بعدما اتسمت المرحلة السابقة لاذاعة التقرير الاجرائي لديتليف ميليس المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالانتظار والترقب، فإن المرحلة الفاصلة عن تقريره النهائي والعملاني، سوف تكون مليئة بالنشاط السياسي الهجومي او الاحتوائي، لا سيما أن المؤشرات المتعلقة بإحالة ملف الجريمة إلى المحكمة الدولية باتت أقوى من السابق، وهي تترافق مع استمرار تعطل الدولة واستمرار تمنع الحكومة عن اجراء التعيينات والتشكيلات الضرورية في مؤسسات الدولة الامنية والقضائية.
وبينما قالت اوساط متابعة ان كبار الشخصيات السياسية ما تزال تضع نفسها ضمن حصار أمني وحتى إشعار آخر، فإن اجتماعات واتصالات جرت وسوف تجري في إطار مواجهة ما يمكن أن يخرج به التقرير النهائي لميليس الذي عاد أمس الى بيروت قادما من فيينا، بعدما كان قد التقى في جنيف نهاية الاسبوع الماضي دبلوماسيَين سوريَين نقلا اليه موافقة سوريا على اجراء مقابلات بينه وبين من يريد من المسؤولين السوريين، وهو الموقف الذي كان الرئيس السوري بشار الاسد قد اعلنه في حديث تنشره، اليوم، مجلة <<دير شبيغل>> الالمانية، وفيه ان سوريا تجد من مصلحتها تقديم كل عون للجنة التحقيق الدولية وأن بمقدور رئيس اللجنة مقابلة من يشاء من المسؤولين السوريين، مكررا نفيه وجود أي علاقة للقيادة السورية او لاجهزة الاستخبارات السورية بالجريمة.

حل مع سوريا

وقالت مصادر مطلعة ل<<السفير>> ان البحث بين دمشق وميليس ينطلق من حسابات سورية واضحة تقول بأن معالجة الثغرة التي يتحدث عنها ميليس تنطلق من آلية يجري إعدادها بين سوريا والامم المتحدة التي يفترض ان تبادر لاحقا الى ابلاغ المحقق الدولي بها، <<اذ ان الامر لا يتم عادة من خلال مفاوضات بين دولة وبين محقق منتدب من قبل الامم المتحدة>>.

وتوقعت المصادر ان يكون هناك حل للامر خلال ايام قليلة، خصوصا ان سوريا تعتقد ان ما سوف يسمعه ميليس من المسؤولين فيها <<سوف يوضح له الكثير من الامور والمسائل وسوف يكون له اثره الكبير على ما يقوم به المحقق الالماني>>. ولم تستبعد المصادر ان يصار الى ترتيب لقاءات لميليس مع عدد من المسؤولين السوريين في مقر وزارة الخارجية السورية.

وذكّرت المصادر بأن سوريا سبق ان تعاونت مع ميليس عندما ارسل لها كتابا طلب فيه ما لديها من معلومات ومعطيات حول الجريمة. وأن جوابا رسميا سوريا وصل الى المحقق الدولي من خلال الامم المتحدة وفيه كل ما بحوزة سوريا من معلومات ومعطيات حول الجريمة وحول تفاصيل تخص التحقيقات حولها.

ونقلت المصادر عن مسؤولين سوريين ان دمشق سوف تنتظر مثل الآخرين التقرير النهائي، وهي تعتقد ان ميليس امام خيارين، إما المحافظة على الاطار المهني لعمله، وسوريا لا تخشى <<نتائج عمله المهنية والقضائية>>، وإما الانصياع الى ما تسعى اليه اطراف غربية عبر توجيه اتهامات سياسية، الامر الذي سوف يخرب عمل لجنة التحقيق الدولية برمته.

ويشرف ميليس خلال الايام العشرة المقبلة على المسح النهائي لمسرح الجريمة قبل ان يعلن الانتهاء منه وتباشر الجهات اللبنانية المعنية إزالة العوائق وردم الحفرة وفتح الطريق هناك، على ان يجري المزيد من المقابلات مع نحو خمسين شاهدا كما اعلن هو في تقريره الاجرائي الذي رفعه الخميس الماضي الى مجلس الامن.
من جانبه، قال وزير العدل شارل رزق <<انه من الافضل ان لا نستبق نتائج التحقيق، والشيء الذي ازعج سوريا وعدة اطراف غيرها ان بعض الناس انبروا وتطوعوا كأنهم الناطقون باسم ميليس، وقد أكد لي ميليس انه منزعج من الحملات التي اطلقت ومن الذين يتمنطقون بالكلام عن لسانه. فهذا الشيء يضر بالتحقيق ويضر بميليس>>.

جنبلاط

واللافت للانتباه في المواقف، امس، ما اعلنه رئيس <<اللقاء الديموقراطي>> النائب وليد جنبلاط من <<ان الحقد هو الذي قتل رفيق الحريري، العربي والسني الاول في لبنان، وبعد كشف الحقيقة وأعتقد انها مسألة اسابيع، لا بد من التأكيد مجددا على المشروع المشترك مع الحريري منذ العام 1982 الى حين اغتياله، اي التأكيد على اتفاق الطائف والعلاقات المميزة مع العمق العربي، أي سوريا، وحماية المقاومة والمطالبة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتحسين ظروف المخيمات>>.

وقال جنبلاط في تصريح له: <<لم نطالب باستبدال الوصاية العربية بوصاية السفارات التي إذا ما استفحلت سوف تؤدي الى تغيير عقيدة الجيش اللبناني وتحولها من عقيدة ضد العدو الاسرائيلي ومع حماية المقاومة الى عقيدة تعمل كما يريد القرار 1559>>، مشيرا هنا الى <<جهود رموز عدة مثل احمد الخطيب وغيره من الضباط والجنود الذين تركوا ولم تجر لهم أي تسوية لأوضاعهم وهم اهم بكثير من رموز التمرد وحربي التحرير والالغاء الذين طالبت بعض الاوساط بتسوية أوضاعهم على حساب الغير>>، وكرر رفضه القرار 1559 معتبرا ان تجريد المقاومة من سلاحها كما يريد الغرب سيكون مقدمة لقيام 17 ايار جديد.

المخيمات

من جهة ثانية، أثار جنبلاط مجددا ملف المخيمات الفلسطينية، قائلا ان هناك فرقا كبيرا بين المطالبة بسلاح المخيمات بحجة ان هذه الامكنة قد تصبح بؤرا وبين تنظيم هذا السلاح على غرار ما هو قائم في مصر والاردن وسوريا أي من خلال اطار كجيش التحرير الفلسطيني ويكون بإمرة الجيش اللبناني .

وفي السياق نفسه، يترأس رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اليوم، اجتماعا يضمه والنائبين بهية الحريري وأسامة سعد ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بحضور مسؤولين من <<حزب الله>> و<<أمل>> في عين التينة لمتابعة الاوضاع الاجتماعية والسياسية في صيدا والجنوب والمخيمات الفلسطينية. وعلم أن البحث سوف يتناول بشكل رئيسي إعداد ورقة عمل لبحثها مع الجانب الفلسطيني بغية البحث عن آلية لتنظيم العلاقة بين المخيمات ومحيطها السياسي والاجتماعي من جهة وبينها وبين مؤسسات الدولة من جهة ثانية.
وعلم في هذا السياق، أن وزارة الخارجية اللبنانية أعدت مسودة اتفاق سوف تقدم الى السلطة الفلسطينية لاجل تنظيم العلاقات بين الجانبين، ويركز الاتفاق على اعادة التمثيل من خلال مكتب خاصة لرعاية الشؤون الفلسطينية في لبنان يتولاه اشخاص من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، والمزيد من البحث في الامور التي تخص الوضع الانساني للاجئين في مخيمات لبنان والدخول في بحث لمعالجة بعض المشكلات القائمة ولا سيما مذكرات التوقيف والاحكام الغيابية الصادرة بحق قياديين فلسطينيين وفي مقدمهم سلطان ابو العينين.

مصادر
السفير (لبنان)