الولايات المتحدة غاضبة مرة اخرى من سوريا بادعاء ان راديكاليين سوريين يعبرون الحدود للانضمام للمقاومة العراقية باعداد متزايدة‚ وقد اقدمت دمشق على وقف التعاون الاستخباري مع واشنطن‚ والحكومة السورية تظهر الآن للجميع نفوذها في الشرق الأوسط‚

تكشر الولايات المتحدة عن أنيابها علما بأن رئاسة الاسد تمثل افضل امل لسوريا في مجال الاصلاح على المدى البعيد‚ بعد ان تولى بشار الاسد مقاليد الحكم بعد وفاة والده في عام 2000 تأملت واشنطن بأن سوريا سوف تسير قدما على طريق للاصلاح السياسي والاقتصادي‚ كان الاسد ساعتها يبلغ من العمر 34 عاما وافتقر للخلفية العسكرية حيث درس بدل العلوم العسكرية طب العيون في بريطانيا‚ وبدا الاسد مثقفا وذكيا وصاحب عقلية اصلاحية وكان يرأس قبل ان يصبح رئيسا للدولة جمعية الكمبيوتر السورية‚ ومن احد انجازاته ان اشرف على ادخال الانترنت الى سوريا في عام 1999‚ كما انه أوجد اول شبكة في سوريا للهاتف الجوال‚

في البداية اظهرت ادارة بوش وجها سمحا في التعامل مع حكومة الاسد الجديدة‚ لكن مع بداية الحرب في العراق بدأ وزير الدفاع الاميركي رامسفيلد وجون بولتون يهددان سوريا بعواقب وخيمة اذا لم تعد عما تعتزم عليه من تطوير لبرامجها الكيماوية والبيولوجية المزعومة وأن عليها في نفس الوقت ان تدير ظهرها للموالين لصدام في العراق‚

ولكن لم يمض وقت طويل على هذا التوتر حتى ظهر كولن باول وزير الخارجية الاميركية الذي ابدى رغبة الادارة في العمل مع الاسد وقام فعلا بزيارة الى دمشق‚

استراتيجية الخطين اثمرت نتائج معقولة‚ فسوريا قدمت معلومات استخبارية جيدة وتعاونت مع واشنطن في «الحرب على الارهاب»‚ وأقدم الاسد على اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين السياسيين‚وساعدت حكومة الولايات المتحدة في مراقبة الحدود السورية مع العراق‚

وبقيت حدود سوريا مع اسرائيل هادئة وأبدى «حزب الله» المدعوم سوريا التزاما قويا وواضحا بعدم شن هجمات على الاسرائيليين‚

بعدها انهت سوريا وجودها العسكري الذي استمر لمدة ثلاثة عقود في لبنان‚ وجاء هذا التطور بعد عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري‚

وأقدم الاسد على اقالة كبار المسؤولين الامنيين المتشددين من اجل ذلك نجد انه يحاول الآن ترقيع الامور واحتواء الضرر مع الاعضاء المتنفذين من الحرس القديم الذين ما يزالون في السلطة‚

من الغريب ان اهم اصلاحين قام بهما وهما الخروج من لبنان وتطهير الاجهزة الامنية قد أغضبا البيت الابيض‚

هناك عدد من العوامل التي تحد من قدرات الاسد على التحرك‚ فهو مثل والده ينتمي للطائفة العلوية وهي فرع من الاسلام الشيعي مما يثير تذمر الغالبية السنية‚

ثانيا: يفتقر الاسد الى فطنة والده في اثارة اعجاب النخبة والمواطنين العاديين‚

ثالثا: ان الكثيرين من المسؤولين من الحرس القديم لا يثقون به بالكامل في حماية امتيازاتهم‚

لقد نجح الاسد في التخلص من بعضهم ولكن ليس من كلهم‚

نتيجة لذلك لجأ الاسد لاسترضاء اولئك الاكثر تشككا في نواياه في الدائرة الحاكمة‚ وعليه اقدم على تقليل تعاونه مع الاستخبارات الاميركية‚

مع ذلك استشاط الرئيس الاميركي جورج بوش غضبا واتجاه لتخويف الاسد اذا لم يبد تعاونا اكبر مع الولايات المتحدة‚ وفي الشهر الماضي جدد بوش العقوبات المفروضة على سوريا وخفض بدرجة كبيرة التعاون المصرفي المحدود اصلا بين البنوك الاميركية و«بنك سوريا الوطني»‚

ليس هناك شك في ضرورة ان ترد الولايات المتحدة بعنف على اية تحرك سوري لمساعدة المقاومة العراقية‚ لكن لا يوجد مثل هذا التحرك‚ فالمطلوب الآن هو العودة الى المفهوم الذي تم الاخذ به خلال فترة رئاسة بوش الاولى وهو تقديم بعض الجزر‚

هناك اسباب تدعونا للاعتقاد بأن الاصلاحات السياسية والاقتصادية في سوريا ستستمر بل وستتصاعد‚ ففي المؤتمر العاشر لحزب البعث قدم نائب الرئيس عبدالحليم خدام استقالته‚ فخلال وجوده كأحد كبار قادة حزب البعث خلال الثلاثين عاما الماضية كان خدام من اشد المدافعين عن وجود نظام الحزب الواحد وكان هو المشرف على ادارة الشأن اللبناني اليومي‚

وتعتبر استقالة خدام بادرة توحي بالامل‚ لقد سار الاسد بصورة محدودة في طريق الاصلاح السياسي والاقتصادي وهذا امر يرحب به اذا كان البديل هو قيام المتشددين على الاسد واقصاؤه عن السلطة‚

إذا حدث ذلك فان النتيجة بعيدة المدى ستكون سيئة جدا للعراق ولاسرائيل وستكون بالتأكيد شيئا سيئا للولايات المتحدة ايضا‚ فالبديل سيكون الاسلاميين‚

مصادر
الوطن (قطر)