بدأ سنة العراق يعدون العدة لمنع تبني الدستور الذي انتقدوه بشدة فور اقرار صيغته النهائية الاحد، وحضوا العراقيين على اسقاطه في الاستفتاء المقرر اجراؤه في 15 تشرين الاول، بعدما فشلوا في فرض مطلبهم الرئيسي، وهو اقامة نظام مركزي وليس فيديرالي، مما يمهد لنزاع سياسي حاد في البلاد ويثير مخاوف من تزايد أعمال العنف التي قال الرئيس الاميركي جورج بوش إنها "تفطر قلبه"، وإن يكن أكد انه "متفائل جدا" بمستقبل العراق، وقلَل أهمية الخلافات على مسودة الدستور.

وصرح الامين العام لـ"الحزب الاسلامي"، اكبر تشكيل سني في البلاد، طارق الهاشمي في مؤتمر صحافي في مقر الحزب ببغداد إن "مسودة الدستور تحتوي على عناصر خير وشر وسوف نتصدى للعناصر التي تقف ضد مصلحة البلد والعراقيين". وقال ان المسودة تتضمن نقاطا خلافية "غير مقبولة على الاطلاق بالنسبة إلينا لان ذلك في تصورنا يفتح الباب على مصراعيه امام مستقبل مجهول... ونحن لم نوقع مسودة الدستور لكونها جاءت على خلفية الاستحقاق الانتخابي وليس التوافق السياسي"، لافتاً الى ان دور ممثلي الاطراف المغيبين لم يتعد "دوراً استشاريا". وأضاف أن "المفاوضات انتهت الان وبدأ دور الشعب العراقي للضغط على الجمعية لتغيير هذه المسودة".

وقال الناطق الرسمي باسم "مجلس الحوار الوطني" السني صالح المطلك: "لسنا سعداء ونرفض هذا الدستور". ونبه الى ان "كل من يحاول فرض وجهات نظره بالقوة عليه أن يتوقع تصاعد موجة العنف". وتحدث عن عقد مؤتمر يضم العديد من التنظيمات السنية في وقت لاحق لمناقشة مسودة الدستور. واضاف "أننا سندعو الناخبين الى افشال المسودة خلال عملية الاستفتاء المقبلة".

وتظاهر مئات من سكان محافظة صلاح الدين، معقل الرئيس السابق صدام حسين، معلنين رفضهم القاطع لمسودة الدستور التي اتفق عليها زعماء الكتل السياسية في العراق ورحبت بها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامين العام للامم المتحدة كوفي انان، على رغم رفض ممثلي العرب السنة لها.

وانطلق المتظاهرون من امام مقر "هيئة علماء المسلمين" السنة في وسط مدينة تكريت على 180 كيلومتراً شمال بغداد، معلنين رفضهم القاطع لمواد في مسودة الدستور.

وبموجب قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي وضعه مجلس الحكم الانتقالي (2003-2004)، يمكن ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات منع اقرار مسودة الدستور، مما يعني ان في امكان المحافظات السنية الثلاث الانبار وصلاح الدين ونينوى الحؤول دون اقرار مسودة الدستور.

البارزاني

ورحب رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني باقرار مسودة الدستور بصيغتها النهائية، داعيا ًجميع اكراد العراق الى تأييدها في الاستفتاء. ولئن أقر بوجود "تحفظ من الاخوة السنة العرب"، اعتبره "جزءا من الديموقراطية"، وإن يكن شكك في الصفة التمثيلية للمفاوضين السنة. وقال: "لا احد يستطيع ان يدعي انه يمثل كل العرب السنة".

وبدا رئيس الوزراء العراقي ابرهيم الجعفري حازماً في ما يتعلق بحزب البعث، اذ قال: "لا مكان" للحزب في العراق الجديد، ودعا البعثيين الى فتح صفحة جديدة مع الحكومة العراقية.

وتمهيدا للاستفتاء، تحدثت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن نشاطاتها، وخصوصاً في المحافظات السنية التي قاطعت الانتخابات العامة في كانون الثاني الماضي. وفي محاولة لتشجيع السنة على التصويت في الاستفتاء المرتقب، صرح نائب مجلس المفوضين صفوت رشيد: "قررنا تمديد فتح تسجيل الناخبين في محافظة الانبار حصراً مدة اضافية اسبوعاً واحداً فقط تنتهي الاربعاء الذي يصادف السابع من ايلول"، وأن هذا القرار اتخذ "نظرا الى عدم توافر الفرصة الكافية امام الناخبين في محافظة الانبار لمراجعة مراكز تسجيل الناخبين والتي تأخر فتحها لاسباب لوجيستية وامنية".

وكانت محافظة الانبار السنية التي تضم خصوصاً مدينتي الفلوجة والرمادي الساخنتين قاطعت الانتخابات العامة.

كذلك، أعلنت المفوضية في بيان انها فتحت باب تسجيل اسماء الكيانات والائتلافات السياسية التي ستشارك في الانتخابات العامة المقررة في كانون الاول المقبل. وقالت أن باب التسجيل سيظل مفتوحا حتى الخامس من شهر ايلول المقبل "ولن يقبل أي طلب بعد ذلك التاريخ".

"القاعدة"

وفي دبي، هددت مجموعة سنية مسلحة مرتبطة بتنظيم "القاعدة" في العراق في بيان على شبكة الانترنت بضرب مكاتب الاقتراع في الاستفتاء. وقال البيان المنسوب الى "جيش الطائفة المنصورة" التي تبنت في الماضي هجمات عدة على القوات الاميركية ورجال الشرطة والشيعة في العراق: "نعلن ان جميع مراكز التصويت معلومة ومثبتة لدينا كأهداف... هذا انذار لكل من استدرجه الشيطان و استحوذ عليه وسولت له نفسه بأن يكون وليا للكافر ". واضاف ان "المشاركة في الدستور الذي حيك في اروقة البيت الابيض تعتبر ردة وكفر".

بوش

وفي الميراج بولاية أريزونا، قال بوش خلال محطة قصيرة: "انا متفائل جدا بالعراق لانني أولا اعتقد ان في اعماق نفس كل شخص، ثمة رغبة في أن يكون حرا... هناك تطورات في العراق تبعث على الامل... اعرف انكم تشاهدون اعمال العنف على شاشات تلفزيوناتكم ورؤية أبرياء يقتلون هناك تفطر قلبي. لكن هذا هو الشيء الوحيد الذي يستطيع الارهابيون القيام به". وقلل اهمية الخلافات على مسودة الدستور، قائلا: "عوض استخدام السلاح لتقرير المصير، اجتمع العراقيون من كل اطياف المجتمع وكتبوا الدستور. هذا الدستور يحترم حقوق المرأة وحرية الاديان... لم يتفق الجميع عليه، لكن العراقيين صاروا الان يقررون ويتناقشون وسيقررون هذا الخريف ما اذا كان هذا الدستور هو الدستور الذي سيحكم مجتمعهم". وختم: "أننا نضع اسس السلام وهذه مهمة صعبة. لكنني اود ان اؤكد لكم من اجل احفادكم واحفاد احفادكم، ان هذه السياسة ترسي اسس السلام، لاننا ندرك ان المجتمعات الحرة هي مجتمعات مسالمة".

مصادر
النهار (لبنان)