نشر الكاتب السوري ميشل كيلو توضيحا في صحيفة “النهار” اللبنانية، نفي فيه تصريحا جاء على لسان رافي مادايان، ابن زوجة الشهيد الرفيق جورج حاوي الامين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني. ونقلا عن كيلو نفسه، كان مادايان قد «قال في معرض تعليقه على التغييرات التي شهدتها الاجهزة الامنية السورية بعد نهاية المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث السوري ان اطاحة اللواء بهجت سليمان تعني غياب وجه اصلاحي من السلطة كان يحاور المثقفين السوريين من تيار ميشال كيلو».

ويكتب الأخير في توضيحه: «هذه المعلومة عارية عن الصحة بنسبة مئة في المئة»، لأن «اللواء سليمان - وغيره من الوية الامن - لم يحاور المثقفين من نشطاء لجان احياء المجتمع المدني في اي يوم من الايام». لكنّ كيلو يعترف بوقوع لقاء واحد على الأقل، في مكتب اللواء بهجت سليمان: «وان كان صحيحا انني ذهبت بصحبة زميلين سابقين من اللجان إلى مكتبه يوم 13 أيلول عام 2001، للاحتجاج على اعتقال زملائنا من نشطاء اللجان، وخاصة منهم الدكتورعارف دليلة والطبيب وليد البني، وبقية معتقلي ما صار يعرف بـ"ربيع دمشق"، وفي مقدمهم الرفيق رياض الترك».

أكثر من هذا، يوضح كيلو ان اجواء الحوار كانت صريحة وجارحة في الآن ذاته: «الحديث دار في اجواء من الصراحة الجارحة وغير المعهودة بالنسبة الى الامن، وانه انقسم الى قسمين: واحد يشرح ما تريده اللجان وما فعلته. وآخر يبين فداحة ما اقدمت السلطة عليه من اعتقال وخطورته على البلد». ثمّ، في مطلع فقرة لاحقة، يقول كيلو: «منذ ذلك اليوم والى اللحظة، لم التقِ باللواء سليمان، بناء على موعد ام بالمصادفة، ولم احاوره انا كما لم يحاوره اي واحد من زملاء واصدقاء اللجان سواء في مكتبه ام خارجه، بصورة مباشرة او غير مباشرة. ولست ابالغ أو اتباهى اذا قلت انني لن اعرفه لو رأيته في الطريق».

وأخيراً يختم بالقول: «اما مصدر معلومة الرفيق العزيز رافي فقد يكون النظام او احد اتباعه داخل سوريا او خارجها، ذلك ان هؤلاء دأبوا على نسج اكاذيب كثيرة حول علاقة تربط اللواء بالمثقفين، وبي شخصيا بصورة خاصة، حيث كتب احدهم في باريس يقول بالحرف الواحد: ولا شك في أنك سترى رياض الترك أو ميشال كيلو خارجا من مكتب بهجت سليمان، ان مررت في جادة الخطيب. من الجلي ان هذه الكتابات هي جزء من سعي النظام الى تشويه سمعة المعارضة والمعارضين».

لعل صدر كيلو يتسع للملاحظات التالية، التي لا تشكك في وطنيته واخلاقية انتمائه الى القوى الديمقراطية، وان كانت تتوخى تبيان الاختلاف العميق مع خياراته على مستوى التكتيك في الأقل:
ـ ايا كانت التسمية، حوارا او احتجاجا او مشوارا، فإن اللقاء جرى بالفعل. اي، في عبارة اخرى، لا يمكن تكذيب تصريح رافي مادايان لأن واقعة واحدة على الأقل تبرهن على مضمون التصريح. كيف يصح إذن قول كيلو ان «المعلومة عارية عن الصحة بنسبة مئة في المئة»؟

ـ يُفهم من كلام كيلو ان اللقاء لم يتم نتيجة امر استدعاء او نية اعتقال، وبالتالي ذهب كيلو وزميلاه في اللجان بمحض ارادتهم. ماذا نسمّي هذا الفعل، إذا استبعدنا كلمة “حوار” التي يرفضها كيلو؟ وهل هذه “زيارة فنجان قهوة” مع رجل كان آنذاك ثالث أو رابع ابرز رجالات النظام؟ ولماذا لم يفعل الشباب ما فعله المحامي والناشط الحقوقي هيثم المالح، الرئيس السابق لجمعية حقوق الانسان في سورية، حين رفض لقاء رئيس المخابرات العامة هشام بختيار في مكتبه، واشترط لقاءه في مطعم بالربوة، بل واصر على دفع الحساب؟ فمن غير المعقوا ان نتخيل ذهاب كيلو وزميليه الى الفرع 251 لتقريع رئيسه اللواء بهجت سليمان، وادارة “اجواء من الصراحة الجارحة وغير المعهودة بالنسبة الى الامن”؟
ـ متى اعتاد الناشطون الديمقراطيون السوريون ممارسة الاحتجاج وجاهيا، اي وجها لوجه مع ضباط الأمن؟ واذا كان كيلو وزميلاه قد دشّنوا هذه العادة، فلماذا اختار الشباب بهجت سليمان بالذات، مع العلم انه لم يكن الجهة الامنية التي اعتقلت الدكتورعارف دليلة والطبيب وليد البني وشيخ المعارضة البارز رياض الترك، الذين يذكرهم كيلو بالاسم؟

ـ اذا كان من حق كيلو ان ينفي صفة “الحوار” عن ذلك اللقاء، فهل من واجبه ان ينفي عن اللواء سليمان، بل وعن “غيره من الوية الأمن” اي حوار مع المثقفين جماعة لجان احياء المجتمع المدني، و"في اي يوم من الايام"؟ لماذا يلوح كيلو متاكدا الى هذه الدرجة؟ ما أدراه بحقيقة صلات وحوارات العباد؟
ـ من الاجحاف ان يلمح كيلو الى احتمال ان يكون النظام واتباعه في الداخل والخارج هم مصدر معلومات رافي مادايان. فالرجل اصلا لا يقصد التشهير، ولكنه على العكس يتحدث عن “تيار ميشال كيلو”. وهو الى ذلك لا مصلحة له في الحاق الضرر بالديمقراطيين السوريين. وقد يكون الدخان الذي هداه الى هذا التصريح هو النار التي مصدرها اللقاء الفعلي الذي جمع كيلو وزميلاه مع اللواء سيمان!
ـ ليعذرنا ميشيل كيلو اذا اتهمناه بالمبالغة حين يقول انه لن يعرف اللواء سليمان اذا رآه في الطريق. اولا اللقاء جرى قبل اربع سنوات فقط، ولا نظن ذاكرة كيلو قصيرة الى هذه الدرجة. وثانيا لن يرى كيلو اللواء سائرا في الطريق لأن امثاله لا يسيرون على ارض البشر، واذا فعلوا فلن نبصرهم وسط غابة المرافقين!
ـ معروف لدى الجميع أن بهجت سليمان كان دائما حريصا على الاحتكاك بالمثقفين، منذ اواخر السبعينات حين كان مسؤولا عن مجلة “الفرسان” الناطقة باسم رفعت الأسد و“سرايا الدفاع”.

وكان بار ومطعم اللاتيرنا، موئل المثقفين السوريين والعرب، هو مقره شبه الدائم، وكان يحرص على مجالسة الشعراء والروائيين والفنانيين التشكيليين. معروف كذلك انه قبل توريث بشار الاسد وبعده قام بدور صلة الوصل مع عشرات المثقفين، مثل صادق جلال العظم ومحمد جمال باروت والراحل ممدوح عدوان وهيثم حقي ونبيل سليمان ومحمد ملص وعادل محمود، بالاضافة طبعا إلى اسماء اقل اهمية مثل جمال سليمان وديانا جبور وسعاد جروس وديانا فارس. يضاف اليهم بسام جعارة وعادل حديدي ونبيل الملحم ومحمود عبد الكريم وسلمان عز الدين، وهؤلاء جميعا هم اليوم اعضاء في تجمع “حريات” الذي يترأسه ميشيل كيلو. وللتذكير فقط سبق لكيلو نفسه ان اطلق على اللواء سليمان صفة “الكاتب الجليل” في مقالة مشهودة نشرتها صحيفة “النهار” اللبنانية خلال تلك الفترة ذاتها تقريبا.
ـ قد يجد ميشيل كيلو التبرير الكامل للقائه مع رجال الأمن في العبارة الأخيرة التي يختم بها رده على مادايان: «تبذل المعارضة الديموقراطية دون جدوى حتى الآن جهودا صادقة لتحويل النظام السوري الى نظام منفتح يحاور المجتمع والشعب ويتفاعل معهما». الكثيرون يختلفون معه بالطبع، ولكن هذا الخيار حق له ولسواه، فلماذا الانكار؟

مصادر
مرآة سوريا (سوريا)