النتائج التي أسفر عنها المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم في سورية سوف تضع المعارضة السورية أمام خيار صعب. فمن ناحية، وكما كان متوقعا، جاءت النتائج لتخيب أمل الكثير من السوريين الذين توقعوا أن يحدث المؤتمر نقلة باتجاه التعددية والديموقراطية وحقوق الإنسان. ومن ناحية ثانية فإن الثغرات التي فتحت لا يمكن تجاهلها واعتبارها كأنها لم تكن. وعلى ذلك فإن المعارضة الديموقراطية والعلمانية في سورية مطالبة الآن، وربما أكثر من أي وقت مضى، بالبحث عن خطة عمل محددة المعالم لتوسيع الثغرة الضيقة التي فتحها المؤتمر.

لقد اختصر المؤتمر مطلب إلغاء قانون الطوارئ إلى تعديله بشكل غامض وفضفاض، وذلك بحصره بالجرائم الواقعة على أمن الدولة، وهو ما يمكن أن يمتط ليشمل أي نشاط سياسي. كما أن قانون الأحزاب أريد له أن يوأد قبل أن يبصر النور، بالشروط التعجيزية التي رافقته، من حيث القيود الأيديولوجية والامتداد الجغرافي، وأهم من ذلك عدد الأعضاء المؤسسين.

على أن ما صدر عن المؤتمر كان توصيات. وهي لا بد أن تناقش وتقر من قبل الهيئات المختصة سواء أكانت تشريعية أم حكومية والأخيرة تتراوح ما بين الجهات الأمنية والوزارات “المختصة” ومسؤولية المعارضة الآن ألا تنكفئ أو تستكين أو تنزع إلى النحيب ورثاء الذات. فبدلا من ذلك يتوجب عليها الآن أن تعطي وجهة نظرها في كيف ترى القانون الصحيح للأحزاب. وهي ملزمة الآن بشن أوسع حملة توعية إعلامية بين السورين لإيضاح وجهة نظرها، وحشد أكبر عدد ممكن من الأصوات إلى جانب تصوراتها.

وكبداية يمكن الرجوع إلى قوانين الأحزاب في الدول التي تماثلنا في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولقد رجعت إلى قوانين الأحزاب في أربعة دول نامية هي اليمن والأردن وأفغانستان وكمبوديا ودولة متحضرة هي ألمانيا، للوصول إلى قاسم مشترك يمكن البناء عليه في عملية الضغط على الحكومة السورية لتبني برنامج عصري وقابل للحياة، لا للوأد ربما قبل أن يرى النور. والمعروف أن بعض الدول، مثل ألمانيا، تتشدد في شروط قبول الأحزاب، بسبب تجربتها المرة مع النازية الهتلرية، بينما تتساهل بعض الدول مثل الولايات المتحدة التي ليس فيها قانون خاص للأحزاب. فأين نريد أن نرى موقع قانون الأحزاب العتيد في سورية؟

لا بد من الانطلاق من تعريف ما هو الحزب السياسي بالمفهوم السوري. الحزب أو التنظيم السياسي، تعريفا، هو كل جماعة سورية منظمة على أساس مبادئ وأهداف مشتركة وفقاً للشرعية الدستورية وتمارس نشاطها بالوسائل السياسية والديمقراطية بـهدف تداول السلطة سلمياً أو المشاركة فيها.

وبالتالي، فإن القانون يجب أن ينص على حق السوريين جميعا بتكوين الأحزاب والتنظيمات السياسية في سورية طبقاً للشرعية الدستورية وأحكام قانون الأحزاب. ويحدد العدد الأدنى للأعضاء المؤسسين بعدد يتراوح بين 50 عضوا مؤسسا، كما في القانون الأردني إلى 700، كما في القانون الأفغاني.
ويحق لكل سوري الانتماء الطوعي لأي حزب أو تنظيم سياسي وذلك طبقاً للشرعية الدستورية وأحكام قانون الأحزاب وهذه اللائحة. ولا يحق له/لها الجمع بين عضوية حزبين مستقلين.
و يجب على القانون أن يحدد بدقة شروط ممارسة الحزب أو التنظيم السياسي نشاطه، لتكون محصورة بالوسائل السلمية والديمقراطية لتحقيق برامج محددة معلنة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسورية، وذلك عبر المساهمة في الحياة السياسية لضمان تداول السلطة أو المشاركة فيها سلمياً عن طريق الانتخابات العامة الحرة النـزيهة.

ولضمان حياد الجيش وقوات الأمن ونزاهة القضاء، يحظر الانتماء إلى أي تنظيم سياسي، بما في ذلك حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية، على العسكريين وعناصر الأمن والقضاة والدبلوماسيين أثناء فترة خدمتهم وأعضاء اللجان المشرفة على الانتخابات طيلة مدة عضويتهم باللجنة.

وينبغي ألا تتعارض مبادئ الحزب مع سيادة الوطن واستقلاله ووحدته أرضاً وشعباً وألا تتنافى مع مبادئ الديموقراطية الحريات والحقوق الأساسية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بالنقطة الهامة التي طال النقاش حولها: وهي حق إقامة أحزاب دينية، يمكن للقانون أن يحتل مكانا وسطا، فيحظر قيام أحزاب تقوم على أساس ديني خالص، يعتمد على النص الإلهي كبديل للدستور والقانون. بينما يمكن السماح بقيام أحزاب تستلهم القيم الدينية في نضالها السياسي، ولا تستبدل القانون الإلهي بالقوانين البشرية، شرط أن تكون العضوية حقا لجميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. وتأسيسا على ما سبق، لا يمكن تسمية أي حزب باسم الديانة التي يتبعها أعضاؤه، كالحزب الإسلامي أو المسيحي أو غير ذلك، لأن في ذلك استقواء بالنص المقدس بمواجهة التشريعات الأرضية.

ومن المهم، تاليا، أن يكون باب الحزب مفتوحا لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الطائفي أو المناطقية، دون أي تمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون.

وينبغي أن تتمتع جميع الأقليات القومية بحق تكوين الأحزاب، ما دامت في إطار العمل لديموقراطي، وما دامت تؤمن وتعمل على وحدة جميع السوريين في إطار سورية الراهنة وتستبعد أي تقسيم للأراضي السورية، وما دامت العضوية حقا لجميع السوريين بغض الطرف عن انتماءاتهم القومية.

ويحظر على الأحزاب كافة إقامة تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو المساعدة في إقامتها واستخدام العنف بكل أشكاله أو التهديد به. ويتأسس كل ذلك على ضرورة علانية مبادئ الحزب وأهدافه ووسائل عمله السياسي وهيكليته التنظيمية وموارده المالية.

ويمكن ملاحظة بعض الشروط المتشددة الواجب توفرها عند الأعضاء المؤسسين والتي لا تنطبق بالضرورة على الأعضاء المنتسبين، كأن يكون من أب أو أم سوريين وألا يقل عمره عن سن معينة وألا يكون صدر بحقه حكم قضائي في جريمة مخلة بالأمانة أو النزاهة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
وينبغي للقانون أن يلحظ موارد الحزب المالية التي لا بد أن تكون من خلال الاشتراكات والتبرعات المدفوعة من أعضاء الحزبومن الإعانات التي تلتزم الدولة بتقديمها إلى كافة الأحزاب السياسية وفق حجم الأصوات التي تنالها في الانتخابات، ومن عائدات استثمار أموال الحزب أو التنظيم السياسي في إصدار الصحف أو استغلال دور النشر أو الطباعة شريطة أن يكون هدفها الأساسي خدمة أغراض الحزب. كما يمكن أن يقبل الحزب مساعدات وهبات مالية من أفراد وهيئات سورية ما دام ذلك معلنا وموثقا بحسابات مدققة. وتخضع حسابات الأحزاب لهيئة مستقلة لمراقبة حسابات الأحزاب جميعها.

ويحق لكل حزب استخدام الوسائل المشروعة المتاحة للتعبير عن آرائه شريطة أن لا يتعارض ذلك مع الدستور وقانون الأحزاب. وتلتزم الدولة بإتاحة وسائل الإعلام الرسمية بما يكفل تحقيق تكافؤ الفرص في استخدام هذه الوسائل. ويحظر على هذه الوسائل الترويج لأفكار حزب بعينه والتركيز على أعماله دون غيره عبر هذه الأجهزة وخاصة أثناء فترة الإعداد للانتخابات النيابية العامة والانتخابات المحلية. كما تلتزم الوسائل الإعلامية الحكومية المختلفة الحياد والموضوعية عند تغطية إعداد وإجراء الانتخابات النيابية العامة والانتخابات المحلية. و تمنح كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية مساحات إعلامية متساوية للإعلان والترويج لبرامجها الانتخابية البرلمانية والمحلية في وسائل الإعلام الرسمية المختلفة.

إن جميع الأفكار الواردة أعلاه تفقد كل قيمة وصدقية ما لم تطبق بالعدل والمساواة على جميع الأحزاب التي تسعى للترخيص، بما في ذلك حزب البعث الحاكم وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الأخرى، على اعتبار أن جميع هذه الأحزاب غير مرخصة وفقا للقانون السوري. كما لا بد من الإشارة أن فشل حزب ما في تحقيق بعض الشروط: كعدد الأعضاء مثلا، لا يعني حرمانه من حقه في التعبير عن أفكاره السياسة والدفاع عن برنامجه والترويج لمبادئه، بما يسمح له من استكمال الشروط اللازمة لترخيصه، دون أن يتعرض لأي نوع من الكبت أو المحاربة أو التضييق.

يمكن اعتبار ما سبق ورقة أولية برسم المعارضة السورية لاستخدامها من أجل ألا تترك الساحة أمام السلطة السورية لفرض قانون أحزاب متخلف ومفصل على قياس حزب البعث وأحزاب الجبهة التقدمية الأخرى. وربما قال قائل إن ذلك لن يجدي فتيلا، وأن السلطة الأمنية لن تسمح بمثل هذا السجال، وهو حق. غير أن ذلك لا يعفينا من المحاولة. وإن كان احتمال النجاح ضئيلا حتى ليكاد معدوما، فإن في المحاولة شرفا، وهو سيكون خطوة في طريق التراكم الذي لا بد للمعارضة أن تتعلمه، إذا ما أرادت العمل السياسي وليس مجرد مناوشات أمنية مع سلطة أمنية هي بدون شك أقدر منها وأبرع في هذا المجال. ومن هنا لابد من نقل الصراع مع السلطة من الساحة الأمنية إلى الساحة السياسية، ودون تأخير