ساد استخدام مصطلح "الجماهير" في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وكانت القوى السياسية "التقدمية" تعتبر أن استخدامها لهذا المصطلح يعبر عن الجمهور المستهدف من قبلها.

وبالطبع فإن هذا المصطلح لم يكن موجودا في "التراث" الذي يستخدم عدة تعابير، فالغزالي قسم الناس إلى: العامة، والخاصة و "خاصة الخاصة. بينما يذخر الفكر الديني بالحديث عن "العباد" و "الخلق" دون ادنى تميز للفئات الاجتماعية.

وربما كانت تيارات الخمسينات محقة في استخدام مصطلح الجماهير، وذلك في مواجهة "النخب السياسية" التي كانت تعبر عن مصالح ذاتية، ولكن في الآليات السياسية كانت الجماهير لا تخرج في الفعل الواقعي عن "العوام" الذي ملأت كتب التراث.

الجماهير استهدفت من قبل الإذاعات في تلك الفترة، وكانت التعبئة في كثير من الأحيان أشبه بـ"الطوشة" التي نراها في كتاب "بدير الحلاق" حول احداث دمشق اليومية. ووسط استخدام كلمة الجماهير ذاب التمايز للفرد، وأصبحت كلمة المساواة هي الأكثر شعبية. والمساواة شأن ميز سمة "العوام" كما نراها في التراث، حيث الجميع يفهمون الأمور بظواهرها وليس هناك من بروز لشخصية الفرد.

عمليا فإن "العوام" هو تطوير لمفهوم العدد في القبيلة ولكن على أساس من سيطرة رجال المعرفة التراثية بدلا من شيخ القبيلة. في المقابل فإن الجماهير أيضا هي كم عددي لسنا مسؤولين عن تفاوت أدائهم بل المهم "قوة الحشد".

الجماهير في الفكر الذي نظر لها كان انطلاقا من شريحة واسعة تملك مصلحة واحدة وحكمتها مؤسسات، وبغض النظر عن أسباب سقوط الاتحاد السوفياتي، فإن المؤسسات كانت الفعل الناظم "للجماهير" رغم أن الفكر الماركسي استخدم الطبقة.

ربما المهم اليوم أن نعرف تماما أن الخطاب المعرفي لا يتوجه إلى جماهير بالمفهوم التقليدي، وهو عرضة للتقلب والانتقاد، ووظيفته دفع "الجماهير" لخلق تياراتها بدلا من مساواتها على سوية واحدة.