الرئيس السوري بشار الأسد الذي خلف والده في الحكم في العاشر من شهر يونيو عام 2000م وفق أسلوب التوافق بين المؤسستين العسكرية والحزبية وقتها، وليس عن طريق الانتخاب أو أي طريقة دستورية متاحة في ذلك الوقت. ورث الأسد الابن تركة داخلية ثقيلة وأوضاعا إقليمية ودولية بالغة التعقيد وغير مسبوقة،

زادتها أحداث 11 سبتمبر وما نتج عنها من إسقاط نظام طالبان في أفغانستان واحتلال العراق توترا. وحده المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم الذي اختتم أعماله يوم الخميس التاسع من الشهر الجاري كان فرصة تاريخية للرئيس الأسد لإجراء تغييرات جذرية في هرم القيادة السياسية التي تحكم البلاد منذ السبعينيات، ليتمكن من تحقيق وعوده التي بشر بها السوريين بداية توليه السلطة قبل حوالي خمس سنوات والمتمثلة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والحياة اليومية للمواطنين، وتطبيق سياسة داخلية أكثر انفتاحا وحداثة، وتوسيع المشاركة الشعبية بقيادات جديدة ذات رؤية عصرية وكفاءة علمية رفيعة المستوى. وكما كان متوقعا، فقد خرج رموز الحرس القديم المحسوبون على الأسد الأب من القيادة القطرية لحزب البعث وحل مكانهم فريق محسوب على الأسد الابن، كما صدر عن المؤتمر عدد من التوصيات تضمنت إصدار قانون للأحزاب السياسية وإلغاء بعض المحاكم والقوانين الاستثنائية ووزارة الإعلام وإقرار قانون إعلام وتشكيل مجلس أعلى للإعلام، ومجلس شوري يضم مسئولين متقاعدين. وفي اعتقادنا أن هذه التوصيات لا تلبي طموح السوريين ولا ترقى إلى توقعات الرأي العام العالمي، ولكنها تبقى خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو الإصلاح الحقيقي، نأمل أن تتبعها خطوات أخرى مهمة لإكمال المسيرة. ومن أجل تخليص سوريا من مناخ العزلة والإحباط، بات على النظام الحاكم ضرورة إحداث تغييرات سياسية جذرية على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي.

فعلى المستوى الداخلي يجب العمل على خلق وحدة وطنية باستنهاض كل القوى الشعبية الحية، وافساح المجال لتعددية سياسية حقيقية تفضي لتداول سلمي للسلطة، والسير في اتجاه إحداث مزيد من التوجهات الإصلاحية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والقضاء على الفساد بكل أشكاله الذي لم يعد بإمكان أحد أن يقلل من شأنه وهذا يتطلب اتخاذ قرارات جريئة بإلغاء قانون الطوارئ والنظر بجدية في تعديل أو إلغاء المادة الثامنة من الدستور، التي تنص على أن «البعث يدير المجتمع والدولة«، أما على المستوى الإقليمي، فتأتي العلاقة مع لبنان على رأس الأولويات وأنه قد آن الأوان “بعد الانسحابين العسكري والأمني” أن تتخذ القيادة السورية قرارا سياسيا يتسم بالجرأة وبُعد النظر، وذلك بإعطاء العلاقة مع لبنان مضمونا يقوم على الندية وتوازن المصالح المشتركة، فلبنان “العمق الجغرافي الاستراتيجي لسوريا” المستقر سياسيا وأمنيا والقوي اقتصاديا والمترابط اجتماعيا ووطنيا هو خير سند لسوريا والعكس صحيح. وفي سياق المستوى الإقليمي كذلك على القيادة السورية أن تعمل بجد وإخلاص على ترميم وإصلاح العلاقات مع بعض الدول العربية التي شابها التوتر والفتور نتيجة أحداث لبنان الأخيرة وتردي الأوضاع في العراق. أما على المستوى الدولي، فالمطلوب من القيادة السورية إعادة الدفء والحميمية إلى العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي وخصوصا فرنسا وبريطانيا وألمانيا، حيث ان العلاقات مع هذه الدول خيم عليها كذلك التوتر والفتور بسبب أحداث لبنان والوضع في العراق.

إن تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي يخفف من الضغوط والابتزاز اللذين تمارسهما الولايات المتحدة على سوريا. إن الإخفاق في تبني رؤى جديدة للتفاعل والتعامل مع الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية سيفرض أعباء ثقيلة على النظام السوري، لذا نأمل ألا تضيع القيادة السياسية السورية الجديدة، هذه الفرصة التاريخية وان تقرأ المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية قراءة صحيحة، فالأجندة السياسية الأمريكية تجاه المنطقة مازالت مفتوحة على مصراعيها وتستهدف الجميع.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)