أزمة الحدود اللبنانية السورية، التي تجددت في اليومين الماضيين، هي إسهام إضافي في المنطق القائل ان المجتمع الدولي يعتبر أن تنظيم العلاقات بين بيروت ودمشق يتقدم على ترتيب الوضع على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. والمسألة لا تعتمد على الاولويات اللبنانية، ولا تستند الى الحرص الدولي على الاقتصاد اللبناني وعلى التجارة الحرة بين البلدين، برغم ان مشهد الشاحنات المتكدسة على الحدود لا يسر أحدا، ولا يخدم أي غرض.

وبرغم الفارق الجوهري بين الوضع على الحدود بين لبنان وسوريا حيث تستخدم الذريعة الأمنية لتسوية حسابات سياسية، وبين الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل حيث تستغل الذرائع السياسية لتسوية حسابات أمنية، فإن المجتمع الدولي لا يجد صعوبة في قياس المخاطر وفي تحديد جدول أعماله اللبناني، الذي أدخلت عليه تعديلات طفيفة أملتها الظروف والوقائع المحلية.

لكن قرار مجلس الامن الدولي الاخير الرقم 1614 بالتجديد للقوات الدولية في الجنوب، لا يدخل ضمن هذه التعديلات. كما ان مهمة مبعوث الامين العام للامم المتحدة غير بيدرسون الاخيرة في بيروت، لا تعكس تحولا في الموقف الدولي من تنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559، الخاص بنشر الجيش اللبناني في الجنوب وتجريد حزب الله من سلاحه.

حُملت محادثات المبعوث الدولي غير بيدرسون مع المسؤولين اللبنانيين أكثر بكثير مما تحتمل. فهو كان مكلفا كما جرت العادة بأن ينقل الى الحكومة اللبنانية مضمون قرار مجلس الامن الاخير الرقم 1614، الذي يتقدم خطوة صغيرة على القرارات السابقة الخاصة بالتجديد للقوات الدولية في الجنوب، والتي طالبت كلها السلطة اللبنانية ببسط سيطرتها في الجنوب ونشر الجيش اللبناني على الحدود، عندما يشير إلى أن الأمين العام سيسأل لبنان عما فعله من اجل الالتزام ببنود ذلك القرار، قبل ان يحين موعد التجديد لهذه القوات في كانون الثاني المقبل.

كان الهدف من محادثات بيدرسون ابلاغ الحكومة اللبنانية مجددا ان نشر الجيش في الجنوب هو مطلب دولي لا يمكن نسيانه او التغاضي عنه، وإن كان يمكن التساهل في موعد تنفيذه. فالمجتمع الدولي يدرك ان الامر يتطلب حوارا داخليا، والاهم من ذلك انه يتطلب استقرارا داخليا يتيح نقل وحدات من الجيش اللبناني من العاصمة وبقية المناطق التي أخلاها الجيش السوري الى المنطقة الحدودية..

وثمة في المجتمع الدولي من كان وربما لا يزال يفضل ان يتم نشر الجيش اللبناني على الحدود الشرقية للبنان بدلا من الحدود الجنوبية، ولاسباب لا علاقة لها بضمان الامن اللبناني الداخلي: اذا استمر تكدس الشاحنات على المعابر فإن مثل هذا الاستخدام الخطر للوضع اللبناني يمكن ان يتحول الى أولوية دولية قصوى.

مصادر
السفير (لبنان)