عملية الإخلاء التي انتهت في هذه الأثناء أثبتت ولا شك أن الأمور الإيجابية ممكنة أيضاً في إسرائيل المحتلة، المتعبة والمنقسمة.
لقد أثبت الإخلاء الناجح أنه يمكن إخلاء مستوطنات يهودية في حال توافر التصميم، الاستعداد والمناورة لدى المستوى السياسي. فبرغم الشكوك، تبين أنه إذا اتخذ المستوى السياسي قراراً سياسياً بإنهاء احتلال المناطق الفلسطينية، وفي حال تمسكه بهذه المهمة وإظهاره الاستعداد للمخاطرة السياسية لاتمامها والوفاء بتعهداته أمام الجمهور الإسرائيلي والأسرة الدولية، ساعتئذ لن تحافظ الحكومة على وجودها فحسب، بل إنها تملي جدول الأعمال وتخرج معززة.
أثبت الاخلاء الناجح أيضاً أنه إذا قامت قوات الأمن على اختلاف وحداتها بالاستعداد المناسب وتلقت تعليمات واضحة، فإنها تكون قادرة على تنفيذ مهمة صعبة واظهار رباطة جأش لم نشهد مثلها حتى الآن. في هذا السياق، لم يبقَ سوء إبداء الأسف على أن قوات الأمن لا تخضع العملية نفسها من الاستعداد العقلي والجسدي خلال تصديها للسكان الفلسطينيين ولمواطني إسرائيل الذين يسقطون أكثر من مرة ضحايا بطش الشرطة. هذا الأمر صحيح بشكل خاص إزاء العرب في إسرائيل وجمهور المهاجرين.
أثبت الإخلاء الناجح وبما يتجاوز كل الحدود أن ثمة شريكا فلسطينيا يمكن التفاوض معه والتوصل إلى اتفاق دائم. فأبو مازن أظهر سيطرة على ما يحصل في المناطق الفلسطينية، شل منظمات الرفض، ومرت عملية فك الارتباط في هدوء أمني شبه نموذجي. ويبدو ان القيادة الفلسطينية الحاضرة تتوجه نحو بناء الأمة وليس لمواصلة الكفاح المسلح ضد إسرائيل. لكن من شأن هذا الأمر أن يتغير في حال إخفاق إسرائيل في أن تطرح على أبو مازن أفقاً سياسياً واضحاً، بحيث يجب أن يشمل هذا الأفق خلال الفترة القريبة جداً إخلاء المواقع الاستيطانية غير القانونية والعودة إلى خارطة الطريق.
أثبت الإخلاء الناجح أن المجتمع الإسرائيلي بكل أطيافه ناضج لإنهاء تاريخي للاحتلال وللسير نحو السلام الشامل، العادل والقابل للحياة مع الفلسطينيين ومع العالم العربي أجمع. وحتى الجَناح اليميني المعتدل في المجتمع الإسرائيلي، الذي لم يوافق على قرار الحكومة بفك الارتباط عن غزة وشمال الضفة، أو الذي عارض طريقة اتخاذ القرارات ـ أدرك واستوعب أن جوهر الديموقراطية الإسرائيلية هو تحمل المسؤولية المشتركة عن أفعالنا.
في مقابل كل ذلك، أثبت الإخلاء أن في المجتمع الإسرائيلي نواة دينية ـ قومية ـ مسيحانية، لم تقبل، وعلى ما يبدو لن تقبل أبداً، سلطة النظام الديموقراطي. هذه النواة ستحاول بكل الوسائل المتاحة لها تفويض الأساس غير الصلب كثيراً للديموقراطية الإسرائيلية، وذلك بقصد واضح لتدميرها. وهذه النواة لن تتردد في استخدام كل الوسائل، بما في ذلك الاغتيال السياسي لليهود والعرب على السواء، لمواطنين عاديين أو للقيادة السياسية. هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً وجودياً على الديموقراطية، وينبغي للجهاز القضائي ومنظومة فرض القانون إعلانهم خارجين عن القانون ليس بالمفهوم التصريحي فقط، كما يحصل اليوم، بل بالمفهوم العملي، أي تفكيك التنظيمات المتشددة واعتقال ناشطيها.
في ضوء كل ما ورد، على حكومة إسرائيل الحاضرة وعلى الحكومة التي ستأتي بعدها، مواصلة العملية التي بدأت بإخلاء غزة وشمال الضَفة، وزيادة نجاحها حتى تحقيق سلام حقيقي مع جيراننا، لأن في ذلك الضمانة الوحيدة للحفاظ على إسرائيل كبيت قومي لليهود، لا كقطعة أرض هذه أو تلك.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)