قال الشاعر البريطاني المشهور كلينغ: «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا». والآن، وبعد أن رفض الناخبون في كل من فرنسا (بنسبة %55) وهولندا (%61.6) لصيغة دستور «الاتحاد الأوروبي»، ثم بعد أن جرى تجميد الاستفتاء في بريطانيا وغيرها، اضافة إلى فشل قمة بروكسل الأخيرة في الاتفاق على ميزانية «الاتحاد»، تحدث الجميع عن وجود أزمة عميقة كان من أولى مظاهرها انهيار سعر اليورو بنسبة %7 مقابل الدولار وذلك جراء تراجع الثقة بالاتحاد ومستقبله، وتبدو تركيا الضحية الأولى لرفض الناخبين في كل من فرنسا وهولندا للدستور الأوروبي. ويقال إن ما نسبته حوالي %15 من الذين صوتوا ضد الدستور في فرنسا فعلوا ذلك لمعارضتهم ضم تركيا إلى الاتحاد، ثم جاء فشل قمة بروكسل ليضاعف الانعكاسات السلبية. ومن ردود الأفعال الأولى في تركيا على ذلك كله، تصريح وزير الخارجية التركي بأن نتيجة الاستفتاء لن تؤثر على بدء مفاوضات عضوية تركيا للاتحاد المقررة في الثالث من أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، ليس المهم بدء المفاوضات ولكن الأهم من ذلك نتيجتها.

قال خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية: «إن احتمالات انضمام تركيا للاتحاد مسؤولة جزئياً عن رفض الناخبين في فرنسا وهولندا للدستور الأوروبي». وأضاف «إن على الدول الأعضاء احترام التزامها بشأن بدء محادثات الانضمام مع أنقرة».. مع تشديده على «عدم وجود ضمانة لوصول المفاوضات إلى الموافقة على ضم تركيا للاتحاد.. وعلينا أن نناقش بجدية الرسالة التي بعث بها الناخبون فيما يتعلق بتركيا».. هذا، وتعتبر تصريحات باروسو مهمة للغاية كونه المسؤول الأعلى في «الاتحاد» وليس ممثلاً لإحدى دوله التي قد تكون لها حيثيات داخلية لتأييد أو رفض ضم تركيا. أما توني بلير رئىس وزراء بريطانيا، فقد تحدث أمام البرلمان الأوروبي داعياً دول الاتحاد إلى «النقاش الصريح وقول الحقائق كما هي للرأي العام الأوروبي» حتى يستطيع «الاتحاد» الانطلاق من جديد، وكرر موقف بلاده الداعم بقوة لانضمام تركيا وكرواتيا إلى الاتحاد. أما باقي التصريحات الأوروبية فكانت سلبية تجاه مستقبل العلاقة التركية - الأوروبية، أكثر صراحة حيث قال في تصريحات صحفية إنه «لا فرصة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في المستقبل المنظور». وهذه التصريحات لبرودي (الذي فتح الطريق أمام عضوية تركيا في أكتوبر الماضي عندما أوصى ببدء محادثات الانضمام مع أنقرة) تبين مدى تغير المواقف السياسية منذ رفض الفرنسيون والهولنديون دستور الاتحاد الأوروبي. وقال برودي لإحدى الصحف المحلية: «نحن في حاجة لإعادة التفكير.. فالاستفتاءات أطلقت إنذاراً عالياً بشأن تركيا وأعتقد أن الشروط الآن لم تعد مناسبة لانضمام تركيا في الأجل القصير أو المتوسط». وأضاف: «إن المشكلة هي تركيا».

وتشير تصريحات برودي (زعيم معارضة يسار الوسط في إيطاليا حالياً) إلى أن كثيراً من الإيطاليين لديهم مخاوف بخصوص تركيا الدولة المسلمة الكثيفة السكان الواقعة على حافة أوروبا التي يغلب عليها المسيحيون. وقال برودي: «أنا من بلد كانت أمي فيه عندما تريد أن تخيفنا بشيء تقول إن الأتراك قادمون»!! وقال متحدث باسم برودي: «إن موقف الزعيم السياسي يتمثل في أن إبطاء التوسع لايتفق مع رغبته لكنه بات أمراً لا يمكن تجنبه سياسياً».

ü ü ü
أما الموقف الفرنسي فقد كان الأكثر وضوحاً إذ أن موقف الرئىس جاك شيراك، المؤيد لعضوية تركيا، قد ضعف كثيراً بعد أن صوت الفرنسيون ضد الدستور، أما المؤشر الثاني في فرنسا فهو وصول دومنيك دوفيلبان إلى رئاسة الحكومة. وقد دعا دوفيلبان في قمة بروكسل الأخيرة إلى وجوب قبول عضوية بلغاريا ورومانيا في العامين 2007 و2008 ولكن: «يجب أن نكون مستعدين لفتح نقاش حول التطورات التي ستلي ذلك». وكان واضحاً أنه يقصد تركيا وإن لم يسمها بالاسم.. أما الموقف الفرنسي المعارض الثاني فقد جاء على لسان نيقولاي ساركوزي الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة الفرنسية القادمة إذ قال: «إنه يجب تجميد توسيع الاتحاد الأوروبي حتى لاتظهر مؤسسات جديدة في أوروبا، وأنه سيكون أمراً عجيباً إذا استؤنفت المفاوضات مع تركيا بعد رفض الدستور في فرنسا وهولندا». أما الموقف الألماني، فإنه قد يزداد تشدداً من مسألة دخول تركيا للاتحاد خاصة بعد حجب الثقة عن حكومة غيرهارد شرودر وإجراء انتخابات مبكرة الأمر الذي قد يؤدي إلى فوز الحزب الديمقراطي المسيحي فيها وهو الحزب الأكثر معارضة لانضمام تركيا، وعليه، فإن وضع تركيا سيزداد صعوبة بدون شك، إذ يعتقد بأن «وثيقة الاطار» التي يتوقع أن يعلنها الاتحاد مع تركيا قبل بدء المحادثات في الثالث من أكتوبر المقبل تريد أوروبا تضمينها مطالب مرفوضة سلفاً من تركيا مثل الاعتراف بالإبادة الأرمنية، والاعتراف الدبلوماسي بقبرص وسحب القوات التركية من شمالها، وما إلى ذلك من مطالب تعجيزية هدفها عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد. ويقول معارضو انضمام تركيا إلى الاتحاد إن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يستوعب مثل هذه الدولة الكبيرة الفقيرة الكثيفة السكان، والمختلفة ثقافياً، التي لها حدود مع إيران والعراق وسوريا.
والسؤال الذي يجب أن يسأل الآن: هل مازال الشعب التركي راغباً حقاً في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد كل هذه الاستفزازات والمطالب التعجيزية؟ يقول صابان ديزلي نائب رئىس الشؤون الخارجية في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا: «إن على أوروبا ألا تحاول بناء مشروع قرارها بانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بعد عشر سنوات بالنظر إلى حالتها اليوم فمن يدري؟ ربما كان يتعين على تركيا أن تجري استفتاء خلال هذه السنوات لنستطلع رأي المواطنين، فيما إذا كانوا لايزالون راغبين في أن تكون بلادهم جزءاً من الاتحاد الأوروبي». وواضح أن رأي هذا المسؤول التركي يعكس توجهاً بدأ يتنامى في تركيا ويتساءل عن جدوى انضمامها للاتحاد الأوروبي بعد تصلب المعارضة لانضمام تركيا إلى ذلك الاتحاد.

مصادر
الشرق (القطرية)