كتب الاستاذ محمد سيد رصاص – من اللاذقية في سوريا – في عدد الاثنين 4 تموز في صفحة "قضايا النهار"، مقالاً بعنوان «خالد بكداش الخبير بأوزان الرجال... عندما ركز سهامه ضد جورج حاوي» يتناول فيه بالتقويم شخصية الشهيد جورج حاوي الاستثنائية وتميّز هذه الشخصية وثباتها على المبادئ مع مرونة فائقة في العمل السياسي، والدور الذي لعبته في تاريخ الحزب وفي الحياة السياسية اللبنانية والعربية.

الا أن هذا المقال رغم إنصافه لتاريخ جورج ومسيرته ودوره، تضمّن معلومات مغلوطة لا بد من التوقف عندها بهدف تصويبها خدمة للحقيقة.

فخالد بكداش كان فعلاً، وكما كتب الاستاذ رصاص، خبيراً بأوزان الرجال وهو لذلك لم يركز سهامه ضد جورج حاوي بعد المؤتمر الثاني عام 1968 بل بدأ تركيزها منذ مطلع الستينات حين بدأ نجم الشهيد الكبير يسطع. كان بكداش لا يزال قائداً للحزبين معاً ولفت نظر رفاقه اللبنانيين في القيادة، آنذاك، الى لمعان شخصية هذا الشاب الذكي، والنشيط، والمفعم بالحماسة، محذراً إياهم من خطره عليهم نظراً الى شعبيته في الحزب، وقدراته السياسية والتنظيمية، وطموحاته الكبيرة. وظل بكداش حتى وفاته على موقفه غير الودي من جورج رغم رسوخ زعامة الاخير في الحزب وعلى الصعيد الوطني العام، ودوره البارز في أوساط حركة التحرر الوطني العربية وفي الدفاع عن الثورة الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

أما الزعم بأن نقولا الشاوي كان تاريخياً طوع يدي خالد بكداش فتعوزه الدقة التاريخية بالذات. كان نقولا الشاوي مثقفاً كبيراً وصحافياً لامعاً على رأس تحرير “صوت الشعب”، وكان واحداً من ثلاثة زعماء بارزين للحزب الشيوعي في سوريا ولبنان – خالد بكداش وفرج الله الحلو ونقولا الشاوي. كان بكداش اول الثلاثة لميزات قيادية لا يمكن نكرانها ولاحتضان سوفياتي ودعم لا حدود له.

كانت لنقولا شخصيته المميزة، فهو الى ثقافته العميقة الواسعة، كان دمث الاخلاق، يكره الظهور، منظماً جداً في عمله، وفياً جداً في التزامه. وكان بهذه الصفات شخصية بارزة في الحركة الشيوعية العربية والعالمية. وكانت مساهمته مع فرج الله الحلو في معركة استقلال لبنان وجلاء القوات الاجنبية عن أراضيه كبيرة الى درجة إقرار زعماء البلاد، آنذاك، من أمثال رياض الصلح وسامي الصلح وحبيب أبي شهلا وسواهم، بهذا الدور علناً وعلى رؤوس الأشهاد.

وفي محفوظات الحزب تقارير ومحاضر ورسائل تشير الى عكس ما ذهب اليه الاستاذ رصاص. فقد بلغ الخلاف بين بكداش والشاوي حداً تمكن معه بكداش من نفي الشاوي الى بلغراد محرراً في مجلة “من أجل سلم دائم من أجل ديموقراطية شعبية” التي كان يصدرها “الكومنفورم” والتي توقفت عام 1958 عند حلّه. وكان الشاوي عند إرساله الى بلغراد محرراً في “نشرة” رئيساً "رسمياً" للحزب الشيوعي اللبناني. ونقولا الشاوي بالذات هو الذي قاد عام 1964 انفصال الحزب الشيوعي اللبناني عن الحزب الشيوعي السوري وتحرّره من سيطرة بكداش. وكاتب هذا التوضيح نقل، صيف عام 1964، الى خالد بكداش المقيم في موسكو تحذيراً شديد اللهجة من نقولا الشاوي يطالبه بالكف عن التدخل بواسطة بعض أصحابه في الشؤون الحزبية اللبنانية حرصاً على هؤلاء الاصحاب وعلى مستقبلهم الحزبي.

أما عن علاقة جورج حاوي بنقولا الشاوي فاني قد تزاملت مع جورج حاوي منذ دخوله اللجنة المركزية للحزب. لقد دخلناها معاً باقتراح من نقولا بالذات في أواخر عام 1964. وأنا شاهد حي على رعاية نقولا الشاوي المميزة لجورج حاوي في كل مسيرته الحزبية اللامعة وحتى حلوله محل نقولا باقتراح من الاخير وإصرار شديد منه.

ولست أدري من أين استقى الاستاذ رصاص معلوماته عن حرمان الحزب الشيوعي اللبناني من التمثيل في مؤتمر الاحزاب الشيوعية العالمية في موسكو «حزيران 1969» لمصلحة المفصول من عضوية الحزب حسن قريطم وزعمه ان الاخير ألقى كلمة الحزب. فكاتب هذا التوضيح كان طوال أعوام 67- 68- 69 عضواً في لجنة الصياغة المصغرة التي أعدّت وثائق هذا المؤتمر. والحزب شارك بقيادة نقولا الشاوي في كل الاعمال التحضيرية. وشارك وفد الحزب في المؤتمر برئاسة نقولا الشاوي، وكنت شخصياً في عداده مع يوسف خطار الحلو وكريم مروة وغسان الرفاعي. وكانت كلمة وفدنا التي ألقاها نقولا الشاوي هي الكلمة التي إفتتح بها المؤتمر. أما حسن قريطم فكان آنذاك في دمشق عند الحزب الشيوعي السوري بعد فصله من الحزب صيف عام 1967. ربما اعتمد الاستاذ رصاص على صورة المشاركين في المؤتمر والتي غبنا عنها بناء لطلبنا لأن حزبنا كان محظوراً وكنا جميعاً سنعود الى البلاد، ولا نريد اعطاء السلطات الامنية مستنداً للمساءلة.

ولست أدري من أوقع كاتب المقال في خطأ آخر بزعمه أن جورج حاوي مُنع من دخول قاعة المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي عام 1971. كان جورج عضواً في وفد ترأسه نقولا الشاوي وحضر المؤتمر مع نقولا، وكان الاشكال مع السوفيات قد حُل قبل عامين ونيف من تاريخ المؤتمر.

ربما خلط الاستاذ رصاص بين هذا المؤتمر واجتماع للاحزاب الشيوعية العربية عُقد في موسكو وتم احتجاز جورج في المستشفى بحجة المرض حتى نهاية الاجتماع، كما حيل بين كريم مروة وبيني شخصياً وحضوره، الامر الذي شكل الشرارة التي فجرت، صيف عام 1967، الازمة التي انتهت بعد أشهر بانتصار تيار التجديد والتطوير بزعامة جورج حاوي وبرعاية مباشرة من نقولا الشاوي.

وأخيراً، ليس من عادتي الرد على مقالات وأخبار، وما أكثرها، تُمعن، بسوء نية او حسنها، تشويهاً في تاريخ الحزب وتاريخ عدد من قادته. الا ان تقديري للنية الطيبة للاستاذ رصاص البادية بوضوح في تقويمه لمسيرة شهيد استقلال لبنان وسيادته وحريته وديموقراطيته، دفعني الى تصويب معلومات غير صحيحة ومشوشة لا أعتقده مسؤولاً عنها، بل وصلته، على هذا القدر من التشويه، في ظروف بلد معدوم الحياة السياسية، والتواصل، والخبر الصحيح، وحرية القول، يعاني فيه الشيوعيون وأصدقاؤهم التمزق والشرذمة والتنازع والعداء بين مهادن نزيل السرايات ومعاند خبرته السجون وآخر على دين الشاعر القائل: “الصمت زين والسكوت سلامة...!”.

مصادر
النهار (لبنان)