المؤشرات الاولى في العاصمة اللبنانية تظهر حجم الآثار التي سيحملها اعلان نتيجة التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. وذلك بغض النظر عن حيثيات الاتهام التي سيتضمنها التقرير وتحديد المسؤوليات الشخصية وراء الاتهام، رغم الاهمية الفائقة بالنسبة الى التطورات اللاحقة في البلد.

ويمكن تلخيص الجدل الحالي، بعد التسريبات المتعلقة بالتحقيق والشهادات التي استمع اليها المحقق الالماني ديتليف ميليس، بوجهتي نظر. الاولى تشكك مسبقاً بالتحقيق بحجة «تسييسه»، اي توجيه الاتهام الى طرف او أطراف من أجل ادانتها سياسياً بجريمة الاغتيال بغض النظر عن الوقائع. والثانية تنطلق من أن التحقيق نزيه وينبغي انتظار نتيجته لانه سيظهر «الحقيقة» التي يُظن انها ستؤكد الاتهامات العفوية التي انطلقت بعد الجريمة، بما فيها كون الاغتيال هدف الى تطويق معارضة النفوذ السوري وحلفائه في لبنان. اي انه يؤكد وجهة نظر سياسية في قضية العلاقات اللبنانية - السورية.

وكما كانت الرواية لجريمة الاغتيال، بعيد حصوله، ترتبط عضوياً باتهام ضمني ما بالمسؤولية عنه وتعكس موقفاً سياسياً من هذه العلاقات، يرتبط الموقف المسبق من التقرير بهذه الرواية. وليصبح انعكاساً للانقسام الذي حصل في البلد بعد الاغتيال، والذي دخل في مرحلة كمون بفعل الاضطرار الى التحالفات في الانتخابات النيابية في الشكل الذي حصلت فيه.

وسمعنا في الاسبوع الماضي من مرجعيات شيعية تتأثر بأجواء الحلفاء اللبنانيين لسورية كلاماً يتهم ميليس بالصهيونية ويحذر من «التسييس»، في محاولة مسبقة لرفض نتيجة التحقيق في حال تضمنه ما يطول عناصر التركيبة اللبنانية - السورية السابقة. وسمعنا من مرجعيات سنية كلاماً يحذر من خطورة الحكم سلفاً على نتيجة التحقيق، في محاولة للتشديد على ان «كشف الحقيقة» يقتضي ليس فقط الاقتصاص من الفاعلين وانما أيضاً استخلاص النتائج السياسية لاغتيال شخصية سنية بحجم الحريري. وبذلك يبدو ان الموقف من تحقيق ميليس ونتائجه يعكس التوجه السياسي المسبق المرتبط بالموقع الطائفي، لينتكس البلد الى ما قبل 14 آذار، والانقسام الذي شهده في شأن الانسحاب السوري تطبيقا للقرار الدولي الرقم 1559.

ولا تخرج عن مثل هذه الحسابات مواقف الاطراف اللبنانية الاخرى، اذ في تأييد هذا التفسير او ذاك لمعنى نتائج التحقيق حسابات طائفية ترتبط بالتأكيد بالتوازنات الداخلية. وقد تجد الالتباسات التي تصدرعن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي تزعم الحملة من اجل لجنة تحقيق دولية وكشف الحقيقة في اغتيال الحريري ولاتمام الانسحاب السوري، تفسيرا لها في هذا النوع من الحسابات، خصوصا في حال تضمن التقرير ما يعيد المطالبة بالحاح باستكمال تنفيذ القرار 1559.

وكما ضاعت الظاهرة التي مثلها 14 آذار (مارس)، والتحالفات العابرة للطائف التي كان يفترض ان ترسيها الانتخابات البرلمانية، قد تضيع «الحقيقة» التي يبحث عنها اللبنانيون، عبر لجنة التحقيق الدولية. اذ ما كان همساً بين الناس العاديين بات يُعبر عنه في تصريحات علنية، وهو ما يمهد لاحتمالات الانقسام الكبير مع اعلان نتائج التحقيق. لكن هذه المرة، وفي ظل الاجواء الاقليمية المحتقنة، لن تكون سهلة محاولات محاصرة هذا الانقسام، هذا اذا وجد من يهتم ببذل مثل هذه المحاولات.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)