كريستين لاغارد
جامعة سان غالان بسويسرا يوم 20 ماي 2005.

أثار الإعلان عن التشكيلة الحكومية الفرنسية الجديدة يوم 2 جوان 2005، دهشة واستغراب الكثيرين، كون هذه الحكومة لا تعكس توافقا بين مكوناتها. ويبدو الوزير الأول دومينيك دو فيلبان، الشخصية الديغولية التي حظيت بسمعة عالمية جيدة أثناء خطابه الشهير ضد الحرب على العراق أمام مجلس الأمن الدولي، يبدو أكثر اصطداما بوزير داخليته نيكولا ساركوزي، المعروف بمساندته اللامشروطة للولايات المتحدة.

أما عن وزارة المالية، فقد صارت المحل الاستراتيجي للاختراق الأمريكي، والذي حول الوزارة إلى مرتع للحلف الأطلسي. حيث نجد وزير الاقتصاد، تييري بروتون، أحد أعضاء خلية التفكير "ثينك تانك" والمسماة معهد آسبن
 [1]Aspen، (خلية تفكير قوية ولبرالية)، كما يشغل منصب مدير فرعها الفرنسي. وقد ضم تييري بروتون ثلاثة من الوزراء إلى جانبه، من أجل إحداث توازنات داخلية داخل الأغلبية الرئاسية. الأول فرانسوا لووس، فرانسوا لوس، وزيراً مفوضاً بشؤون الصناعة، جون فرانسوا كوبي، وزيراً مفوضاً بشؤون الميزانية وإصلاح الدولة ، وهو "شاب متألق" متدرب على طرق الاتصالات الأمريكية لدى الهيئة الفرنسية الأمريكية التي يرأسها جون نغروبونتي [2]، الرئيس الحالي لمجموع الوكالات الاستخبارية الأمريكية، أما الأخير فهي كريستين لاغارد، وقد أحيل لها ملف التجارة الخارجية.

السيدة لاغارد غير معروفة بالوسط السياسي الفرنسي. محامية متألقة، ومتخصصة بالقانون الاجتماعي، التحقت عام 1981، بديوان (بيكر – ماكينزي) بمقاطعة شيكاغو، حيث واصلت مشوارها بالولايات المتحدة. وكما واصلت حياتها كامرأة عادية، كما تذكر بعض الأوساط الصحفية المقربة منها، كانت أيضا وراء تأسيس وترقية الديوان العالمي الأول لقانون الصفقات (يقدر عدد زبائنه ب4.400 زبون في 35 دولة)، إلى أن ترقت إلى منصب عضو بالمكتب التنفيذي لهذا الديوان، ثم لتنتهي مستقلة بمنصب رئيسة مكتبه الاستراتيجي عام 2004.

وعلاوة على هذا، فقد التحقت في أبريل 2005، بمجلس المراقبة لدى الشركة متعددة الجنسيات الايرلندية (ING Groep)، إحدى الشركات المالية الكبرى بالعالم. وتظهر كريستين لاغارد في المرتبة الخامسة على قائمة نساء الأعمال الأوروبيات، والتي حررتها مجلة ( Wall Street Journal )، كما تظهر في المرتبة السادسة والسبعون على سلم النساء القويات بالعالم، والذي نشرته صحيفة (فورب).

وأمام إعجاب كبير أمام المشوار الفريد لهذه المرأة، غفلت الصحافة عن كل تحقيق حول شخصية الوزيرة الجديدة.

ورغم أن ما سيأتي، لا يظهر على صفحات سيرتها الذاتية ، فان السيدة لاغارد ناضلت في صفوف أعضاء مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية [3]. وبين مكاتب خلية التفكير هذه، ترأست أيضا مكتب العمليات الأمريكو – بولوني، مع السيد زبينيو بريزينسكي. [4] كما تابعت تحديدا سير عمل مجموعة الصناعات والدفاع الأمريكية البولونية (1995-2002)، إلى جانب المسائل المرتبطة بتحرير التبادل التجاري البولوني. وطبعا قد دافعت في كل هذه الهيئات عن مصالح واشنطن، في مواجهة المصالح التجارية الفرنسية الخارجية، والتي عادت اليوم لتتربع على عرش الوزارة المعنية بها. [5] وكونها محامية بديوان (بيكر – ماكينزي)، فقد دفعت تحديدا بمصالح كل من شركة بوينغ، "لوككيد مارتان"(Lockheed-Martin )، ضد مصالح "ايربيس"(Airbus) و"داسولت"(Dassault).

كريستيان لاغارد، كونها إلى اليوم، عضو بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية(CSIS)، تعتبر أيضا عضوا بالمفتشية المكلفة بتوسيع الفضاء الأورو- أطلسي، إلى جانب صديقها بريزينسكي والعديد من الشخصيات، والتي من بينها المدير السابق لمنظمة التجارة العالمية، ريانتوري روجييرو، والسفير السابق المكلف برعاية الجهاز الديني بدول أوروبا الوسطى، السيد ستيوارت ايزينستا. وكان هذا المكتب قد تكفل بكل الاستثمارات الممكنة في كل من بولونيا، سلوفاكيا، ليتوانيا، رومانيا، جمهورية التشيك والمجر.

وبين كل هذه المكاتب المتعددة، لعب السيد بروس جاكسون دورا مهما. فهو يعتبر مؤسسا فاعلا للجنة الأمريكية من أجل توسعة حلف الشمال الأطلسي(US Committee for Expand NATO). وهو يمثل مصالح شركة طيران "لوككيد مارتان"، والتي كان يشغل بها منصب نائب المدير. وانه بفضل العلاقات المتداخلة بين المكاتب التي وترأسها كريستين لاغارد، تمكن السيد جاكسون من عقد صفقة بيع 48 طائرة من نوع اف 16، إلى بولونيا مقابل 3.5 مليار دولار. هذه الصفقة التي عرفت بصفقة القرن. وقد أثارت هذه الصفقة استغرابا حادا بأوروبا، حيث عرف من ورائها ان الحكومة البولونية قد مولت هذه الصفقة بأموال قادمة من الاتحاد الأوروبي، كانت مخصصة سلفا لتمويل القطاع الزراعي.

ويبدو أن هذه الصفقة كانت موزعة بالتناسب مع حاجيات بولونيا الحقيقية. وعلاوة على ذلكن فان المنطق كان يقتضي أن تتكفل العاصمة البولونية فارسوفيا، بطائرات ميراج طراز 2مك - 5 - 2000 التابعة لشركة "ديسولت"، أو تلك التي من طراز "جاس – 39 ساب"، وذلك بعد دخولها إلى الاتحاد الأوروبي.

غير أن هذه الصفقة لم تكن بمعزل عن التحاق بولونيا بحرب احتلال العراق، إلى جانب الولايات المتحدة، المملكة البريطانية المتحدة وأستراليا. كما يظهر على هذا المشهد، السيد جاكسون كأحد الممولين
لميزانية لجنة تحرير العراق. [6].( Committee for the Liberation of Iraq ).

ولم تنتهي مهمة هذه السوق بعد، فقد عمدت المفتشية الأورو أطلسية التي تترأسها كريستين لاغارد إلى دعم المؤسسات البولونية، وتحسين كفاءاتها وقدراتها من أجل أن تصبح فروعا للمؤسسات الأمريكية، التي بدورها حملت صفقا تجارية عدة إلى العراق وأفغانستان، والتي عززت أيضا من فعالية النظام الدفاعي البولوني.
 [7]

وعلى افتراض أن السيدة لاغارد قد تخلت عن وظائفها السابقة دون نية منها في الرجوع إليها، فإننا يمكن أن نتصور أنها لا تضع نفسها في موقع تدافع المصالح. إلى جانب أنه وبالنظر إلى المواقف السياسية التي دافعت عنها عندما كانت على رأس المجموعات التجارية السابقة، فانه من الصعب اليوم تصور السيدة لاغارد أن تكون في موقع يجعلها على النقيض من المواقف الفرنسية التي يدافع عنها دومينيك دو فيلبان لدى الأمم المتحدة.

ومهما يكن، فبعد يومين من تنصيبها، كانت تصريحات السيدة الوزيرة قد صدمت النقابات الفرنسية. فالسيدة الوزيرة قد عملت على إصلاح قانون العمل، لأن هذا الأخير حسبها " يشكل عائقا كبيرا أمام التوظيف، وأمام الكثير من قرارات المؤسسات". ومن أجل فهم جيد لوجهة نظرها، فانه لا يجب مقارنة تصريحاتها بتصريحات ما يعرف بفرنسا بحركة المؤسسات الفرنسية " ميديف"(MEDEF)، ولكن بالأداء الذي قادته إلى حد الآن. فهي أكثر حماسا من أجل تطبيق النموذج الأنجلو سكسوني للقانون الاجتماعي في كل من أوروبا الوسطى والشرقية. وهدفها من ذلك لاريب، دعم مصالح المؤسسات الأمريكية دون مصالح رجال أعمال أوروبا العجوز.

ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: هلالي توفيق جميع الحقوق محفوظة 2005©

[1"معهد آسبن يرعى صقور التجارة" فولتير 2 سبتمبر 2004.

[2"جون نغروبونتي، قريبا ببغداد" فولتير 20 أبريل 2004.

[4"سياسة بريزينسكي المعادية لروسيا" فولتير 22 أكتوبر 2004.

[5كانت المصالح الأوروبية ممثلة من طرف السيد فرديناند لاسينا، الوزير النمساوي السابق.

[6" حرب لوككيد مارتان المربحة" فولتير 7 فبراير 2003.

[7« Assist Polish companies to better self-market capabilities as a subcontractor or supplier for contracts won by prime contractors (particulary U.S.) in Iraq, Afghanistan, and as part of Poland’s defense modernization », Draft Work Plan. 25فبراير 2004.