إن المقابلة التي أجرتها الصحافية الإيطالية السويسرية المعروفة سيلفيا كاتوري لحساب موقع "شبكة فولتير" تحت عنوان "الاستعمار القانوني – اغتيال رفيق الحريري: هل لا يزال أولئك الذين كان الزناد بيدهم يملكون فصل القول ؟" مع الكاتب يورغن كاين كولبل ، أخرجت الكاتب لدى "در شبيغل" هنريك مودس برودر عن طوره وهو "المحامي" المدافع عن سياسة دولة إسرائيل الحديثة، التي كانت تلك الحرب الإجرامية ضد لبنان آخر منجزاتها ، والذي جعل من هذه الحرب حربا مقدسة في عالم الإعلام الألماني، يبدو أنه لم يستطع أن يتمالك نفسه عن إشعال معركة إعلامية مع صاحب المقابلة.
إن المقابلة التي أخذت مسارها على الأثير الإلكتروني العالمي يوم الجمعة 22/9/2006 على موقع شبكة فولتير بتسع عشرة صفحة باللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية (سوف يدرج النص العربي قريباً على الشبكة) ، عرضت على أنها "وثيقة تاريخية" لأنها تحتوي على أدلة جديدة على اشتراك الموساد الإسرائيلي باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005 وعلى عمليات التحقيق "الموجهة" التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية التي كانت برئاسة المدعي العام في برلين سابقا، ديتليف ميليس" وأصبحت الآن برئاسة القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، وكذلك تحتوي هذه المقابلة على معلومات جديدة حول التعاون الذي قام بين ميليس وأجهزة المخابرات الدولية في موضوع الهجوم بالقنابل الذي تم على ديسكوتيك "لا بيل" في برلين – فريدنلو في شهر نيسان 1986 حيث قتل جنديان أمريكيان وفتاة تركية. وقد توصل ميليس حينذاك ، بناءاً على رسائل بالتيليكس ، لا تزال موضع شك ، و يفترض أنها وجهت من ليبيا إلى المعتدين ، إلى أن حكومة القذافي كانت وراء هذا الإعتداء . و الآن يقدم كولبل أدلة جديدة مضادة.
إن الكاتب الذي نشر في آذار/ مارس 2006 كتابه "اغتيال الحريري-أدلة مخفية في لبنان" يجد نفسه الآن في مرمى قذائف دولية إذ أنه لفت النظر إلى وجود شبكة تضم مجموعة من المحافظين الجدد الأمريكيين والإسرائيليين اليمينيين وبعض من لبنانيي المنفى. ويعتقد حسب قناعته، أن هذه الشبكة هي التي خططت ونفذت مؤامرة الاغتيال هذه. وهذا بالطبع يتناقض مع رغبات الإدارة الأمريكية التي ترغب أن ترى سورية في قفص الاتهام.
وهكذا رأى نفسه رئيس الوزراء البريطاني، طوني بلير، بعد الانتشار الواسع الذي أحرزته الترجمة العربية لهذا الكتاب، مضطرا للتصريح في مؤتمره الصحافي الشهري بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2006 في 10 داونينغ ستريت، أن مضمون هذا الكتاب وتلك الأقوال والشهادات العامة لا تعدو كونها "نظرية مؤامرة". وقد أجاب بلير على سؤال أحد الصحافيين عن رأيه بنظريات الكاتب الألماني يورغن كولبل الذي يعتبر الموساد والسي آي إي مدبري العملية –وهذا ما لم يدعيه المؤلف في الحقيقة- بالقول مدهوشا: "الموساد والسي آي إي؟" ليتمالك نفسه بعد ذلك ويقول: "هي نظريات المؤامرة التي اعتدنا على سماعها والتي لا تضيف إلا العبث لأي نقاش جدي". ولكن رئيس الوزراء الذي أنكر بعنف كل تحليلات المؤلف، لم يستطع إلا أن يعترف بأنه لم يقرأ الكتاب. ولم تتورع اللجنة الأمريكية من أجل لبنان الحر وحكومة المنفى اللبنانية االيمينية، التي تتخذ من القدس مقرا لها، عن شن هجوم مركز ووصف خبير الجرائم الألماني كولبل "بالغبي أو الأحمق".
أما برودر المعروف بسوء سلوكه وبهيجانه وانفعاله إذا كان الأمر يتعلق بشرف وطنه المعنوي إسرائيل، فقد ظن أن الفرصة قد واتته.
وهنذا راح هذا "القلم العريق" يستمتع ويتلذذ باتهام المؤلف بأنه مخرب شيوعي سابق وسماه على موقعه الإلكتروني "مريضا اجتماعيا". وهكذا راح فريقه من الشتامين يعملون في الخفاء ليسيئوا لسمعة يورغن كاين كولبل على كل الأصعدة الشخصية والمهنية والعائلية وحتى الجنسية. أما كتاباتهم وحقاراتهم "الصحفية" التي لا نريد ذكرها لأسباب تتعلق بأخلاق المهنة, والتي تضعها تلك الكلاب المسعورة التي لا تفصح عن أسمائها وتأتمر بتوجيهات برودر، في الإنترنت بلا هوادة، فهي الآن موضع تحقيق من وجهة نظر جزائية، كما نمي إلي.
إن الاضطراب والعصاب الذي أصيب به برودر وشدة حملة الإهانة وتشويه السمعة وكذلك اختيار وقت هذه الحملة والهجومات على الكتاب والعمل السياسي لمؤلفه، هي أدلة لا يرقى إليها الشك على أن يورغن كاين كولبل يسير على الطريق الصحيح في تحقيقاته وقد هاجم عش الدبابير حقا. لقد أساء برودر بنفسه إلى مسعاه لأنه، ولو بشكل غير مباشر، عرى أولئك المهتمين بمحاربة أبحاث كولبل ودراساته التي سلمها إلى محكمة عسكرية سورية بتاريخ 11 أيار/مايو الماضي كمستندات رسمية لترفع بعد ذلك إلى لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري، محاربة لا هوادة فيها.
ومن الواضح أنه ليس من قبيل الصدفة أن اسم هذا الصحافي العامل لدى "در شبيغل" يرد دائما بالارتباط مع "معهد الدراسات الإعلامية للشرق الأوسط" (ميمري) والذي يسمى "جبهة الموساد الأمامية" في الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى الأقل فإن موقع برودر الإلكتروني يظهر شواهد على ذلك. أما مؤسس معهد ميمري فهو عميل المخابرات الإسرائيلي ييغال كارمون، الذي أصبح لاحقا مستشارا لشؤون الإرهاب لدى الحكومة الإسرائيلية، وهو الذي أسس هذه "الجوقة" سنة 1998 مع ميراف وورمزر وهي من أتباع زئيف جابوتنسكي صاحب نظرية طرد الفلسطينيين قاطبة من ديارهم وأحد المفكرين الأوائل بإنشاء دولة إسرائيل اليهودية العنصرية. و وورمز هذه مديرة قسم الشرق الأوسط في "معهد هدسون" الذي ينتمي ريتشارد بيرل إلى مجلس إدارته. ويعتبر بيرل المحرك الأساسي لسياسة الشرق الوسط في حكومة الولايات المتحدة الحالية. كذلك فإن وورمز تنتمي إلى "منتدى الشرق الأوسط" الذي يديره دانييل بايبس والذي تجمعه بكارمون صداقة خاصة على قاعدة بغضهما للعرب. أما دافيد وورمز، زوج ميراف وورمز، فهو مستشار ديك تشيني لشؤون الشرق الأوسط. إنه حقا لأمر محير وما اشبهه بسفاح القربى.
وما هو أشد وقعا وأمر وأدهى من كل ذلك هو حقيقة أن كارمون كان في المخابرات الإسرائيلية واحدا من قادة "الوحدة 504" المعروفة أيضا باسم "الموساد الصغير". وقد كانت هذه الوحدة مكلفة باستدراج وتجنيد عملاء ومخبرين في الدول العربية. كما كانت مسؤولة أيضا –حسب أقوال الناطق الرسمي السابق لقوات الأمم المتحدة في لبنان الجنرال تيمور غوكسيل_ عن قيادة "جيش لبنان الجنوبي". وكان يتم تدريب عملائهم العرب على "حرب العصابات والقتل واختراق المنظمات والسلطات واستخدام أحدث الأساليب في تفخيخ السيارات". لقد تمت إعادة تفعيل هذه الوحدة سنة 2000 وتتهم بأنها كانت ضالعة في حوادث الاغتيال في العامين الماضيين في لبنان. وقد استطاعت الاستخبارات العسكرية اللبنانية في أيار وحزيران / مايو ويونيو الفائتين، كشف عدة "شبكات تجسس لصالح الموساد".
إن أحدث مهمة لكارمون هذا المعروف بتأييده الصريح لاستخدام التعذيب بكل وسائله أثناء التحقيق، هي تنظيم حملة إعلامية لتشويه سمعة العالم العربي واتهام العرب باللاسامية وإخراج سيناريو يهدد إسرائيل لتبرير مواقفها. وقد أطلق على الفلسطينيين والعرب عامة صفات كمعاداة السامية والتعصب والتطرف واللاعقلانية، كما وصفهم بأنهم ليسوا أهلا للحوار.
وهكذا فإنه من شبه المؤكد أن برودر قد انضم إلى هذا النادي منصاعا لأوامره انصياعا تاما. أما إذا كان قد طلب إليه أن يبدأ حملة مسعورة ضد يورغن كاين كولبل لأن هذا الأخير قد ركز هجومه على الموساد، فهذا أمر مرجح ولو كان غير مؤكد. أما الأكيد فهو أن برودر سيضع نفسه بكل غباء خارج حلبة الصحافة الشريفة بعد هذا الفشل، إذا استمر فيما أمر به من القيام بحملات تشويه سمعة وقدح وذم، وما عليه حينذاك إلا أن يخرج من الحياة الصحافية الفاعلة ويقبع منذ الآن مكتفيا بالكتابة لصالح "در شبيغل".
ترجمة: الدكتور هاني صالح