إذا سألتني, هل ستسمح الحكومة الأميركية لشركة النفط الصينية “كنوك” بشراء شركة النفط والغاز الأميركية “ينوكال”؟ فسيكون ردي سهلا وبسيطا: دع السوق يقرر. ذلك أن النفط ليس سوى سلعة قابلة للاستبدال في ظل سوق عالمي يضمن توفرها باستمرار. أما إذا كانت الصين مستعدة لدفع أموال إضافية ربما أكثر من القيمة الحقيقية لشركة تعتبر بالمقاييس الأميركية من الدرجة الثانية، فذلك أمر يخصها. وعلى كل حال كلما ازداد تعطش الأميركيين ونهمهم لاستهلاك النفط، كلما سارعوا إلى اعتماد بدائل أخرى للطاقة تغنيهم عن إدمانهم المرضي على النفط وتجعلهم يتركونه دونما رجعة.

وإذا ما بدوت وكأنني غير مكترث للأمر، فلأني فعلا كذلك. والسبب هو أنني لا أعتقد بأن قضية تتعلق بمن يمتلك شركة “يونوكال” مهمة جدا، بل ما أعتقده مهما بالفعل من وجهة نظري هو ما إذا كانت أميركا والصين ستدخلان في مواجهة حول القضايا الجيو-اقتصادية الشائكة.

ولكن كيف ذلك؟

باختصار أعتقد أن الاقتصادين الصيني والأميركي أصبحا متشابكين على نحو كبير. فبينما كنا منشغلين في أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق، أصبحت أميركا والصين في غفلة عنا توأمين سياميين من منظور اقتصادي طبعا، بالنظر إلى التشابك في المصالح الاقتصادية بين البلدين.

ولعلك- للقارىء والمواطن الاميركي- تذكر ذلك الرهن العقاري ذا الفائدة المنخفضة الذي حصلت عليه. أتدري من قام بدعمه لكي تجني الثمار؟ قد لا يخطر على بالك أنها الصين، ولكنها كانت هي بالفعل من ساهم في تمويل شراء بيتك. فالمعروف أن الأميركيين توقفوا منذ مدة عن الادخار، كما أن وارداتهم تفوق بكثير صادراتهم. وفي ظروف مماثلة حيث تقوم دولة ما بالاعتماد بشكل كبير على السلع الرخيصة التي تنتجها دولة أخرى كما هو الحال مع أميركا والصين، فإن ما كان يفترض أن تقوم به أميركا, هو اللجوء إلى رفع نسبة الفائدة لتقنع باقي الدول بالاحتفاظ بالدولار. أما وأنها لم تقم بذلك، فلأن الصين راكمت طيلة الفترة الماضية احتياطيا كبيرا من الدولارات كانت قد حصلت عليه من صادراتها إلى أميركا، وذلك بالرغم من سعر الصرف المنخفض للدولار الذي هبطت قيمته بالمقارنة مع باقي العملات الأخرى.

لكن بماذا يفسر ذلك؟ أفضل ما يمكن أن يطلق على تلك العلاقة هو صفقة تيانمين- تكساس. فحسب ستيفن ويبر مدير معهد بيركلي للعلاقات الدولية قام قادة الصين مباشرة بعد أحداث ساحة تيانمين بإبرام صفقة ضمنية مع الشعب تقضي «بأن يتخلى الناخبون الصينيون عن حقهم في التصويت مقابل أن تضمن الحكومة الصينية للطبقة الوسطى معدل نمو سنوي يصل إلى 9%. والأكيد أن الاستقرار السياسي للصين اليوم يعتمد بالأساس على استمرار تلك الصفقة". أما الطرف الآخر من الصفقة فقد مثله بوش وفريقه في الإدارة حيث قامت الحكومة الأميركية ولفترة طويلة بغض الطرف عن انخفاض قيمة العملة الصينية ليكون بمقدورها الاستمرار في بيعنا العديد من سلعها الرخيصة، وكذلك مواصلة شراء الدولار الأميركي وبالتالي الحفاظ على نسب فائدة منخفضة بالنسبة للأميركيين. كما أنه كلما أسرف الأميركيون في شراء السلع الصينية الرخيصة، كلما وفر ذلك المزيد من الوظائف للعمال الصينيين وأبقى القادة في السلطة. وهذا بالضبط ما جعلك تشتري منزلا بفائدة منخفضة.

ولعل تلك العلاقة التعاضدية بين أميركا والصين هو ما يدفعني لأن أطلق عليها اسم التوأم السيامي. لكن عوض أن تكون هذه العلاقة ناجحة ومفيدة للطرفين، نجد أن هناك بعض الاختلالات التي تعتريها، خصوصا مع ما نشهده من تسرب جارف للدولارات والوظائف نحو الصين. وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في تلك الصفقة لأن ثمنها السياسي والاقتصادي سيصبح باهظا بالنسبة لبوش، لا سيما إن استمرت الصفقة بمقوماتها الحالية. وأول خطوة تقوم بها الصين لتصحيح ذلك الخلل هو الرفع من قيمة عملتها بالمقارنة مع الدولار، وذلك حتى يُقبل الصينيون الكثر في العالم على شراء بضائعنا، ونُقلل نحن من نهمنا على السلع الصينية التي لن تبقى رخيصة الثمن لمدة طويلة.

غير أنه إذا أُرغمت الصين على خفض عملتها، والذي سيؤدي بدوره إلى خفض الدولار، فإنها ستتضرر من ذلك الإجراء بالنظر إلى الاحتياطي الضخم الذي تحتفظ به من الدولار حيث يصل إلى 750 ملياراً. ومن المتوقع أن يرتفع إلى ترليون دولار في السنوات القليلة المقبلة. ويضيف البروفيسور "ويبر" في هذا الصدد أنه "في حالة انخفاض قيمة الدولار مع ترافق ارتفاع نسب الفائدة، فإن من شأن ذلك أن يدخل الولايات المتحدة مرحلة من الركود الاقتصادي المزمن. لكن المشكلة بالنسبة للصين أخطر بكثير، ذلك أنه إذا ارتفعت قيمة العملة الصينية بشكل حاد ونتج عن ذلك ارتفاع كبير في معدل البطالة، فإن العواقب لن تكون أقل من تفجير ثورة ضد الحزب الشيوعي الحاكم».

لذا أجدني أكرر مرة أخرى أن المشكلة مع الصين ليست في شراء شركة “يونوكال” أو أية شركة أخرى قد ترغب بكين بضمها، بل تكمن أساسا في تلك العلاقة التعاضدية التي باتت تربطنا مع قوة عالمية غير ديمقراطية لا نستطيع فك الارتباط بها دون التسبب في زعزعة الاستقرار في منطقة هامة واستراتيجية بالنسبة للمصالح القومية الأميركية.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)