مع هبوب رياح التغيير في سوريا بدأ كل من هو معارض للنظام، يهرول لتأسيس حزب سياسي، ونظرا لتزايد أعداد تلك الأحزاب حيث يعلن بشكل شبه يومي عن تأسيس حزب جديد، لذا من المبكر إجراء مسح شامل لها وإعداد قائمة بعددها، إنما يمكن التحدث عن أسرار خلطاتها ونكهاتها، فمنها من استخدمت الخلطة الامريكية، ومنها من إتبعت الوصفات الأوروبية، لكن بعضها حافظ على تمسكه بالتوابل الإسلامية، وأخرى نتيجة لسقوطها سياسيا اضطرت للمسارعة الى تغيير خلطتها السابقة الى النكهة الشعبية.

هذه بإختصار تشكيلة أحزاب المعارضة السورية الجديدة، التي تحاول جاهدة أن تطرح نفسها على الساحة السياسية السورية، ومن الصعب التكهن من الآن مع أي من الشراكات ستدخل سوق الديموقراطية الأمريكية أم الأوروبية، خصوصا مع إفلاس بعضها من إمكانية الدعم الأمريكي حسب ما يمكن أن نستشفه من تصريحات مستشار وزارة الدفاع الاميركية السابق ريتشارد بيرل الأسبوع الماضي، الذي أعرب عن أسفه لتشرذم المعارضة السورية مما يدلل على أن بعض الأطراف تحاول يائسة الإندساس ضمن صفوف المعارضة للحصول على حصة من الإمتياز “الفرينشايز”، وعلى ما يبدو أنها لم تحظى بالمصداقية لدى الادراة الأمريكية، كونها لا تحمل برنامجا سياسيا، وهذا ما برز واضحا من خلال تصريحات بيرل الذي قال أيضا «لقد اعتقدت أننا سنلتقي بمعارضة موحدة، لكن المجموعة التي التقيتها ماضية في اتجاه مختلف تماما» هذا في حديث خاص للشرق الاوسط اللندنية.

وأعترف انني أجهل الكثير عن تلك الاحزاب وأيضا لا أتابع نشاطاتها أو تاريخ تأسيسها الا فيما ندر، وكثيرا من الأحيان أتجاهل أخبارها للغموض الذي يكتنف أهدافها وأوراقها المبعثرة بين تلك الخلطات المذكوره آنفا، كما أن المعلومات الوارده تشير الى شبه فشل لمؤتمر المجلس الوطني السوري الذي إنعقد في واشنطن الشهر الفائت وإنسحاب حزب الاصلاح الذي يتزعمه فريد الغادري وبعض الأطراف الأخرى المستقلة من التحالف نتيجة لهذا التشرزم الذي ذكره بيرل في تصريحه، بين تشدد الإسلاميين بأفكارهم من ناحية وإندساس زمرة من البعثيين أمثال عبد المهيمن السباعي وحسام الديري من ناحية أخرى، مما أفرغ المعارضة من مضمونها السياسي، وتبين أنها عبارة عن أطراف تسعى لتحقيق مكاسب سياسية لا أكثر على حساب الشعب السوري، حيث لا يخفى على أحد من السوريين تاريخ عبدو الديري وهو والد حسام الديري الذي شغل منصب رئيس الأركان البحرية السورية وملحق بحري عسكري لسوريا في موسكو والأرجنتين ورئيسا للبعثة السورية في طهران من آذار 1963 ولغاية 1968 ثم انتقل بعدها الى العراق بعد الخلاف بين القيادتين البعثيتين، وتولى منصب قائد البحرية العراقية، وسفير العراق في عدد من الدول لغاية العام 1991، وهذا ما يدعو للإستغراب كيف أمكن للديري الأب دخول الولايات المتحدة الامريكية بهذا السجل الشخصي وهل يمكن أن يمر تاريخه البعثي هذا على الإدارة الأمريكية مرور الكرام، لذلك هل من حق أحد أن يتساءل عن الصفقة التي بموجبها دخل الولايات المتحدة ليعلن لاحقا تأسيس حزب جديد يتزعمه إبنه ( حسام ) علما بأن حزبه المسمى “تجمع الاحرار الوطني الديموقراطي” يضم فيما يسمى قيادته أغلب افراد العائلة؟!

وقد برز واضحا من خلال تصريحات بيرل التي جاءت ضربة قاضية للمعارضة، معربا عن مخاوف الإدارة الامريكية من إمكانية وصول الإسلاميين المتشديين الى السلطة في سوريا، وهذا ما نجح النظام السوري في الترويج له لدى الدول الغربية واستغلال ما يجري من أعمال إرهابية حول العالم من قبل الجماعات المتأسلمة لخدمة هذه الفكرة، وهذا ما أضعف موقف المعارضة في الحصول على أي دعم خارجي خصوصا وأنه في هذه الحالة الجانحة نحو الديموقراطية لا يمكن إقصاء حزب الاخوان المسلمين الا إذا تم ذلك من خلال صناديق الاقتراع.

ونأمل أن تنجح أطراف المعارضة في إزالة هذه المخاوف سواء لدى الادارة الامريكية او الدول الاوروبية، وتعريفهم بطبيعة المجتمع السوري والتأكيد على أن قاعدة الاخوان المسلمين الشعبية اقل بكثير مما يروج لها، حتى وان كان الاخوان المسلمين محسوبين على الغالبية من تركيبة المجتمع وهي الطائفة السنية التي تميل بطبيعتها التاريخية الى الليبرالية منها الى التعصب الديني أوالطائفي ولا تقر بمبدأ سيادة الاغلبية على الأقلية من الطوائف الاخرى، وتعترف باهمية تلك الأقليات ودورها البارز في تاريخ سوريا الذي لا يمكن إغفاله.
وفي الفترة الاخيرة كان الحدث الأبرز الذي لاقى اهتماما خاصا في الكثير من وسائل الاعلام هو الإعلان عن تاسيس التجمع القومي الموحد الذي يتزعمه رفعت الاسد حيث أعطي الموضوع أكبر من حجمه وحجم مؤسسه وتم الترويج له بشكل مكثف عبر وسائل الاعلام التي يستغلها بنفوذه وكثر الحديث عن قاعدته الشعبية الواسعة والتي لا تمت للواقع بصلة كون شعبيته المفترضة لا تخرج عن حدود الطائفة من إخواننا العلويين التي لا تتجاوز نسبتها في المجتمع السوري عن 10 في المئة على اكثر تقدير، وهذه النسبة بالتأكيد موزعة فيما بين عائلة الأسد وباقي عائلات الطائفة نفسها، وبالتالي فان حزب التجمع القومي الموحد الذي يتزعمه رفعت الاسد إذا حظي بنسبة 1 في المئة من الطائفة العلوية يكون محظوظا خصوصا أنه كان جزءا أساسيا من النظام الحالي.

الى جانب تلك الاحزاب الآنفة الذكر، هناك العديد من الأحزاب الناشطه والموزعة ما بين القارة الامريكية والقارة الاوروبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر حزب الحداثة والديمقراطية ومقره المانيا، الى جانب الاحزاب الكردية والتجمعات الاشورية والسريانية، الفاعلة بشكل ملحوظ، لكن مضمونها غلب عليه الطابع العرقي والقومي اكثر من كونها احزابا سورية، وهذا لا يخدم أهدافها بشكل عام، وآخر قائمة الاحزاب تلك هو تحالف الوطنيين الاحرار الذي تم الإعلان عنه في سوريا الشهر الماضي ويمثل الطبقة المتوسطة والبرجوازية التجارية والصناعية.

ولا يمكن ان نتجاهل الاحزاب الهرمة الموجوده على الساحة السورية فلا خلاف فيما بينها من حيث المضمون والاهداف وتجمعها الكثير من القواسم المشتركة مع حزب البعث الا باختلاف القيادات والمرجعيات العقائدية السياسية، ومع هبوب رياح التغيير اضطرت قيادة الحزب الشيوعي المكتب السياسي الذي كان يتزعمه رياض الترك الى تغيير إسم الحزب مراعاةً لمشاعر الشعب السوري الذي كفر بتلك الاحزاب،،اصبح يطلق عليه “حزب الشعب العربي الديمقراطي” مع إحترامنا وتقديرنا لرياض الترك ورفاقه المناضلين.

ومع تزايد عدد الأحزاب يمكن أن نصف الوضع بمرحلة الابتذال الحزبي وكما يقول المثل الشعبي “إذا كثر عدد الطباخين إحترقت الطبخة” ولا بد لأطراف المعارضة المشتته من الأنتباه الى نقطه هامة جدا وهي أن المواطن السوري كما ذكرت آنفا قد كفر بكل الافكار الحزبية، فلا القومية حققت له قوميته، ولا الوحدوية حققت وحدته، ولا الاشتراكية حققت اشتراكيته،ولا التحررية حققت حريته، والاحزاب اليسارية حولت وجهته الى اليمين، والتقدمية أعادته الى ما قبل التاريخ، والاسلامية حولته الى ارهابي، فاي فكر ممكن للمواطن السوري أن يؤمن به بعد تلك التجربة العقيمة مع الأحزاب.

لذلك يتوجب على المعارضة السورية بكافة أطيافها العمل على تشكيل لُحمة وطنية على غرار الكتلة الوطنية التي تشكلت في بدايات القرن الماضي زمن الانتداب الفرنسي وضمت كافة شرائح المجتمع السوري بكل طوائفه وانتماءاته مما حقق لها النصر والاستقلال الذي لا نزال نتغى به حتى يومنا هذا، وأن تعمل جميع الاطياف تحت مظلة تلك اللحمة المقترحة لاسقاط النظام الحاكم في سوريا ونيل الاستقلال.

فهناك احتياجات المواطن السوري لها اولويتها قد ياتي تأسيس الاحزاب في آخرها، فالمواطن السوري أحوج لصياغة دستور جديد ينص على التعددية السياسية، كما أنه بحاجة لتحسين اوضاعه الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، فهناك مرحلة منتظرة سيكون المواطن السوري الشريك الاكبر فيها وهي مرحلة اعادة بناء الدولة واعادة بناء ما تم هدمه على مدى خمسين عاما، والبناء لا يمكن تحقيقه من خلال تناحر الاحزاب السياسي، إنما من خلال لحمة وطنية تعمل يدا واحدة لبناء الوطن والمواطن والدولة.

مصادر
إيلاف (المملكة المتحدة)