غير النتيجة المتوخاة منه. لا بل قد يشجع على نشوء محاور تدعمها ليس النظم المتضررة منه فحسب، وانما ايضاً احزاب وهيئات شعبية عارضت التدخل الاميركي في افغانستان والعراق، وتعارض هذا التدخل في الشؤون الداخلية لبلدانها. ليطابق موقفها منه ذلك الذي تعبر عنه طهران ودمشق.

ومع ازدياد حجم الخسائر البشرية الاميركية والمراوحة السياسية في العراق، ستتسع حركة المعارضة داخل الولايات المتحدة للحملة العسكرية وطلبات المحاسبة في شأن مبرراتها ونتائجها. وستكون الادارة المحافظة التي تقاتل في الكونغرس منذ شهور لتعيين احد اقطابها سفيراً لدى الامم المتحدة، في وضع يصعب عليها فيه انتزاع قرار داخلي لاستخدام القوة العسكرية سواء ضد سورية او ايران. لا بل يبدو انها تتجه الى تقليص القوات في العراق بعدما فقدت القدرة على التجنيد الداخلي. بما يعطي دفعاً، في العراق، للحلول العنفية واتساع التفكك.

وفي لبنان، يختلط الانتصار الانتخابي للمعارضة والذي تضعه الولايات المتحدة في اطار تقدم الديموقراطية بالتركيبة الطائفية المعقدة، بما يقلل كثيراً من اهمية هذا الانتصار ومفاعيله. وفي سياق المواجهة مع اميركا والسياسة الاسرائيلية المتعنة في قضيتي الارض والسلام، سيكون في مقدور سورية وايران ايضاً ايجاد اساس لتفاهم ولتحالفات حول المقاومة اللبنانية لا تنسجم مع المفاهيم الاميركية لمستقبل هذا البلد. مع ما قد يستتبعه ذلك من اضطراب وتوتر وعنف

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)