تريثنا قليلا في الحكم على النتائج التي توصل اليها المؤتمر القطري لحزب البعث في سورية حتى نطل عن قرب على ماهية المناقشات والحوارات التي دارت في المؤتمر التنظيمية والسياسية والاقتصادية بشكل خاص والتوصيات والقرارات التي افرزتها هذه المناقشات،

رغم اننا ندرك، مثلما يدرك غيرنا، بأن الهدف الاساسي من عقد مؤتمرات الاحزاب خاصة تلك التي تتولى المسؤولية في قيادة الدولة والمجتمع هو البحث عن عناصر الاصلاح والتطور في المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر تصفية السلبيات والصعوبات التي واجهت الحزب في مسيرته وحل التناقضات وتعزيز الايجابيات وتطويرها، وصولا الى استقرار النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي على اسس ثابتة، هذا الاستقرار الذي يشكل محور اهتمام ومسؤولية ومشاركة الشعب بكل فئاته وقواه ومؤسساته الوطنية.

وقد جاء انعقاد المؤتمر في ظل ظروف بالغة الخطورة والتعقيد على المستويين العربي والدولي حيث تواجه سورية الكثير من التحديات والضغوطات الخارجية مثلما جاء في وقت احوج ما تكون فيه سورية الى الانتقال الى مرحلة تكون اكثر تماسكا في جبهتها الداخلية وفتح المجال امام مشاركة شعبية اوسع واكثر فاعلية، مرحلة اكثر تطورا وتقدما تلبي حاجات المواطنين وتواكب متطلبات العصر العلمية والتكنولوجية وتكون اكثر قدرة على مواجهة التحديات المتمثلة بالهجمة الامريكية الصهيونية ومن يدور في فلكهما من الدول الاوروبية. لانها تتصدى للمشروع الامريكي الصهيوني الذي يستهدف المنطقة بأسرها.

نعود للمؤتمر، الذي انعقد تحت شعار رؤية متجددة، وفكر يتسع للجميع، مما يعني توجه المؤتمر نحو التطور وافساح المجال لكل فئات الشعب بالمشاركة في صنع مستقبل سورية، حيث ناقش المؤتمرون مجمل القضايا الوطنية والعربية والدولية ودور سورية وموقعها في هذه القضايا وتمت المناقشة بمسؤولية وجرأة ووضوح حول ما تم انجازه في القطر العربي السوري عبر السنوات، للبناء عليه وتطويره، وما واجه القطر من صعوبات واخطاء ووجوب العمل على تلافيها والتخلص منها، واكدت الحوارات والنقاشات على الروح الايجابية والرغبة الحقيقية للاصلاح والتطوير في كافة المجالات وعلى التخلص من الفساد ومظاهره وادواته، وعلى وضع الاسس والاساليب الكفيلة باحترام حقوق المواطن وممارسته لحريته المسؤولة مما يجعل من الديمقراطية نهجا وطريقا حيث يسهم كل مواطن في صياغة القوانين والتشريعات التي تتعلق بحياته عبر انتخابه من يمثله تمثيلا حقيقيا في المجلس التشريعي ومن اجل هذا فقد اكد المؤتمر على اعادة النظر في قانون الانتخابات النيابية والادارة المحلية، مثلما اكد على التعددية السياسية عبر تقوية الجبهة الوطنية التقدمية والعمل على اصدار قانون جديد للاحزاب السياسية مما يفسح المجال امام المواطنين لتشكيل احزاب سياسية تشارك في دفع عجلة التقدم والتطوير والتحديث والاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما يوفر عوامل النهوض بالمجتمع على قاعدة حاجاته وحقوقه والقيام بالواجبات الملقاة على كل فرد فيه المستندة الى القوانين الناظمة لحياته الى جانب التأكيد على التسهيلات اللازمة لممارسة هذه الواجبات. وهذا ما اكد عليه المؤتمر في توصياته المتعلقة بمراجعة الدستور وتعديله بما يتلائم مع المرحلة اضافة الى مراجعة قانون الطوارئ وحصره فقط بالجرائم التي تتعلق بأمن الوطن والشعب، كما اولى المؤتمر عناية خاصة للإعلام وتطويره ليصبح اعلاما متطورا يواكب التطورات العالمية الهائلة في هذا المجال، وكان من اهم ما صدر عن المؤتمر من توصيات تلك التوصية المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الحزب والسلطة التنفيذية بحيث يتم فك التشابك بين المهمات والتدخلات بين قيادة الحزب والسلطة، ويبقى دور الحزب فقط محصورا برسم السياسات والتوجهات التي تحال للسلطة التنفيذية للعمل بها باشراف ورقابة ومحاسبة من قيادة الحزب وهذا يجعل الكفاءات من غير الحزبيين تأخذ دورها في ممارسة السلطة وقد جاء تنفيذ هذه التوصية سريعا حيث تم تعيين الخبير الاقتصادي، غير الحزبي، السيد عبد الله الدردري نائبا رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ورئيسا للجنة اقتصادية وزارية. لان الاصلاح والتنمية في المجال الاقتصادي مهمة وطنية تهم المواطنين كافة. وفي المجال الداخلي ايضا ركز المؤتمر على محاربة الفساد والفاسدين والانتهازيين سواء اكان ذلك داخل الحزب، حيث تسلل البعض من هؤلاء الى الحزب ومواقع في السلطة، أي اننا نستطيع القول وفق قراءة البيان الختامي وما عرفناه عن النقاشات والحوارات البناءة، ان القطر العربي السوري يدخل مرحلة جديدة على الصعيد الداخلي تتسم بالاتجاه نحو الاصلاح الحقيقي المدروس دون إبطاء او تسرع، وان أولئك الذين يطلقون على انفسهم المعارضة ويشككون بالنتائج مستندين الى رؤية النتائج بشكل عاجل وسريع انما يريدون الفشل للحزب وقيادته ومقررات المؤتمر لأغراض ذاتية او انتهازية. اما المعارضة الصادقة، والضرورية لدفع المسيرة بالاتجاه السليم فهي المعارضة التي تنطلق من الحرص على الوطن وتدفع الاصلاح وتقوية المسيرة والوطن بخطوات محسوبة موزونة مدروسة تنبع من حاجات المجتمع وواقعه وامكاناته وتعتبر ان قوة الوطن تستند الى قوة التماسك الوطني والجبهة الداخلية.

اما على الصعيد السياسي، فقد ناقش المؤتمرون التطورات والاحداث التي تحيط بسورية والمنطقة والتطورات الدولية وانعكاساتها على سورية وعلى المنطقة العربية، بوعي وفهم عميقين لمجريات هذه الاحداث، دوافعها واسبابها وتداعياتها، واتخذوا القرارات والتوصيات لمواجهة التحديات الكبيرة التي تستهدف سورية والعرب وخاصة المشروعات والمخططات الامريكية ذ الصهيونية ويأتي في مقدمتها مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يستهدف الامة العربية وهويتها وبعد تحليل عميق توصل المؤتمرون الى تمسك الحزب والدولة في سورية بالثوابت الوطنية والقومية وممارسة سياسة مرنة لا تؤثر على هذه الثوابت ولا تنال منها، وافرد بندا خاصا للعلاقة مع لبنان في ظل مجريات الاحداث وتداعياتها خاصة بعد تدخل القوى الاستعمارية واستصدار القرارات التي تستهدف هذه العلاقة. واكد المؤتمر على الارتقاء بالعلاقة بين القطرين بما يخدم مصالحهما المشتركة مثلما تعرض المؤتمر الى ما يجري في العراق مؤكدا على تصويب العلاقة مع شعب العراق والحفاظ على وحدته الوطنية ووحدة ترابه، وان من حق شعب العراق مقاومة الاحتلال، مثلما ان هذا الحق هو لكل شعب يطاله الاحتلال، وعليه فقد اكد المؤتمرون على التمييز بين المقاومة المشروعة والارهاب وعليه فإن مقاومة الشعب العربي الفلسطيني للاحتلال الصهيوني مقاومة مشروعة تستوجب الدعم، وكذلك المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية.

مثلما اكد المؤتمر على تعزيز العلاقات بين سورية واقطار الوطن العربي وعلاقات سورية بالدول الاسلامية ويأتي في مقدمتها ايران وتركيا، وعلى العلاقات السورية مع دول العالم التي تتفهم مواقف سورية وحقها بالدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمة التي تشنها عليها الادارة الامريكية وشريكها الصهيوني، ونقول اننا نطمئن المخلصين الحريصين على امتهم بأن سورية قوية وقادرة على مواجهة التحديات ولن تنال من صمودها التهديدات والاتهامات والضغوطات مهما اشتدت.

ونؤكد بأن على المخلصين ان لا يقعوا ضحية الحاقدين المغرضين المشككين الذين ينفثون سمومهم عبر وسائل الاعلام الموجهة مكتوبة أكانت ام مقروءة ام مسموعة ام مرئية، والذين انطلقوا للتضليل والافتراء على الحقيقة قبل ان تصدر القرارات والتوصيات ووضعها موضع التنفيذ لقد سقطت رهانات هؤلاء الحاقدين وعلى رأسهم الادارة الامريكية التي اسقط في يدها لنجاح المؤتمر فرفعت من وتيرة اتهاماتها وضغوطاتها على سورية لانها ادركت ان القيادة السورية خرجت من المؤتمر قوية قادرة على الصمود وانها لم ترضخ بل فتحت الباب امام الحوار لحل المشكلات العالقة مع الادارة الامريكية لكن دون تفريط بالحقوق الوطنية والقومية وتمسك الحزب بمبادئه وافكاره واهدافه على الصعيدين الوطني والقومي وهذا يزعج الرئيس الامريكي جورج بوش الذي يستهدف حزب البعث العربي الاشتراكي حيث وصفه بأنه يمثل احد النماذج الفاشية في هذا العالم، لسبب بسيط ان الحزب يحمل أفكارا ومبادئ تتصادم مع المشروع الامريكي الصهيوني الاستعماري.

مصادر
الدستور (الأردن)